الفصل الأول: مرض وشحوب

شاحبة الوجه ونحيلة الجسم، هكذا بدت مريم عند خروجها من المستشفى لإجراء الفحوصات والصور الإشعاعية من أجل معرفة إلى أي مرحلة وصل المرض ومدى تأثيره في جسدها، وبالرغم من كل الأوجاع التي كانت تشعر بها والآلام التي لم تستطع إخفاءها عن عائلتها إلا أنّ لسانها لم يتوقف عن ترديد كلمة واحدة: الحمد لله... الحمد لله، ومن المستشفى انطلقت مريم مع والدها ووالدتها بالسيارة باتجاه البيت، وطوال الطريق لم يتفوّه أحد بكلمة، وبقيت مريم تنظر من النافذة والدموع تنهمر من عينيها بصمت لتستقرّ على خدها.


لما وصلت مريم إلى البيت ألقت السلام على شقيقتها الصفيرة فرح، ثمّ دخلت إلى غرفتها على الفور، واستلقت على سريرها وراحت في نوم عميق، وبعد عدة ساعتين تقريبًا جاءت إليها فرح وأيقظتها لتناول الطعام مع العائلة، وعلى المائدة كانت الوجوه كلها واجمة، حتى مريم التي كانت تبتسم وتحاول أن تُطلق النكات كانت تخفي خلف ابتسامتها تلك حزنًا وألمًا كبيرًا، لكن ديدنها الدائم كان الرضا والحمد، ومريم فتاة حنونة ولطيفة، ومحبوبة من كلّ من حولها.


الفصل الثاني: هذه مريم

في منتصف الليل كانت مريم وفرح تجلسان في غرفتهما؛ فرح تتصفح هاتفها وتبحث عن فيلم لتشاهده، بينما مريم كعادتها في مثل هذا الوقت تجلس على سجادة الصلاة وتقرأ القرآن، وتتضرع إلى الله تعالى بالدعاء. وبقيت الفتاتان على حالهما حتى حان وقت صلاة الفجر، عندها كانت فرح تشعر بالنعاس الشديد وقررت أن تغطّ في النوم، فتوجهت إليها مريم بخطوات بطيئة تنمّ عن تعب شديد، ثم أخذت تتلو آيات من القرآن الكريم بصوت عذب.


بعد أن انتهت مريم من تلاوة آيات من القرآن جلست إلى جانب فرح، وأخذت تحدّثها عن الموت وقربه من الإنسان، لذلك عليه أن يكون حاضرًا له دائمًا، وأنهت كلامها بصوت متحشرج: لعلّي أسافر هذه السنة سفرًا بعيدًا إلى مكان آخر...، ولم تستطع أن تكمل فانفجرت باكية، فلما رأت فرح شقيقتها على هذه الحالة قامت وحضنتها على الفور، ثم توجهت إلى المغسلة وتوضأت وصلّت الفجر، وبعد أن انتهت من صلاتها قالت لمريم: أنا خائفة وأريد أن أنام بجانبك، فابتسمت مريم ابتسامة خفيفة ومدت إليها يديها لتقترب منها، ثم راحت الفتاتان في نوم عميق.


الفصل الثالث: نهاية مؤلمة

في تمام الساعة التاسعة صباحًا رنّ هاتف والد مريم، وكان المتصل الطبيب المشرف على حالة مريم، فردّ الوالد بيدين مرتعشتين وعلامات الخوف على وجهه، فجاءه صوت الطبيب يُخبره بنتائج الفحوصات والأشعة، وختم قوله: المرض لن يُمهل مريم طويلًا. لم يستطع والد مريم التفوّه بحرف واحد وجلس مكانه والدمع ينهمر من عينيه دون توقف، فجأة جاءه صوت فرح من بعيد تبكي وتصيح.


كانت فرح تصرخ: مريم لا تتحرك، مريم أرجوكِ استيقظي، ركض والد مريم ووالدتها بسرعة إلى الغرفة، فوجدا مريم كالجثة شاحبة الوجه، ويبدو أنّ النَّفَس يخرج منها بصعوبة بالغة، حمل الوالد جسد مريم النحيل والضعيف بين يديه وانطلق بها مسرعًا إلى المستشفى والجميع يبكي بكاء مريرًا، وبعد دقائق معدودة من دخول مريم غرفة الكشف، خرج الطبيب يشيح بنظره عن عائلة مريم قدر الإمكان وقال: نهش المرض جسدها، هي الآن على الأجهزة ولا ندري كم من الوقت بقي لها.


من أمام غرفة العناية المركزة لم تتوقف الدعوات التي ترافقها الدموع، لكن كل شيء كان يوحي بالكآبة والحزن، والعلامات الحيوية لمريم في تراجع سريع، ومع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ساد صمت طويل في المكان؛ ماتت مريم....، وفجر اليوم التالي لم يكن كأي وقت آخر بالنسبة لفرح، فقد بقيت تتردد كلمات مريم رحمها الله على مسامعها، وكان هذا الفجر بداية عهد جديد في حياتها.


ولقراءة المزيد من القصص المؤثرة: قصة هند الصغيرة، قصة مأساة جديدة.