الفصل الأول: زواج وأطفال

تزوج أحمد وسناء بعد قصة حبّ طويلة ذاقا فيها طعم المرارة والألم مرات كثيرة، وقد ظنّا بزواجهما أنّ السعادة ستبتسم لهما أخيرًا، فقد أمضيا الشهور الأولى من الزواج بكلّ ودّ وطمأنينة وراحة، لكن يبدو أنّ القدر لم يكشف لهما بعد عن كلّ ما لديه؛ فالحبّ وحده في كثير من الأحيان لا يكفي للاستمرار في طريق مليء بالمصاعب والمشكلات.


مرّت خمس سنوات على زواج سناء وأحمد لم يُرزقا خلالها بالأطفال، وهنا بدأت ضغوط الأهل تتزايد على كلّ منهما لإيجاد حلّ لحالتهما، وقد يكون هذا الحل في النهاية هو الطلاق، لكنّ سناء وأحمد تمسّكا ببعضهما وبحبهما وبالأمل، وخضعا لعلاج مطوّل ومُكلف أثمر بحمد الله وفضله عن حمل سناء، وها هي الآن حامل في الشهر الثالث، تعدّ الأيام وتنتظر شهرها التاسع بفارغ الصبر.


الفصل الثاني: على سرير الولادة

مرّت شهور الحمل بخير وسلامة وحان وقت الولادة، وبعد آلام شديدة أنجبت سناء مولودًا ذكرًا، وما إن رأته الطبيبة حتى أمرت الممرضات بمنع سناء من رؤيته على الفور، وحصل كما أرادت، وبعد الانتهاء من عملية الولادة نُقلت سناء من غرفة العمليات إلى غرفة خاصة كان الجميع ينتظرها فيها وعلامات السعادة والفرح مرسومة على وجوههم، وبعد مرور ساعة تقريبًا قُطعت أصوات الضحكات والتبريكات التي انطلقت من هنا وهناك بدخول الطبيبة إلى الغرفة لتطمئن على حالة سناء، فقالت: كيف أنتِ الآن؟ ردّت سناء: الحمد لله، أرجوكِ نريد أن نرَ الطفل، كلما جاءت الممرضة طلبتُ منها ذلك لكنها كانت ترفض وتُخبرني بانتظار تعليماتك.


بدا على الطبيبة التردد والقلق بعض الشيء، وقالت: الحقيقة الطفل مُصاب بتشوّه خلقي في جزء من الوجه، وقد فضلتُ إخباركِ قبل رؤيته، ثم سكتت برهة وسط ذهول الجميع بعدها أكملت كلامها: سأطلب إحضاره إليكم الآن، ثم غادرت الغرفة دون أن تنتظر ردًا من أي أحد تاركةً الجميع في حالة من الصدمة والحزن. وما هي إلا دقائق معدودة حتى دخلت إلى الغرفة ممرضة تجرّ سريرًا صغيرًا يرقد عليه طفل بريء لا حول له ولا قوّة، بدأت معاناته في هذه الحياة منذ الساعات الأولى التي رأى فيها النور.


أمسكت سناء الطفل بين يديها ودخلت في نوبة بكاء طويلة دون أن يوقفها أحد، وراحت تُقبّل وجهه من كلّ الجهات، ثمّ قالت بصوت تخنقه الدموع والآلام: سأُسمّيه كامل، فوالله بنظري ما هو إلا شخص كامل لا ينقصه شيء، أما أحمد فأخفى وجهه بين يديه ثمّ جثا على ركبتيه وراح يبكي ويبكي....


الفصل الثالث: أنا بجوارك

مرّت السنوات ولم يشأ الله تعالى أن يُرزق أحمد وسناء بطفل آخر غير كامل، وكانت سناء راضية وصابرة وترى الدنيا وجمالها في وجه طفلها بالرغم من تشوّهه، لكنّ أحمد ضاق ذرعًا بهذه الحالة ونفذ صبره، وقال لسناء في يوم كان حاسمًا في تحديد مصيرهما: أنا لا أستطيع تحمّل هكذا طفل، وأخجل أن أقول هذا ابني، وأنتِ غير قادرة على إنجاب طفل آخر يعوّضه، أظنّ أنّ الرسالة واضحة... فقالت سناء بثبات وقوة: حسنًا فهمت، وأنا موافقة على ما أردت، فتمّ الطلاق بينهما.


مرت الشهور والسنوات وتزوّج أحمد من امرأة أخرى ورُزق منها بثلاثة أبناء ذكور أصحّاء، بينما سناء نذرت نفسها لتربية ابنها ورعايته ورفضت الزواج مرة أخرى، ودائمًا ما كانت تحاول أن تدفع عن كامل كلّ شعور سيئ يشعر به ويهزّ ثقته بنفسه، وهكذا حتى جعلته شابًا يدخل معترك الحياة متسلحًا بحبها وإيمانها الكبير به وبأنّه ليس مختلفًا عن أي شخص آخر.


وفي يوم من الأيام بلغ سناء أنّ أحمد يرقد في المستشفى إثر وعكة صحية خطيرة ألمّت به، فطلب منها كامل الذهاب لزيارته، ترددت بقبول طلبه لكنها وافقت في النهاية، وذهبت مع كامل لزيارته. خطت سناء إلى داخل الغرفة التي يرقد فيها أحمد -ولم يكن عنده أحد لا زوجته ولا أبناؤه- وشريط حياتها يمرّ من أمامها وسنوات عمرها التي قضتها مع هذا الرجل، فانهمرت الدموع من عينيها دون إرادة، وقد علمت سناء أنّ أولاده تخلّوا عنه في محنته.


اقترب كامل من سرير والده ومسح على رأسه بيديه بكلّ حبّ وحنان، ففتح أحمد عينيه بصعوبة ولما رأى كامل أمامه فاضت عيناه بالدموع ولم يستطع التفوّه بكلمة واحدة، فأخذ كامل يمسح دموعه ثمّ قال: لا تبكِ يا أبي، أنا هنا بجوارك ولن أتركك....


ولقراءة المزيد من القصص الحزينة والمؤثرة: قصة هند الصغيرة، قصة ولدي حبيبي.