الفصل الأول: ملابس جديدة

في وقت الاستراحة جلس عامر جانبًا يستمع إلى أحاديث زملاء صفّه عن ملابس العيد الجديدة التي اشترونها، والفرحة الكبيرة التي غمرتهم، فلم يتبقَّ للعيد سوى أسبوع واحد؛ فنزلت من عينيه دمعة أخفاها بسرعة قبل أن يُشاهدها أحد ممن حوله، فبالرغم من صغر سنّه -إذ لم يتعدَّ السنوات الستّ- إلا أنّه كان مُدركًا لكلّ شيء، ويَعي حال أسرته وعدم قدرة والده على تلبية كلّ ما يطلبه وفي كل وقت.


هذه المرة لم تكن كسابقاتها بالنسبة لعامر، ففي كلّ مرة كانت تُدار أحاديث الأطفال عن الأمور التي يحتاجونها وتُشعرهم بالسعادة كان -بدهائه وذكائه الفطريّ- يستطيع التملّص والتحجّج بأي شيء لزملائه دون أن يُشعرهم بالنقص لديه بالرغم من مظهره الذي يوحي بذلك، ولم يكن يطلب من عائلته أكثر من طاقتهم، إلّا أنّ ملابس العيد تركت غصّة كبيرة في نفسه، وقرر أن يحتجّ بقوة للحصول عليها.


الفصل الثاني: مشكلة عائلية

فتح الباب بقوّة وألقى السلام بوجه متجهمّ، ثم رمى حقيبته وجلس على الأريكة مقطّب الجبين، تملّكت الدهشة والدة عامر؛ فهذه المرة الأولى التي يعود فيها من المدرسة بهذا الشكل، دنت منه بحنان وسألته: ما بالك يا حبيبي، ما الذي حدث معك؟ استمرّ بتقطيب الجبين وأجاب: أريد ملابس جديدة للعيد، ازدادت دهشة والدته وقالت: ألم نتحدث في هذا الموضوع من قبل، واتفقنا على أنّك سترتدي من ملابس العام الماضي ولم تكن لديك مشكلة، ما الذي حدث اليوم؟


نهض عامر من مكانه متجهًا ناحية الحمام بعد أن تجمعت الدموع في عينيه وقال تاركًا والدته في حيرة من أمرها: لم أتفق على شيء، وبغير الملابس الجديدة لن أقبل، فهذا حقّ لي. انتظرت الأم حتى وقت متأخر من الليل إلى حين عودة الأب من عمله لتخبره بحال عامر، والذي من وقت عودته من المدرسة إلى وقتها لم يبرح مكانه ولم يتناول طعامه كما يجب، ولم يُحدّث أمه بغير الكلمات الأولى التي ألقاها على مسامعها كالصاروخ.


ثار الأب غضبًا من ضيق حاله عندما أخبرته زوجته بما حدث مع ابنهما، وصرخ بصوت وصل إلى عامر بكلّ تأكيد: ليس معي ما يكفي من المال، ما الذي أفعله أكثر مما أفعله، ألا يكفي أني أخرج للعمل فجرًا وأعود في الثامنة مساءً، لقد تعبت تعبت من هذا الحال، وأبى بعزّة الرجال أن تسقط دمعة من عينيه بالرغم من أنها كانت على وشك ذلك.


دخل عامر إلى والديه وهما يتحدثان وقد احمرّ وجهه من كثرة البكاء وقال: كل زملائي اشتروا ملابس للعيد إلا أنا، أريد أن أفرح مثلهم أرجوكم، بعدها ارتمى بين أحضان والده الذي عانقه بقوّة وحاول أن يخفف حزن ابنه، فوعده وعدًا صعبًا عليه وقال: حسنًا يا عزيزي، أمهلني بضعة أيام وسأُحضر لك ملابس جديدة، لكن على شرط ستنتظر مدة ليست بالقصيرة لتشتري غيرها، ما رأيك؟


الفصل الثالث: أريد أبي

صاح عامر بفرح: موافق يا أبي، المهم أن أرتدي ملابس جديدة في العيد، أحبكّ كثيرًا، ثم عاد ونام على فراشه وقد انفرجت أساريره، اكتفت الأم بسؤال واحد وجهته لزوجها: كيف، ومن أين؟ فأجاب: سأعمل ساعات إضافية لثلاثة أيام، وما أحصل عليه سأشتري له به، لم أحتمل نظرة الانكسار في عينيه، فردّت وهي تمسح دموعها: خيرًا خيرًا إن شاء الله.


وصل الأب الليل بالنهار في العمل لعدة أيام حتى يستطيع تأمين احتياجات ولده عامر، لكن للأسف جرت الرياح بما لم تشتهِ السفن، ففي مساء أحد الأيام ومن شدّة التعب سقط في مكان عمله وأصيب إصابة بالغة أدخلته في غيبوبة لا أحد يدري متى سيفيق منها، فهرعت زوجته وابنه عامر إلى المستشفى وهما يبتهلان إلى الله تعالى أن يُنقذه مما هو فيه، ولما وصلا إلى هناك دخلا إلى غرفة العناية وأمسك عامر بالسرير الذي يرقد عليه والده وقال والدموع تملأ وجنتيه: لا أريد ملابس العيد، أريدك أنت يا أبي، أرجوك استيقظ أرجوك.


ولقراءة المزيد من القصص المؤثرة والحزينة: قصة هند الصغيرة، قصة موت رحيم.