الفصل الأول: في حفل الزفاف

كانت تجهيزات حفل زفاف نسرين وسامر على وشك الانتهاء، فلم يتبقّ سوى ثلاثة أيام على تتويج قصة الحب الكبيرة التي جمعتهما، فبعد رفض متكرر من والد نسرين لهذه العلاقة استطاع سامر أن يُقنعه ويُثبت نفسه بأنّه أهلٌ لأن يكون الزوج المناسب. وفي الليلة التي سبقت ليلة إقامة الحفل دخل الأب إلى غرفة ابنته نسرين، ووجدها مستلقية على سريرها متجهة بنظرها نحو السقف.


اقترب الأب من ابنته التي عدّلت جلستها احترامًا له، وقال لها بنبرة حنونة: هذه ليلتكِ الأخيرة بجانبي يا أميرتي، سأفتقدكِ كثيرًا وسأبقى وحيدًا من بعدكِ، فبعد وفاة والدتكِ لم يبقَ لي أحدٌ في الدنيا إلا أنت، وها أنت ستتركينني، أرجوكِ لا تنسيني. وبعد هذه الكلمات العاطفية انهمرت الدموع من عينيه دون إرادة منه وكذلك نسرين، التي اقتربت منه وحضنته بقوّة وقالت: أنتِ حبيبي الأول والأخير، لا تقلق لن أتركك أبدًا.


أُقيم حفل الزفاف في إحدى المزارع الجميلة، وكان الجميع في حالة من الفرح والسرور، إلا والد نسرين الذي جلس وحيدًا يبكي بصمت، وعندما اقترب الحفل من نهايته نهض من مكانه واتجه نحو نسرين وقال لها: لماذا لم تُرسلي دعوة لابنتي، لقد تركتها وحيدة في المنزل، كان وقع هذه الكلمات على نسرين كالصاروخ، فجمدت مكانها وبقيت صامتة عدة دقائق من هول الصدمة، ثم قالت: ما بكِ يا أبي؟ أنا نسرين ابنتك الوحيدة.


الفصل الثاني: خانته الذاكرة

بقي الأب ينظر إلى نسرين عدة دقائق، ثم استجمع نفسه وقال: أنا آسف يا ابنتي، أنا حزين فقط لفراقكِ، ثم عاد إلى الكرسي الذي كان جالسًا عليه، إلا أنّ نسرين بقيت خائفة بالرغم من محاولات سامر تهدئتها، وفجأة قالت له: أبي سيأتي معنا إلى البيت، لن أتركه وحيدًا هكذا، حاول سامر أن يُثني نسرين عن قرارها الغريب المفاجئ ويطلب منها تأجيله يومين، إلا أنها بقيت مُصرّة على ما أرادته.


تفهّم سامر حالة نسرين ووالدها، فهو رجل سبعيني ويبدو أنّ زواج نسرين قد أثّر بها كثيرًا وشعور الوحدة سيطر عليه، فكان مساندًا لزوجته حبيبته ومُعينًا لها على البرّ بوالدها، لكنّ الموضوع كان أكبر مما تصوّر هو ونسرين، فصارت تصرّفات الوالد غريبة بعض الشيء وصار كثير النسيان حتى للأمور البسيطة، وفي مرة من المرات خرج من المنزل دون أن يدري به أحد وتأخر كثيرًا فلم يعرف طريق العودة، ولم يعد إلا عندما رآه سامر صدفة وهو عائد من عمله. بعد هذا الموقف اتفقت نسرين مع زوجها سامر على عرض والدها على طبيب مختص، وبالفعل تمّ ذلك وكانت المفاجأة على لسان الطبيب: الوالد مُصاب بمرض ألزهايمر، وهنا استرجعت نسرين كل ما كان يحدث مع والدها قبل زواجها وأدركت أنّها كانت مقدّمات هذا المرض اللعين.


مرت الشهور وصارت حالة والد نسرين تزداد سوءًا، فباتت ذاكرته تخونه كثيرًا، ولم يعد يُحب الخروج من غرفته خوف أن يتعرّض لموقف مُحرج، وبالرغم من كلّ الصعوبات المرافقة لهذا المرض كانت نسرين خير ابنة لأبيها، ولم تُشعره يومًا بأنّه مريض، بل على العكس كانت تُسايره في كلّ ما يفعل، وقلبها من الداخل يعتصر ألمًا على حاله.


الفصل الثالث: حب وألم

في إحدى الليالي خرج والد نسرين من غرفته التي خصصتها له في بيتها، واقترب منها بخطوات ثقيلة وقال ببطء: أين زوجتي، لقد وعدتني أنها لن تتأخر في العودة إلى المنزل، انهمرت الدموع من عيني نسرين، ثم قالت وهي تحاول أن ترسم البسمة على شفتيها: لا تخاف يا حبيبي، ستعود قريبًا تعال معي إلى الغرفة لننتظرها هناك، فأمسكَ بيدها ومشى معها.


جلست نسرين مع والدها على السرير في غرفته الصغيرة وأخذت تحكي له حكاية جميلة وهي تداعب شعره بيديها، بينما انكمش هو بجسده بين ذراعيها وأطال النظر إلى الحائط أمامه دون أن ينطق ببنت شفة حتى أنهت حكايتها، بعدها نظر إليها نظرة اجتمع فيها الحبّ والألم فضمّته إلى صدرها وعانقته بشدّة، وراحت الدموع تنهمر من عينيها دون توقّف...


ولقراءة المزيد من القصص الواقعية: قصة العروس، قصة قارب الموت.