النّدم

يامن شابٌّ وسيم في أواخر الثلاثينات من عمره، يعيش حياة هادئة يملَؤها الاستقرار مع أُسرته المكونة من والدته، وزوجته، وأطفاله الأربعة في شيكاغو، يعمل يامن في استثمار الأسهم والعُملات الرقمية مُنذ ثلاث سنوات، وهو ما أدّى إلى تحسّن حالته الماديّة بشكلٍ كبير.


كان يامن قبل ذلك يعمل كموظف في إحدى الشركات مقابل راتب زهيد، إلى أن تعرّف على خالد الذي يعمل بالمُساهمة منذ صغره، والذي أقنعه بالدخول إلى عالم استثمار الأسهم مثله، لما له من مردود مالي كبير على الفرد بالإضافة إلى حبّهما لروح المجازفة في العمل، ومُنذ ذلك الحين نشأت بين الشابين علاقة طيّبة، فأصبحا يتبادلان الزيارات العائلية مع زوجتيهما وأطفالهما، حيث كان لدى خالد طِفلٌ وحيد كان قد أنجبه بعد رحلة علاج طويلة استمرت عشر سنوات منذ بداية زواجه.


وفي يوليو من عام ألفين وأربعة عشر قرّر خالد وزوجته هناء إقامة حفل عيد ميلاد لابنهما الوحيد، وقاما بدعوة يامن وزوجته وأطفالهما الأربعة ومعازيم آخرين لمشاركتهم العشاء وحضور الحفل، وبالفعل حضر الجميع وكانت ليلة مميّزة، فصوت الموسيقى المرتفع، وكعكة عيد الميلاد، وضجيج الأطفال الذين يلعبون في الحديقة الخلفية جعلها كذلك، بدا كلّ شيء على ما يرام إلّا أن تذكرت هناء زوجة خالد أنها نَسِيَت إحضار الخبز من السوق أثناء تحضيرها للعشاء، فقد كان يومها مليءٌ بالتجهيزات، وعندما علِمَ يامن بذلك قرّر أن يستقل مركبته ويذهب لإحضار الخبز بنفسه بدلاً من خالد، إلّا أنه وعند رجوعه بالمركبة إلى الخلف ارتطم بجسمٍ غريب وسمع صوتاً مرعباً لم يفهم مصدره إلّا عندما نزل من المركبة ليتفاجأ بأن الشيء الذي ارتطم به كان ابن صديقه خالد الملقى على الأرض وسط دمائه، بدأ الأطفال بالصراخ لما رَأوه، فيما دخل يامن في حالة من الصدمة فوقف متصنّماً لا يُبدي أي ردّة فعل.


وعندما سمع خالد وزوجته صراخ الأطفال خرجا ليكتشفا ما جرى، وما لبثا إلّا أن شاهدا ابنهما الوحيد تحت عجلات المركبة لا يحرّك ساكناً، انهارت الزوجة عند رؤية ابنها بهذا الحال، فاستقل خالد مركبته مسرعاً مع زوجته يحملان ابنهما لأقرب مشفى لعلّهما يستطيعان إنقاذه، أُدخل الفتى إلى الطوارئ، ثمّ إلى غرفة العمليات على عجل، وما لبث إلّا أن خرج الطبيب منها وأمارات الحزن بادية على محيّاه ليخبرهم بأن ابنهما قد فارق الحياة، لم يصدق الزوجان كلام الطبيب، فحضر طبيبٌ آخر وقام بتهدئتهما، وأكّد لهما أن ابنهما قد فارق الحياة فعلاً، وفي هذه الأثناء وصل يامن وعائلته إلى المستشفى للاطمئنان عن حالة الطفل، ليفاجأ بوجود رجال الشرطة الذين قاموا بالقبض عليه وحبسه على الفور، مكث يمان بين القضبان أيام عديدة يعيش حالة من الاكتئاب الشديد، رافضاً الطعام والحديث، شاعراً بالذنب الكبير ومُعتبراً نفسه المسؤول عن قتل ابن صديقه الوحيد، وبعد أسبوع قامت الشرطة بالإفراج عنه باعتبار القتل كان عن طريق الخطأ، ومن دون قصد.


