الفصل الأول: الأصدقاء
سامر وليث ومحمود فتية في الصف التاسع الدراسي أصدقاء مُقرّبون منذ اليوم الأول من دخولهم المدرسة؛ فهم يُشكّلون معًا ما يُطلق عليه باللهجة الدارجة "الشلّة"، وكانت تربطهم صفات عديدة مشتركة، أهمّها روح المغامرة والاندفاع الكبير، فكثيرًا ما خاضوا معًا مغامرات صبيانيّة في المدرسة وخارجها كانت عواقبها غير محمودة، إلا أنّ ذلك لم يُثنيهم عن أفعالهم، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي حلّت فيه كارثة كُبرى لم يتوقعها أحد.
في المدرسة وقبل مدة من انتهاء الفصل الثاني قررت الإدارة إقامة رحلة مدرسية لطلاب الصف التاسع على وجه التحديد للتخييم بالقُرب من غابة موجودة في المدينة الأخرى، تتضمن القيام ببعض النشاطات والفعاليات يوم الانطلاق، ثم العوودة في اليوم التالي، وهنا قفز سامر وليث ومحمود في الفصل من شدّة الحماس، وأعلنوا موافقتهم الفورية حتى قبل سؤال عائلاتهم.
الفصل الثاني: رحلة مدرسية
في الساعة الخامسة والنصف فجرًا من يوم الخميس الذي حددته المدرسة للرحلة كان كلّ من ليث ومحمود وسامر في منزله يتأكدون من حاجياتهم للمرة الأخيرة؛ فبعد نصف ساعة من الآن ستأتي الحافلة وتُقلّهم إلى المكان، وقد استطاعوا إقناع عائلاتهم بالذهاب إلى هذه الرحلة بالرغم من الرفض الكبير وغير المتوقع الذي لاقوه منهم، إلا أنّ روح المغامرة والصداقة هي التي انتصرت في النهاية.
جلس ثلاثتهم في المقعد الخلفي من الحافلة التي مضت تشقّ طريقها وهم مضوا في أحايثهم الخاصة، فقال ليث: عندما خرجت من المنزل كانت أمي تبكي لا تُريدني أن أذهب، لأول مرة أراها هكذا، ردّ سامر: لا أدري لمَ هذا الرفض كله، ليست المرة الأولى التي نذهب فيها برحلة مدرسية، على العموم لا تنسوا اتفاقنا اليوم بأننا سنذهب إلى الغابة للتعرف إليها.
في جو من المرح والسعادة أقيمت الفعاليات والأنشطة، وتناول الطلاب طعام الغداء الذي أعدّوه بأنفسهم على الحطب، وبينما هم جالسون يتناولون الطعام همس محمود لصديقيه: ما رأيكما أن نذهب الليلة إلى الغابة ونكتشف ما فيها؟! رحّب محمود بالفكرة بحرارة وبدأت خيالاته برسم مغامرتهم القادمة ودبّ فيه الحماس، لكن ليث تردد قليلًا ورفض الفكرة؛ فعواقبها ليست محمودة، إلا أنّ سامر ومحمود أصرّا عليه حتى وافق.
وعندما حلّ الظلام وبدا المكان موحشًا أصدر المسؤولون أوامرهم للطلاب بالخلود إلى النوم في الخيم المُجهزة، وبدا ليث ومحمود وسامر أنهم ملتزمون بالأوامر، لكنّ خطتهم كانت مدروسة وسينفذونها؛ لن يناموا وسيخرجون بعد ساعة تقريبًا ويحاولون العودة قبل أن يكتشف أحد غيابهم.
خرج الأصدقاء الثلاثة من خيماتهم تباعًا بهدوء ودون أن يُصدروا أي صوت حتى لا يستيقظ أحد على تحركاتهم، والتقوا -كما كان الاتفاق بينهم نهارًا- عند الشجرة الموجودة خلف الخيم وتبعد عنها 100 متر تقريبًا والتي تبدو مختلفة عن بقية الأشجار، ومن هذه الشجرة انطلقوا متجهين نحو الغابة الكبيرة التي قرؤوا عنها كثيرًا وحلموا باليوم الذي يأتون فيه إليها، وها هو الحلم يتحقق.
الفصل الثالث: الندم حيث لا ينفع
سار الأصدقاء مدة طويلة -قاربت الساعتين- على ضوء القمر حتى وصلوا إلى الغابة، وأصبحوا مُحاطين بالأشجار العالية والكثيفة من كلّ مكان، وأصوات الحيوانات لم تهدأ ولم تختفِ منذ اللحظة التي دخلوا فيها، فسرت في أجسادهم رعشة قوية وشعروا ثلاثتهم برغبة شديدة بالعودة من حيث أتوا، لكن سامر تمالك نفسه قليلًا وأمسك بيدي صديقيه وقال: لا تخافا، نحن شجعان ونحب مثل هذه المواقف، سنمضي إلى الأمام ونقطع مسافة أخرى ثم نعود، وسنصل إن شاء الله إلى الخيم قبل الفجر.
كانوا يشعرون وهم يسيرون بأشياء تمرّ من بين أقدامهم فيقفزون وتصدر منهم صرخات خافتة، ومحمود جُرح بيده جرحًا متوسطًا لا يدري سببه، وهنا قال ليث مرتجفًا: أرجوكما دعونا نعود، لقد أخطأنا بالخروج وحدنا في مثل هذا الوقت ودون معرفة أحد، ردّ سامر بشيء من اليأس: يبدو أننا ضللنا الطريق، ما رأيكما أن ننتظر حتى يحلّ الصباح ونرى الطريق بوضوح أكثر؟
قبل أن يردّ أحد على سؤال سامر انطلقت من ليث صرخ مدوية وقال متأوهًا بعد أن ارتمى أرضًا: آه قدمي ساعدوووني، أتبعها محمود بصرخة أخرى وقال: أفعى ضخمة يا رفاق يبدو أنها لدغت ليث، فامتلأ الخوف والرعب في قلوبهم وبقي ليث يصرخ من الألم دون أن يدري محمود وسامر ما الذي يجب فعله في مثل هذه الحالة، ولم يكن أمامهما إلا البكاء.
انحنى سامر ومحمود وهما يبكيان عند ليث المُسجى أرضًا وقد بدأ العرق يتصبب منه، فقال لهما بكلمات واهنة خرجت بصعوبة من فمه: لقد أمضينا وقتًا رائعًا معًا يا رفاق، سامحوني وأخبرا عائلتي بأني أحبهم كثيرًا واطلبا منهم أن يُسامحوني أيضًا، ثم انقطع صوته إلى الأبد؛ انطلقت من فم سامر ومحمود آهة طويلة وقالا صدفة في الوقت نفسه: يا إلهي، لقد قتلنا صديقنااااا.....
ولقراءة المزيد من القصص الواقعية: قصة خانته الذاكرة، قصة حياة معذبة.