الفصل الأول: التاجر رشيد

الحاجّ رشيد رجل قدير من رجالات القرية يعمل في تجارة العسل والسمن، وقد كان مشهودًا لك بين الناس بالأمانة وحُسن الخُلق والتعامل، كما كان الحاج رشيد حريصًا في عمله أيّما حرص وصادقًا أيّما صدق، إذ ينتقي أجود أنواع العسل والسمن وأحسنها، ويبيعها للناس فيدعون له بالخير والبركة، وقد استمرّ على هذا النهج السليم طيلة سنوات عمله، فلم يسمع أحدٌ في يوم أنّ الحاج رشيد غشّ أحدًا أو قلّل من جودته.


كان الحاجّ رشيد ذا سمعة طيّبة لأمانته في تجارته وسماحته في البيع والشراء، ولا ينفكّ لسانه عن حمد الله تعالى وشكره على عطائه والرزق الحلال، وكان دائمًا ما يُحاول أن يعلّم ابنه ويُهذّبه حتى يسير على نهجه عندما يشتدّ عوده ويصير معروفًا بين رجالات السوق وبين أهالي القرية، ويحرص على تذكيره وتذكير زوجته أنّ مصدر السعادة الحقيقية هو الرضا بما يكتب الله للعبد.


الفصل الثاني: الابن الغشاش

في يوم من الأيام شعر الحاج رشيد ببعض التعب، ولم يُستطع أن يُكمل يومه في السوق كالعادة، لذا لم يتمكّن أن يبيع كامل بضاعته من السمن والعسل في ذلك اليوم، وعاد إلى منزله ليستريح قليلًا على أمل أن يعود في اليوم التالي بصحّة جيّدة ويعوّض بيعه، لكن عندما استيقظ في اليوم التالي زاد شعوره بالتعب واشتدّ عليه المرض، فلم يستطع الخروج إلى السوق وفتح محلّه، وقرر أن يبقى هذا اليوم أيضًا في المنزل ليستعيد عافيته.


جرت الرياح بما لم تشتهِ سفن الحاجّ رشيد؛ فقد ظلّ المرض ملازمًا له عدة أيام قضاها نائمًا في فراشه لا يستطيع أن يبرحه، وكان لا بدّ من متابعة أمور المحلّ والبيع والشراء، فطلب الحاج رشيد من ابنه أن يأخذ مكانه حتى يخفّ عنه المرض، وقال له: اسمع يا بنيّ، تستيقظ يوم غدًا في الصباح الباكر وتبدأ في تجهيز العسل والسمن كما كنتُ أفعل حتى يكون جاهزًا للبيع فيما بعد.


وبالفعل استيقظ الابن فارس في صباح اليوم التالي كما طلب منه أبوه، وأخذ يُنادي في السوق على بضاعة أبيه مُعرّفًا بنفسه بأنه ابن التاجر رشيد، وأخبر الجميع أنّ والده مريض هذه اليوم ولا يقدر على الخروج إلى السوق، لذا فهو سينوب عنه، فاجتمع الناس حوله يشترون منه ويدعون لوالده بالشفاء والخير. ويومًا بعد يوم ازدادت النقود في يد فارس فأغشت بصره عن طريق الصواب.


فلما رأى فارس أنّ البيع جيّد والأرباح تزداد فَكَّرَ في نفسه وقال: ما دام الجميع يشتري منا فما الضّير لو أضفت إلى العسل القليل من الماء والسكر وإلى السمن القليل من الملح؟ فبذلك أوفّر من البضاعة وأكسب المزيد من المال، وبالفعل نفّذ فارس ما جال في خطره وازدادت النقود في يديه وزاد معها طمعه وجشعه، كما بدأ يزيد بمقدار ما يغشّ به الناس، دون أن يُدرك العواقب الوخيمة لذلك.


الفصل الثالث: الجزاء

بدأت الناس والزبائن تلاحظ التغير في السمن والعسل من محل الحاج رشيد الذي ما زال مريضًا وابنه فارس متوليًا الأمر، فعزفت الناس عن الشراء منه، ولم لاحظ فارس قلّة البيع ذهب إلى أبيه يُخبره بما حصل؛ فحزن الحاج رشيد لما سمع ونهر ابنه بشدّة، مُذكرًا إياه بعقاب الله عزّ وجلّ، وأنّ الحرام قام على الحلال فبعثره، وهنا بكى فارس بكاءً شديدًا نادمًا على سوء صنيعه، إلا أنّ ذلك كان بعد فوات الأوان.



ولقراءة المزيد من القصص التي تحمل بين طياتها العِبَر: قصة جهل قاتل، قصة ربع صديق.