الفصل الأول: ظروف صعبة

كانت الساعة تشارف على التاسعة مساء عندما عاد عامر إلى منزله مُرهقًا بعد يوم طويل وشاقّ من العمل، فهو موظف بسيط يعمل في إحدى المؤسسات، وبعد انتهائه دوامه الأساسي يعمل بائعًا في محلّ لبيع المواد التموينية بالقرب من منزله، وذلك كلّه من أجل تأمين حاجاته الأساسية ولقمة العيش، ومع ذلك لم تكن أوضاعه المعيشية تُنبئ بأنها ستتحسّن لا في القريب العاجل ولا حتى بعد زمن بعيد، خاصّةً وأنه مسؤول عن زوجة وثلاثة أطفال.


في تلك الليلة، وبعد أن بدّل خالد ملابسه رمى بجسده النحيل على الأريكة تزامنت مع تنهيدة قوية خرجت من صدره، وبقي يُفكّر بواقعه المؤلم وعجزه عن تغيير أحواله إلى الأفضل، وما أخرجه من حالة الشرود والحزن تلك سوى صوت زوجته وهي تُخبره بنفاد حليب الأطفال وبعض الحاجيات الأساسية، فنهض من مكانه والدمعة تسيل على خدّه قائلًا: لقد تعبت من هذه الحياة، تعبت تعبت، ثم انصرف إلى غرفته.


الفصل الثاني: قارب الموت

صدر القرار النهائي من عامر؛ الهجرة خارج البلاد، فالأوضاع لم تعد تحتمل وهو مُجبر على هذا القرار، وبالفعل باع عامر بيته بكل ما فيه من أثاث وحصل على مبلغ يكفيه ليبدأ حياته في الخارج، وقد تم تجهيز جميع حقائب السفر للعائلة، وقبل الذهاب إلى محطة الانطلاق -وكان السفر عن طريق القارب- ذهب عامر إلى أمّه لتوديعها، وكان مشهدًا مؤثرًا لم يكن حاضرًا فيه شيء سوى الدموع، ولما التفت خارجًا أمسكت بيده بقوّة وكأنها تقول له لا تذهب.


في تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا كان عامر وعائلته في عرض البحر مستقلّين القارب -الذي سينقلهم إلى سواحل البلد الجديدة- إلى جانب عائلات أخرى كحال عائلته ضاقت بهم الأرض ذرعًا، وكانت زوجته وأولاده قد راحوا في نوم عميق وبقي هو مستيقظ يفكّر في المستقبل الذي ينتظرهم، وبعد مدّة استيقظت زوجة عامر ولم تدرِ لوهلة أين هي، لكنها بعد أن استوعبت المكان قالت لزوجها: كنتُ أرى منامًا جميلًا، أنا والأولاد في أرض خضراء واسعة نمرح ونلعب، لكنك لم تكن معنا، شعر عامر بشيء مُخيف في داخله، لكنه لم يتفوّه بكلمة واحدة، بل ربت على رأسها بحنان، وبقي الصمت سيد الموقف.


الفصل الثالث: الفاجعة

فجأة تغيرت الأحوال الجوية وهبّت عاصفة قوية أخذت تؤرجح القارب بمن فيه يمنة ويسرة، وما زاد الطين بِلّة أنّ المحرّك تعطّل وسائق القارب بقي حائرًا يفكّر بما يجب عليه فعله في مثل هذه الظروف، وهنا بدأت أصوات البكاء والخوف تتعالى بين الرّكاب، ولم يكن من عامر إلا أن ضمّ زوجته وأولاده إلى صدره لحمايتهم مما قد يحدث، إلا أنّ الأمواج الهائجة أعلنت غضبها وسخطها على البشر، وكانت أقوى من ضمّته تلك.


انقلب القارب رأسًا على عقب، وصار الجميع في المياه يواجهون شبح الموت غرقًا، وكان عامر يعرف السباحة جيدًا، وحاول بكل ما فيه من قوة أن يبقى ممسكًا بأولاده وزوجته، والتي نظر إلى عينيها ووجد فيهما ألف حكاية وألف سؤال، ووسط الصرخات استطاع أن يسمع صوتها تقول: أنتَ أفضل زوجٍ وأب في العالم، وقبل أن يستطيع الردّ عليها جاءت موجة أخرى أخذت الزوجة والأولاد منه لتتركتهم جثثًا هامدة في قاع البحر، فانطلقت منه صرخة ملأ صداها البرّ والبحر، وقال: سامحوني أرجوكم سامحوني، كنتُ أريد أن تعيشوا عيشة أفضل، لكنّي أخذتكم إلى الموت بيديّ.

ولقراءة المزيد من القصص الواقعية: قصة عهد الأصدقاء، قصة أعيدوا ابنتي.