قصة زهراء

في مدينة مزدحمة تعيش أسرة مكونة من الأم والأب وثلاثة من الذكور تتوسطهم زهراء، تلك الفتاة الوحيدة بينهم التي كانت تعاني من ضغوطات من قبل إخوتها كونها الأنثى بينهم.


تقضي زهراء معظم وقتها داخل المنزل، لأنّ إخوتها لا يسمحون لها بالخروج إلّا معهم لذا تقوم بمساعدة والدتها في الاهتمام بشؤون المنزل كافة، وكلّما طلبت منهم الخروج وحدها يوبّخونها ولا يسمحون لها بذلك، فيما كان لزهراء صديقة مقربة تدعى سلام كانت قد تعرفت عليها منذ أيام المدرسة لذا كانت تتردّد على منزلها كلما أرادت رؤيتها كون زهراء لا تستطيع الخروج معها، وأثناء إحدى زياراتها لها قالت لها: لما لا تبحثين عن عمل بدلاً من جلوسك في المنزل!

ضحكت زهراء وقالت: إنّ إخوتي لا يقبلون أن أخرج معكِ وحدنا، أتريدين منهم أن يسمحوا لي بالخروج يومياً وحدي إلى العمل!

قالت سلام: لما لا تخبري والدتك بذلك لتحاول إقناعهم!

حكّت زهراء رأسها وقالت: ممم إنها فكرة جيدة، سأحاول بالرغم من ثقتي من عدم موافقتهم.

وعندما غادرت سلام ذهبت زهراء إلى والدتها وقامت بإخبارها بذلك، لعلها تستطيع إقناع إخوتها ووالدها بالعمل، فاحتدّت الأم وقالت لها: أتريدينني أن أفتح هذا الموضوع معهم، أفقدتِ رشدك؟

-أمي.. لقد أمضيت طوال حياتي حبيسة هذا المنزل لمَ لا نجرّب الحديث معهم علّهم يوافقون.

-حسناً، لكن أي عمل هذا الذي سيناسب وضعك؟

-لا أعلم، لكن صديقتي سلام ستساعدني في إيجاد عمل مناسب.

وافقت الأم، وقامت في ذات الليلة بإخبار والد زهراء وإخوتها بذلك، ولمّا سمعوا قولها هذا غضبوا غضباً شديداً، إلا أنها قامت بإقناعهم بعد عناء، بشرط أن تعمل في مكان مناسب، فيما يقوم بإيصالها وإرجاعها يومياً واحد منه، فرحت زهراء كثيراً واتصلت مع صديقتها سلام لكي تباشر البحث لها عن عمل مناسب في أقرب وقت ممكن.


في صباح اليوم التالي جاءت سلام مُبكراً إلى منزل زهراء وأخبرتها أنها وجدت لها عملاً كموظفة استقبال في عيادة طبية كبيرة، ففرحت زهراء التي لم يسبق لها العمل

