الفصل الأول: في قاعة المحكمة

على الرصيف في أحد الشوارع جلست امرأة تبدو في مقتبل العمر تبكي بحرقة على ما حلّ بها، وكلمّا مرّ شخص من أمامها سألها إن كانت لها حاجة ملحّة ويمكنه تقديم المساعدة تُجيبه بالنفي وأنها متعبة لا أكثر، إلا أنّ الحقيقة أنها كانت تحمل على ظهرها حملًا كبيرًا أرهق نفسيتها وجعلها تبدو كالعجوز الضعيفة لا حول لها ولا قوّة.

وفي قاعة المحكمة العامة حيث كان القاضي يجلس على منصته يُراجع أوراق إحدى القضايا دخلت امرأة وأمارات الحزن والبكاء بادية على وجهها، فألقت تحية خجولة ردّها لها القاضي ثم سألها عن سبب مجيئها إلى هنا، فقالت: أريد أن تعدني يا حضرة القاضي ألا تردّني خائبة، فقد ضاقت بي الأرض ولم يعد لي من شيء ألجأ إليه سوى المحكمة وقاضيها الموقّر، فأجابها القاضي: هاتِ ما عندك.


الفصل الثاني: طلقني من زوجي

جلست المرأة على الكرسي أمام القاضي تلتقط أنفاسها ثم قالت والدموع تتجمع في عينيها: أريد أن تطلقني من زوجي، فلم أعد أحتمل الحياة معه، فأجابها القاضي: حسنًا، لكن أريدك أولًا أن تذكري الأسباب التي دفعتك إلى ذلك، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة أشار القاضي إلى أحد المساعدين في المحكمة لإحضار ورقة وقلم، وسلّمها إلى المرأة ثم قال: خذي هذه الورقة واكتبي عليها سلبيات زوجكِ والأسباب التي توجب الطلاق.


دهشت المرأة من ذلك إلا أنها أخذت الورقة والقلم وبقيت تفكر عدة دقائق قبل أن تكتب شيئًا، وبعد قرابة الساعة سلّمت المرأة إلى القاضي، والذي أخذ يقرأ ما كُتب فيها: زوجي يغضب بشدة في بعض الأحيان، زوجي لا يُحضر لي ما أطلبه منه فهو بخيل، فقال القاضي بدهشة: أهذه الأسباب فقط التي تريدين من أجلها الطلاق؟!! قالت المرأة: لن تستطيع أي امرأة أن تعيش مع رجل فيه هذه الصفات.


تناول القاضي ورقة ثانية وسلمها للمرأة وقال: هذه المرة أريدك أن تكتبي إيجابيات زوجكِ، وأرجو منكِ أن تكوني منصفة، أخذت المرأة الورقة على مضض وقبل أن تبدأ بالكتابة قالت: يبدو أنّك لا تريد أن تطلقني من زوجي!!! فقال القاضي: افعلي ما أطلبه منكِ ولن تكوني إلا راضية، فجلست فترة تفكر ثم سلّمت الورقة فارغة، وقالت: لم أجد لزوجي إيجابية واحدة.

الفصل الثالث: بعد تفكير عميق

بدأ القاضي بحنكته وخبرته الطويلة حديثه مع المرأة، وسألها عن عمل زوجها وكيف يقضي وقته بعد عودته من العمل، فأجابت: عمله جيد ومكانته رفيعة فيه، مما يدرّ عليه قدرًا وافيًا من المال، وعندما يعود إلى المنزل يكون مزعجًا...، فقاطعها القاضي: وكيف ذلك؟! قالت: يقضي وقته باللعب مع الأولاد ويصدرون أصواتًا مزعجة، جاء ردّ القاضي: سجلي هذا في ورقة الإيجابيات، فأنا أعرف آباء كُثُر لا يلعبون مع أطفالهم، بل ويضربونهم.


تابع القاضي الحديث واستطاع جعل المرأة تكتب عشر إيجابيات أخرى لزوجها، وهنا توقف عن الحديث معها، وأمسك بالورقتين كلّ واحدة منها بيد ثم قال: والآن هل تريدين أن أطلقك من زوجك؟ فصمتت وهي تنظر إلى الورقتين ثم قالت بعد تفكير عميق وصمت طويل: لا أعرف ماذا أقول!! فقال القاضي: لا أنفي عن زوجك سلبياته، ولكن حسناته كثيرة ويمكنك العيش معه بسعادة وحب، قالت المرأة وهي تجهز نفسها للخروج من المحكمة: دعني أفكّر في الموضوع أكثر، وذهبت ولم ترجع.


ولقراءة المزيد من القصص التي تحمل العِبرة: قصة جهل قاتل، قصة التاجر رشيد.