خبرٌ مفجع

يعمل حمزة في العِتالة فعلى الرغم من دراسته لتخصص الصيدلة إلا أنّ ظروف الحياة لم تسمح له بممارستها، وجعلته يقبل بأي عمل في سبيل لقمة العيش.


الفصل الأول

تزوّج حمزة من فتاة تدعى صباح بعد أن تحدّت والدها لمباركة زواجهما، وذلك بعد رفضه له بسبب وضعه الاقتصادي الذي يرثى له، حتى استسلم للأمر الواقع أمام رغبتها.

مرّت ثلاث سنوات كاملة لم تنطفئ خلالها جمرة حبهما بالرغم من عدم إنجابهما للأطفال، لكن بعد تلك الفترة المنصرمة شعرت صباح في أحد الأيام بتعب وإرهاق شديدين ممّا جعل حمزة يرافقها إلى الطبيب للاطمئنان على صحتها، وحينها بشّرهما الطبيب بأنهما سيرزقان بمولودهما الأول بعد عدّة شهور، ولمّا سمعا ذلك لم تسعهما الدنيا فرحاً حتى أنّهما كادا يطيران في الهواء من شدة حماسهما، اقترب حمزة منها وقال بصوت مرتجف وعينين لامعتين: آخ، وأخيراً سيتوّج زواجنا بالإنجاب.

ابتسمت بحماس وقالت: ستكون أباً رائعاً.

استطرد الطبيب حديثهما وقال: آآآه توقفا، لنجري بعض الفحوصات الإشعاعية الإضافية.

نظر الزوجان إلى بعضهما البعض، وقالا بصوتٍ واحد والابتسامة تكاد تشقّ شفتيهما: ولمَ لا! أهم شيء أن يكون ابننا على ما يرام.

بعد مرور أسبوع توجها للطبيب سوياً لمعرفة نتائج الفحوصات، وعند دخولهما قطّب الطبيب حاجبيه وهو يتطلّع نحو صور الأشعة المقطعية ثم تنهّد وقال:

-آآآه، ثمّة شيء لا يبشّر بالخير.

عمّ الصمت عليهما وهما يراقبان شفتي الطبيب مترقّبين ما سيقول، فقال: لقد بيّنت نتائج الأشعة التي أجريتيها وجود كتلة سرطانية في القولون.

رمقته صباح بنظرة مستغربة، والتفتت لحمزة وقالت له بصوت أقرب للبكاء: وماذا يعني ذلك؟

هدّأها حمزة والتفت للطبيب وقال بصوت مرتجف: ماذا يعني ذلك؟

زفر الطبيب في ضيق وقال: يعني أنّ علينا البدء برحلة العلاج فوراً وإلا...

ارتعشت صباح وصرخت في وجه الطبيب قائلة: وإلا ماذا؟

بدأ الطبيب بتوضيح طبيعة مرضها لهما، وأخبرهما بضرورة البدء بأخذ العلاج فوراً بشكل يومي ولمدة شهرين متتاليين، فيما سيتضح مدى استجابة جسمها للعلاج بعد انتهاء الكورس العلاجيّ، وحينها سيتخذ قراراً بشأن إبقاء الجنين من عدمه.

عادا الاثنان إلى منزلهما وكأنما ثمة جبل على صدرهما، وعند وصولهما كانت صباح تجلس ساهمة وحدها حتى التقط حمزة نفساً عميقاً ملأ به رئتيه بالهواء وأمسك يدها وقال: لنبدأ رحلة العلاج معاً، علّنا نحافظ على حياة ابننا.

تنهّدت صباح وقالت له ممتعضة: آهٍ يا حمزة، لكن كيف سندبّر مصاريف العلاج!

أمسك يدها وقد اغرورقت عينيه بالدموع وقال: لا تقلقي، سأعمل ليلاً ونهاراً في سبيل علاجك، ومن الغد سأبحث عن عمل إضافي، بل سأرسل ليونس لأعمل معه في دكّانه مع ساعات الليل.

بدأ حمزة بالعمل مجاهداً نفسه ليلاً ونهاراً، في الصباح يخرج للعِتالة ومع حلول الليل يبدأ عمله في دكّان يونس جامعاً ما يحصّله من نقود لعلاج صباح التي كانت تتجه يومياً لأخذ العلاج، فيما لم تكن كل تلك النقود تغطّي ثمن حقن علاجها الباهظة.


الفصل الثاني

في أحد الأيام وأثناء ذهاب حمزة لعمله الليلي كان يمشي مطأطئاً رأسه يائساً من ضيق حالته الاقتصادية، وفجأة أوقفه شاب طويل في جبينه علامة جرح بارزة يغطيها أغلب الوقت شعره الأحمر، يقطن في المنزل الذي يجاوره حسب قوله، لكنّه لم يسبق له رؤيته من قبل، كان الشاب يحملق بحمزة متكئاً على باب منزله ثمّ ناداه قائلاً: هيه، أأنت حمزة؟

رمقه بنظرة متعجبة وقال: نعم، ماذا تريد؟

اقترب منه الشاب وهمس في أذنه قائلاً: لقد سمعت أنك درست الصيدلة أهذا صحيح؟

رفع حمزة حاجبه وقال: ها! نعم، لكنني لم أمارسها منذ تخرّجي.

-أنا فيصل، استأجرت هذا المنزل حديثاً وأنا أقيم سهرات ليلية مع أصدقائي بشكل متكرر، وكنا بحاجة إلى ممرض أو صيدلاني لإعطائنا حقن بشكل يومي.