قاتل مأجور

خرج يمان من السّجن وهو لا يزال يعتبر نفسه المذنب الوحيد في هذه الحادثة، وفور خروجه ذهب إلى خالد يستسمحه ويعتذر منه عمّا حدث، طالباً القصاص منه بأي شكل للتكفير عن ذنبه، لكن خالد كان صابراً مؤمناً بقضاء الله، وطلب من يمان أن يعيش حياته وينسى ما حصل؛ فهذا قضاء الله وقدر الطفل، بالإضافة إلى أنّ ما حصل كان عن طريق الخطأ ليس أكثر، أصرّ يمان على تعويض صديقه بأيّ طريقة، وعرض عليه أن يُعطيه جميع أمواله للتكفير عن خطأه، فرفض خالد مرّة أُخرى موضحاً له أنه قد سامحه من قلبه.


عاد يمان إلى بيته وحالته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فكان يرفض الذهاب إلى العمل والاختلاط بأي شخص سوى عائلته، رغم المحاولات العديدة من والدته وزوجته بالتخفيف عنه وإقناعه بأن لا ذنب له بما حدث، لكنه لم يقتنع واستمر بحالة الاكتئاب والعزلة، وفي أحد الليالي وعند جلوسه وحيداً راودته فكرة الانتحار، فكّر قليلاً وذهب إلى غُرفة مستقلة لتناول بعض الحبوب وإنهاء حياته، وعندما هَمّ بشربها تردد كثيراً ولم يجرؤ على ذلك، فخرج مُسرعاً من الغرفة، وذهب للخلود إلى النوم وبقي يفكّر كيف يتخلص من حياتِه بطريقة سهلة، سكن يمان هنيهة وهو يفكّر، وتذكّر فيلماً كان قد شاهده هو وزوجته في إحدى الليالي، فأمسك هاتفه على عجل ودار بين الأرقام الموجودة فيه سريعاً، ثمّ هاتف صديقا له يُدعى سميث، ودار بينهما حوار طويل انتهى بجملتين.


يمان: حسناً سميث اتفقنا؟

سميث: اتفقنا يا صاحبي، سأدلّك على ذلك الرجل، فقط احضر على موعدك غداً ولا تتأخر، فجداول هذا النوع من الأشخاص مليئة بالمواعيد.


وفي اليوم التالي انطلق الرجلان يستقلّان سيارة سميث التي ركناها على بداية شارع وأكملا السير عبر طريق ضيق شبه مهجور، ليصلا إلى مستودع ضخم من الألمنيوم طرق بابه سميث طرقات متتالية ذات نسق معيّن، فإذا برجل ضخم الجسم أعور العين يفتح لهما الباب، ويسير أمامهما ليصلا إلى الرجل الذي جاءا لمقابلته، إنّه جي سوان أكبر قاتل مأجور في المنطقة، حيّاهما بيده التي ارتدى فيها سواراً من الجماجم الحديدية وطلب من يمان مبلغاً مقدّماً من المال لقاء الخدمة التي سيقدّمها له دون أن يعرف الأسباب التي جعلته يُقدم على طلبه هذا، وما إن قدّم له يمان المبلغ المطلوب حتى طلب منه تحديد هويّة القاتل واسمه، وعنوانه، قلّب يمان في صور هاتفه النقّال قليلاً حتى وقف على صورة له تجمعه بعائلته، ثمّ مدّ الهاتف حتى قارب وجه جي سوان ووضع أصبعه على رأسه وقال: هذا هو، أريد أن تقتل هذا، حملق سوان وسميث ببعضهما البعض وفغرا أفواههما وهما يرياه يشير إلى نفسه ويقول: نعم، هذا هو، واسمه يمان، هذا مالك الذي تريد، فقط نفّذ...