الفصل الأول: بعد منتصف الليل

في تمام الساعة الثامنة مساء في إحدى ليالي الشتاء الباردة كانت سحر التي تبلغ من العمر ثلاثين عامًا تستعدّ للخروج من منزلها إلى العمل، وقد اضطرتها ظروفها لذلك؛ فهي تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها الشابّ وتعمل لتُعيل نفسها في إحدى شركات الاتصالات بخدمة العملاء بدوام مسائي من الساعة الثامنة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكالعادة كانت تتلقى سحر في الشركة مكالمات من عملاء مختلفين، لكنها تلقت بعد منتصف الليل مكالمة مختلفة كليًا عن سابقاتها.


عندما دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل انطلقت من فم سحر جملتها المعهودة التي تردّ بها على جميع الاتصالات: معك سحر من "الشركة الفُلانية"، تفضل كيف يمكنني المساعدة؟ أجاب الصوت المجهول: سحر 101، ثم انقطع الاتصال بعد ذلك، فوجئت سحر بما سمعت لكنها ظنّت أنّ شخصًا ما أراد أن يتسلّى ويُضيع وقته بأمر سخيف، فتجاهلت الموضوع وعادت بعد انتهاء دوامها إلى المنزل واندسّت تحت أغطية الفراش وراحت في نوم عميق.


الفصل الثاني: الرقم المجهول

في مساء اليوم التالي في الوقت نفسه -أي في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل- وفي مقرّ الشركة ردّت سحر أيضًا على مكالمة وصلت لخدمة العملاء، فأجابها صوت: سحر 555، ثم انقطع كما في المرة الماضية، هنا بدأ الخوف يتسلل إلى قلب سحر؛ فقد تكرر معها الموقف ذاته، وشعرت بوجود أمر مُريب وقد لا يكون الأمر مُجرّد مزاح من أحدهم، فقررت أن تُعاود هي الاتصال بالرقم علّها تحصل على إجابة شافية، لكنها لم تتلقّ أيّ ردّ، ولم تستطع فعل شيء آخر، وأمضت ما تبقى من دوامها تفكّر بالأمر لكن دون أن تخرج بتفسير منطقيّ.


توالت الاتصالات على سحر في الموعد نفسه على مدار أسبوع كامل، الاختلاف الوحيد كان في الرقم الذي يُقال لها في كلّ مرة، فكان ترتيب الأرقام غير المفهومة ومجهولة المعنى من أول يوم بدأت تتلقى فيه سحر الاتصالات كالآتي: 101، 555، 324، 999، 201، 765، 888، وقد سألت زملاءها الذين يعملون معها مساء إن كان أحدهم قد تعرّض للأمر نفسه، فأجابوها جميعهم بالنفي، فشغل ذلك الموضوع حيزًا كبيرًا من تفكيرها، وأدخلها في حالة خوف شديد لم تعرف كيف تخرج منها، حتى أنّها أصبحت تسمع في منزلها صدى الأرقام يتردد على مسامعها بصوت مُخيف فيه بحّة واضحة طيلة الليل، فلا تستطيع إغماض جفنها لحظة واحدة حتى يحلّ الصباح؛ إذ يختفي ذلك الصوت.


الفصل الثالث: سأقتلك

أصبح الليل بالنسبة لسحر كابوسًا مرعبًا ينتظرها كلّ يوم، وتغيّر حالها تغيرًا كبيرًا، إذ أصبحت تبدو دائمًا شاحبة الوجه وشاردة البال وكأنها في عالم تعيش فيه وحدها ولا أحد حولها، ووصل الأمر إلى ذروته حينما تلقّت سحر الاتصال ذاته في الساعة الواحدة لكن هذه المرة دون أرقام، وإنما برسالة قصيرة من ثلاث كلمات: "غدًا المُهلة الأخيرة"، وساد بعدها صمت مُطبق.


بعد تلك المكالمة أسرعت سحر إلى غرفة زملائها المجاورة وهي تنتحب وتبكي وتصرخ بأعلى صوت: ما الذي يريدونه مني، أرجوكم ساعدوني، كانت سحر بحالة يُرثى لها، فقرر أحد الزملاء واسمه حسام مساعدتها، وبعد أن هدّأها وفهم منها تفاصيل القصة كاملة طلب منها أن تكتب له على ورقة الأرقام التي كانت تُقال لها، وأخبرها أنه يعرف رجلًا كبيرًا بالسن يهوى فكّ الرموز والشيفرات وحل الأمور الغامضة، ووعدها بأنه سيحاول جاهدًا مساندتها.


في صباح اليوم التالي وبينما كانت سحر نائمة رنّ هاتفها الشخصي رنات متتالية بدا منها أنّها مكالمة مُلحّة، فمدّت سحر يدها إلى جانبها وأخذت الهاتف ووضعته على أذنها وهي ما تزال مغمضة العينين، فوصلها صوت زميلها حسام وبدأ يتكلم بنبرة فيها من الحذر والقلق الشيء الكثير، وقال: سحر يجب أن تتركي العمل فورًا، فالأرقام التي كانت تصلك مُشفّرة، ومعناها -كما أخبرني الرجل الذي قُلتُ لك عنه- أنّه سيتم قتلك من الأرواح الشريرة إن استمريتِ يومًا واحدًا إضافيًا في الشركة.


أغلقت سحر الهاتف دون أن تردّ على حسام بكلمة واحدة، وبقيت جالسة في سريرها تفكّر بالذي عليها فعله، ووصلت إلى قرار أخير وحاسم؛ لن تُخيفها تلك الأرواح الشريرة، ولن تُضحّي بعملها الذي تعبت حتى حصلت عليه، فليس من السهل أن تعثر على غيره، ولتحمي نفسها ستتحصن بكلمات الشجاعة التي ستُمليها على نفسها طوال الليل، وبالفعل ذهبت سحر إلى العمل في ذلك اليوم، وحتى منتصف الليل لم يحدث لها أيّ مكروه، وقد ظنّت أن قرارها كان صائبًا بالرغم من التحذيرات الكثيرة التي تلقتها.


في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبينما سحر تقول: معك سحر من الشركة، كيف يمكنني المساعدة؟ انطلقت رصاصة من مكان مجهول استقرت في جمجمتها وأردتها قتيلة تسبح في بركة من الدماء، وبقي سرّها مخفيًا إلى الأبد.


ولقراءة المزيد من قصص الرعب: قصة الحديقة الغامضة، قصة عازفة التشيللو.