الفصل الأول: مربية المنزل

كانت سوسن تجهّز الطعام وتحوم في المطبخ كالنحلة ذهابًا وإيابًا عندما جاءها الخبر عبر الهاتف؛ لقد وصلت المربّية التي طلبتها سوسن وزوجها منذ أسابيع، ولم يتبقّ إلا أن يذهبا إلى المكتب لاستلامها، وكانت الساعة توشك أن تدقّ معلنة السادسة مساءً، فأنهت سوسن مكالمتها وهي تقول: حسنًا، شكرًا لكِ عزيزتي، سنكون في المكتب خلال ساعة إن شاء الله، ثم أغلقت الهاتف وانطلقت منها تنهيدة طويلة.


أخذت سوسن تُنادي على زوجها من المطبخ بأعلى صوتها وهي تقول: لقد وصلت المربية يا رامي، هيا لنتناول الطعام ثم نذهب لاستلامها، هيّا هند، واجتمعت العائلة على المائدة، وبدأت هند الصغيرة تأكل بشهية، ووالداها يتأملان ذلك الوجه البريء والجميل بحبّ وحنان، وكل منهما لسان حاله يقول: سامحينا يا هند، لولا الحاجة لما لجأنا إلى المربية؛ فقد كان يتعين على رامي أن ينطلق كل صباح إلى العمل ليعود منه منهكًا خائر القوى في الخامسة عصرًا، وسوسن هي الأخرى كانت تنطلق إلى مقرّ عملها بعد سويعات من انطلاق زوجها، ووفق هذه المعادلة الحياتية كان لا بد لهما من مربية لطفلتهما الصغيرة هند التي لم تُكمل عامها الخامس بعد.


الفصل الثاني: هند الصغيرة

حضرت المربية لرعاية هند الصغيرة خلال ساعات النهار إلى حين عودة والديها، وأصبح رامي وسوسن يتسابقان في العودة إلى المنزل لتنطلق هند إلى أحضان القادم منهما أولًا، واستمرّ هذا الحال عدة أسابيع، المربية ترعى هند الصغيرة في النهار، وفي المساء تقوم بالواجبات المنزلية، إلى أن جاء اليوم الذي ارتكبت فيه المربية خطأ فادحًا استحقت عليه التوبيخ من سوسن.


مرّت الأيام وبقيت اللحظة التي تم توبيخ المربية فيها عالقة في ذهنها بتفاصليها لم تنسها، وأسرّت في نفسها شيئًا، وكأنها أقسمت لذاتها أن تردّ الصفعة صفعتين لهذه العائلة، وبالفعل في صباح اليوم التالي بدأت بتنفيذ خطتها الشيطانية؛ وضعت قطعة لحم نيئة في أحد الأركان المخفية في المطبخ وتركتها عدة أيام حتى غدا الدود يتحرك فيها، وعند مغادرة رامي وسوسن صباحًا تأخذ هند الصغيرة بين أحضانها وتضع دودة في كل فتحة من فتحتي أنفها، وهكذا في كل صباح.


بعد عدة أيام بدأت سوسن تشعر أنّ هند لم تعد كما كانت، فقد أصبحت أكثر خمولًا، وليست لديها أي رغبة باللعب أو الضحك كما كانت، وصار النوم صديقها المقرّب، وكانت هذه الصفات ملازمة لها خلال اليوم نفسه وعلى مدار جميع الأيام، فأحسّت سوسن أنّ هذا ليس أمرًا عارضًا، وأفصحت لرامي عمّا تملّكها من خوف وقلق على ابنتيهما، فما كان منه إلا أن حجز موعدًا عند الطبيب بعد عدة أيام.


الفصل الثالث: ماتت هند

في صباح اليوم التالي وبينما كانت سوسن في غرفتها تضع اللمسات الأخيرة لتنطلق إلى عملها سمعت هند الصغيرة تحكي للمربية بتوسّل: واحدة تكفي، لا تضعي لي في فتحة الأخرى أرجوكِ، فلم تدرِ سوسن ماذا قصدت هند، وما هو الشيء الذي يوضَع في أنفها! فتملّكها خوف شديد عن حال ابنتها وبسرعة فكّرت بخطّة لاكتشاف ما يحدث في المنزل في غيابها.


قبل أن تخرج سوسن من المنزل أخذت تجول بعينيها في أنحائه وهي تلقي التعليمات على المربية ثم خرجت، وبدلًا من أن تنطلق إلى عملها بقيت واقفة أمام المنزل لعدّة دقائق، وبهدوء تام فتحت الباب وولجت إلى الداخل تمشي على رؤوس أصابعها، وعندها سمعت هند في المطبخ تتأوه وتُخبر المربية بأنّ ما تفعله لها يؤلمها، هنا اندفعت سوسن إلى المطبخ وشاهدت المربية وهي تضع الدود في أنف هند، وبدأت تولول وتصرخ مكررة الجملة نفسها دون وعي: ماذا تفعلين؟!


كانت هند الصغيرة خائرة القوى وشاحبة الوجه غير قادرة على الحركة، فحملتها سوسن بين يديها بسرعة كالمجنونة وانطلقت بها إلى المستشفى لمعاينتها، وكانت رأس سوسن في هذه الأثناء مليئة بالغضب والحسرة والندم، ولما وصلت أخبرت الطبيب وهي تبكي بما رأت، وبعد التشخيص وإجراء صور الأشعة للدماغ قال الطبيب بكلّ أسف وقد بللت الدموع وجنتيه: لا فائدة ... فهند تحتضر، وبعد ذلك بيوم واحد ماتت هند.

ولقراءة المزيد من القصص الحزينة: قصة ولدي حبيبي، قصة نار الحقد.