وجهّزت نفسها في صباح اليوم التالي للذهاب لأول يوم دوام لها، حيث مرّ بشكل جيد، وكان المراجعون يترددون إلى العيادة فيما هي مستمتعة بالتعامل مع فئات مختلفة من الناس، كونها هذه المرة الأولى التي تخرج فيها وحدها خارج المنزل وتعتمد على نفسها، وبقيت على تلك الحالة أسابيع عدّة، فيما لا يزال أخوتها يقومون بايصالها ومرافقتها في طريق الذهاب والعودة إلى المنزل، وفي أحد الأيام وأثناء عملها جاء نبيل، ذلك الشاب الذي يعمل في مجال الهندسة لزيارة الطبيب، وعند وصوله كان هنالك العديد من المرضى الذين يجلسون بانتظار دورهم، وأثناء ذلك الوقت جلس مع زهراء وبدآ يتحدثان سوياً، فيما شعر نبيل بالإعجاب نحوها، فقد كانت فتاة لطيفة وخجولة جداً، ممّا جعله يتذرّع بالمرض كل فترة من أجل المجيء إلى العيادة ورؤيتها، واستمرّ على ذلك الحال إلى أن أصبحا يلتقيان أسبوعياً داخل العيادة، وعندها قرّر الاعتراف لها وإخبارها بأنه معجب بها، ولمّا سمعت ذلك توترت كثيراً ولم تجبه، بينما طلب منها أن يلتقيا سوياً خارج العيادة إلا أنّها رفضت ذلك، فأخبرها بأنّه يريد خطبتها ولا يريد أذيتها، وبعدما فكّرت في ذلك أخبرته عن وضعها مع إخوتها، فتقبّل ذلك وطلب منها أن تخبر والدتها بأنّ أحدهم يريد خطبتها، لكنّها لم تجرؤ على قول الحقيقة فقالت لها أنّه رآها صدفة في عملها وطلب منها أن يتعرّف على أهلها قبل الحديث معها، ففرحت والدتها بذلك وأخبرت زوجها، ليقوم بتحديد موعد في الأسبوع القادم لرؤيته، وعند حلول الموعد، جلس إخوتها ووالدها معه وبدأوا بالتعرّف عليه، إلّا أنّ نبيل ظلّ يحدثهم طوال فترة جلوسه عن أصل عائلته العريقة وعن عمله الذي يفتخر به في مجال الهندسة، وعن وضعه الاجتماعيّ، فيما كان يقاطع والد زهراء وإخوتها كلّما همّوا بالحديث ليعاود هو الحديث عن أصله وفصله، ممّا استفز والدها وأغضبه، ولمّا تمادى نبيل بفوقيته، قام والدها بطرده من المنزل غاضباً وأخبره أنه غير موافق على طلبه.


دخلت زهراء غرفتها مُسرعة بعد ما حصل، واتّصلت بنبيل الذي استشاط غضباً لتهدئته، وفي تلك الأثناء كان نبيل يشعر بالإهانة الشديدة فهدّد زهراء بأنّها ستخسره للأبد إن هي لم توافق على رؤيته غداً، وسماع ما يريده منها. تعذّرت زهراء بعدم قدرتها على الخروج معه وحدهما، لكنّه هدّدها ثانية بالانفصال عنها فوافقت على لقائه لربع ساعة ليس أكثر، وفي اليوم التالي وفور وصولها حيّاها، ثمّ طلب منها الهروب معه والزواج منه دون علم أهلها، فذلك هو الحل الوحيد، ولمّا سمعت زهراء ذلك غضبت كثيراً ورفضت ذلك رفضاً قطعياً، فيما اختفى نبيل، وتجاهل مكالماتها جميعها لعدّة أيّام، ممّا دفعها بعد تفكير طويل لإرسال رسالة نصيّة تقول فيها "لقد وافقت.. ردّ على مكالمتي لنتّفق على التفاصيل"، ولمّا سمع نبيل ذلك انتهز الفرصة، واتّصل بها فيما حدّدا موعداً سينتظرها به أمام المحكمة لإجراء معاملة الزواج...


صدمة زهراء

في صباح اليوم التالي استيقظت زهراء مبكراً وارتدت ثيابها، وقامت بتقبيل والدتها قبلة الوداع، وخرجت مُسرعة إلى المحكمة، وعند وصولها كان نبيل ينتظرها أمام باب المحكمة ليدخلا سوياً للبدء بإجراء معاملة الزواج، وقبل الإمضاء على عقد الزواج وقعت عينا نبيل على مؤهل زهراء العلمي "الصف التاسع"!!

حملق عينيه وسألها: ألم تكملي دراستك الجامعيّة كما اعتقدت!!

قالت له: لا، بل أخرجني إخوتي من المدرسة، ولم يسمحوا لي بإكمال الدراسة.

فأمسك يدها التي كانت على وشك الإمضاء على العقد، وقال: لحظة لحظة.. هذا لن ينفع، فأنا لم أكن أعلم بذلك أنا مهندس وأنتِ لم تكملي المرحلة الثانوية حتى.

قالت له: ماذا تقصد بذلك؟

قال وقد ثناها عن الإمضاء: أعتذر منكِ، لكنّ يجب أن تكون زوجتي على قدر من العلم والثقافة.

ثم أدار ظهره وخرج، فيما أبقت الصدمة زهرة واقفة وسط قاعة المحكمة بلا حراك تفكّر كيف ستعود لأهلها الذين تركت لهم رسالة مطويّة تخبرهم فيها بزواجها على الطاولة!.