فتح حمزة عينيه متعجّباً وقال بصوت عالٍ: وما طبيعة تلك الحقن؟!

وضع فيصل يده على فم حمزة حاملاً سكيناً أخرجها من جيبه وقال: هيه أخفض صوتك وإلّا..، إنّها حقن مخدرة نحتاج أحداً يعطيها لنا مقابل مبلغ كبير من المال.

شهق حمزة ورفض طلبه، وعندما همّ بالرحيل تذكّر مصاريف علاج زوجته التي أثقلت ظهره، فما كان أمامه إلّا الالتفات نحوه والموافقة على طلبه، حتى أن شريط حياته المستقبلية بعد شفاء زوجته وإنجابها لطفلهما الأول الذي طال انتظاره مرّ أمامه فكان سبباً في قبوله، حتى قاطعه صوت الشاب ذي الشعر الأحمر: هيه أيّها الرجل سننتظرك غداً في هذا الوقت.

مع حلول ليل اليوم الذي يليه وأثناء توجه حمزة إلى عمله وقف أمام باب فيصل المجاور لمنزله وعندما همّ بقرع الجرس تردّد وأوشك على الرحيل، لكنّه أخذ نفساً عميقاً وقرّب يده المرتعشة وقرعه، وعند فتح فيصل الباب أدخله إلى غرفة الجلوس التي كانت تصخب بالموسيقى والشبّان، وعندها قام فيصل بإعطائه الحقن المخدرة باشمئزاز على عجل، وفور إعطائها لهم مدّ فيصل يده في جيبه وأخرج منها رزمة نقود كبيرة وقدّمها له، لقد كانت هذه المرة الأولى التي يمسك بها حمزة مبلغاً كبيراً بهذا القدر ممّا أنساه فعلته، فوضع النقود في جيبه ثم غادر المنزل فوراً.


الفصل الثالث

خلال أسبوعين تحسّنت حالة الشاب الماديّة بشكل ملحوظ حتى نُقل من ضيق الفقر إلى رحاب الثراء الواسع، ممّا أثار استغراب صباح، فأخبرها بأنّ عمله مع يونس يجني له الكثير من الأموال، وظلّ مستمراً بالعمل معه مختبئاً تحت عباءة دكّانه، إلى أن وفي أحد الأيام وبعد حلول منتصف الليل كان حمزة عائداً من عمله متجهاً نحو منزله، وقبل وصوله رأى أحد الشبّان الذين يتعاطون المخدرات مستنداً على عمود إنارة مجاور لمنزله وقد بدت علامات القلق على ملامح وجهه حتى أوقفه مرتجفاً وقال له: لقد طال انتظاري لك، أدخل معي إلى الداخل فوراً.

نظر له حمزة متعجباً وقال: ما بك! ألم أُعطكم الجرعة قبل ساعات؟

قام الشاب معتز بجرّه إلى الداخل رغماً عنه، وفور دخوله رأى أحمد ممدداً على الأرض والدماء تسيل من صدره، وكأنه قد تعرض لطعنة ما،

وحينها بُهت واصفرّ وجهه وقال: ماذا حلّ به؟

-لا شأن لك، عالجه وحسب.

-ها! من قال لك أنني طبيب! من الأفضل نقله إلى المستشفى.

مسكه معتز من قميصه غاضباً: أمجنون أنت! لا يمكن أن نجعل أحداً يراه بهذه الحالة، هيّا..عالجه وإلا...

حينها اقترب حمزة مرغماً وبدأ يحاول بيديه المرتعشتين تنظيف الجرح وتضميده، وفور انتهائه تنهّد وقال يائساً: هذا ما أستطيع فعله، كما أن عليه أن ينال قسطاً وافراً من الراحة.

وعندما همّ على الخروج أمسك معتز بيده ودسّ في جيبه رزمة نقود.

فنظر إليها دون اكتراث هذه المرة ومضى في طريقه، وقبل وصوله طرقت مسامعه خالص الدعوات التي أطلقها جاره محمود له وقال: ستتجاوز زوجتك هذه الأزمة بإذن الله.

حملق حمزة به وقال: ها! ما بالها صباح؟!

-لقد جاءت سيارة إسعاف منذ قليل، ونقلتها إلى المستشفى المجاور لنا.


النهاية

شهق حمزة وذهب مسرعاً نحو المستشفى وشريط حياتهما يمر أمامه متوسلاً لله أن يطرد عنها ذلك المرض اللعين الذي فتك بها، وفور دخوله لها وجدها ممدّدة على سرير تتوسط أجهزة قد ارتبطت بجسدها، فاقترب منها يفهم ما جرى، فقالت وهي بالكاد تستطيع التقاط أنفاسها: لقد تلقيت بريداً إلكترونياً من المختبر الذي أجرينا به الفحوصات الأخيرة يشير بأنّ نتائجها تعكس تحسن حالتي، ممّا يعني أنه لم يعد هنالك داعٍ لإسقاط الجنين، وعندها قررت الذهاب إلى دكان يونس لأزف لك هذا الخبر السعيد ولكن...

ثم صاحت متألمة آآآخ ... آآخ ليعترض طريقي شاب سران في جبينه علامة جرح بارزة حاول الاعتداء علي، حتى طعنته بأداة كانت بحوزته وكان يهددني بها، وعندما هممتُ بالهروب قام أحدهم برمي بالرصاص و...

وحينها داهمتها رغبة كبيرة بالنوم، ثم طغت غشاوة سميكة على عينيها، ومال جسدها النحيل جانباً وشهقت، ثمّ لفظت أنفاسها الأخيرة وسط صرخات حمزة وتوسّله لها بالبقاء...