تعاويذ شيطانيّة

تحوّلت حياة رزان المراهقة من حياةٍ عادية إلى حياةٍ يملؤها الحقد والغيرة تجاه أختها نور التي تصغرها بعامين، كانت كلتا الفتاتين تعيشان مع والدتهما التي تعمل كمعلمة للّغةِ الفرنسية في إحدى مدارس المدينة، وكنَّ يدرسن في المدرسة ذاتها، وهو ما زاد شعور رزان بالنقص إثر مقارنتها دوماً بأختها نور في كل ما تقوم به من أفعال.


لم تكن رزان تحب الدراسة، فكانت ترسب في أغلب موادها الدراسية على عكس أختها نور التي تميّزت بتفوقها الدراسي، وحصولها على شهاداتِ تقدير من مُعلّميها الذين كانوا يمدحونها بشكل مستمر، مما شكّل لدى رزان غيرة شديدة تجاهها جعلتها تؤذيها بشكلٍ مستمر، فكانت تسرق أغراضها وتضربها كلما رأتها في باحة المدرسة أو في المنزل.

وفي نهاية العام الدراسي وعند ظهور النتائج، تفوّقت نور وحصلت على المركز الأول في المدرسة، بينما رسبت رزان في أربع مواد، مما جعل والدتهما تُكافئ نور وتُحضر لها هدية قيّمة كانت قد طلبتها منها في السابق، شعرت رزان بالغيرة لعدم حصولها على هدية كأُختِها، وأخبرت صديقتها المقربة بذلك، والتي كانت تشجعها دائماً على أذيّة أُختها، ونتيجة لذلك اقترحت عليها صديقتها أن تنتقم منها وتقوم بإخافتها،


تعجّبت رزان وقالت: وكيف لي أن أُخيفها؟

قالت صديقتها: سأُعطيكِ ورقة بها تعاويذٌ شيطانيّة، فما عليكِ سِوى أن تطرقي باب غرفتها وتضعيها وتهربي، أما هي فستعتقد أن الجّان هو من وضعها.

ضحكت رزان وقالت: كم هي فكرة جميلة للانتقام، سأجرّبها اليوم.


بدأت رزان تراقب أختها وتنتظر دخولها إلى الغرفة، وعندما دخلت نور غرفتها لأخذ قيلولتها المعتادة، جاءت رزان ووضعت التعويذة أسفل باب الغرفة، ثمّ طرقت الباب وهربت، فتحت نور الباب وقد اعتقدت أن والدتها هي من طرقت الباب، وعندما نظرت ولم تجد أحداً أرادت غلق الباب وإذا بها ترى ورقة ملقاة على الأرض، فأخذتها وبدأت بقراءتها لكنها لم تفهم منها شيء، فذهبت إلى والدتها وسألتها ما إذا كانت هي من طرقت الباب، فقالت لها: لا، أنا لم أطرق الباب يا عزيزتي فإنني مُشغولة بإعداد الطعام لكم، اذهبي واسألي أختك، ذهبت نور لتسأل أختها، فأجابتها برقة على غير عادتها وقالت لها: لا يا أختي الجميلة، فأنا لم أخرج من غرفتي منذ ساعات.


وما إن خرجت نور حتى اتصلت رزان بصديقتها ضاحكة وأخبرتها بأن الخطة تسير على ما يُرام، وأنها نجحت في إخافة أختها.


ضد مجهول

بقيت نور قَلِقة من مصدر تلك الورقة غير المفهومة، ولم تستطِع النوم طوال الليل وهي تفكّر ترى من أين جاءت؟ وما معنى الكلام الذي بداخلها؟ وفي صباح اليوم التالي، أيقظت الأم ابنتيها للذهاب إلى المدرسة، لكن نور قالت لها أنها لا تريد الذهاب فهي لم تنم طوال الليلة الماضية، وافقت والدتها وذهبت هي ورزان وحدهما، وبقيت نور نائمة في المنزل، وعندما انتهى الدوام، عادت رزان ووالدتها للمنزل ليرَوا فِرَق الإطفاء أمام منزلهما، بدأت الأم بالصراخ واتجهت نحوَهم لتستفسر عمّا يجري، وهي ترى ابنتها تخرج من المنزل جثّة متفحمة، انهارت الأم ممّا رأته لفقدانها ابنتها المدللة، بينما فغرت رزان فاها عندما أيقنت أن أختها قد فارقت الحياة، لكنها ابتسمت ابتسامة خفية بعد أن فكّرت بأنّها ستحظى بكلّ الاهتمام، وهي التي لم يعد لها منافس.


وعندما جاءت الشرطة للتحقيق في الحادثة، وجدت أن الحريق نشب في غرفة نور فقط دون أنّ يمسّ جزءاً من المنزل قط، ووسط هذه الدهشة باشرت في رفع الأدلّة لكنها لم تجد أي دليل للسبب الذي جعل الحريق يندلع في غرفة نور دوناً عن غرف المنزل كلها، وبعد العديد من التحرّيات تم إقفال الملف لعدم وجود أدلة كافية.


لم تستطع والدة نور العيش في المنزل بعد الحادثة، فقامت ببيعه والانتقال إلى منزلٍ آخر، وطوال هذه الفترة بقيت حزينة على فراق ابنتها التي توفّت في ظروفٍ غامضة، بينما كانت رزان تتصرف بحريّة كونه لم يعُد لها منافس..

وفي إحدى الليالي كانت رزان وحدها في المنزل الجديد، وبدأت فجأة تسمع صوت يناديها باسمها، التفتت حولها بذعر لكنها لم ترَ أحداً، فاعتقدت أنها تتخيل وذهبت للخلود إلى النوم، وفجأة بدا أحد وكأنه يمسك قدمها فاستيقظت منهارة لتنظر إلى قدمها وتجدها ملطخة بالدماء، فبدأت بالصراخ وما لبثت إلا أن دخلت عليها أمها وسألتها متفاجأئة عن سبب صراخها،

فقالت لها بذعر: انظري.. انظري إلى تلك الدماء على قدمي، لا أعلم من جرَحني!!.


 نظرت الأم وقالت: عن أي دماءٍ تتحدثين!.

نظرت رزان فلم تجد أي أثر للدماء، وبدأت تحلِف لوالدتها أنها رأت قدمها ملطخة بالدماء.

ضحكت والدتها وقالت لها: لا بدّ أنك تُهلوسين من شدة النعس، هيّا أكملي نومك يا ابنتي، وأخرجت وأغلقت الباب.


وفي الليلة التي تليها بدأ الفتاة تسمع أصوات صراخ، وأبواباً تُطرق، وعندما سألت والدتها عن مصدر تلك الأصوات أجابتها أنها لا تسمع شيئاً كهذا، استمرت رزان بسماع تلك الأصوات لعدّة أشهر وكانت دائماً تُخبر والدتها بما تسمع، فقررت والدتها عرضها على طبيب نفسيّ، وعندما ذهبتا لزيارته شرحت الأم له ما تمر به ابنتها، موضحةً له عن فقدان أختها قبل عدة أشهر، برّر الطبيب لوالدتها أن ما تسمعه ابنتها هو هلوسة نتيجة حزنها الشديد على أختها، وأعطاها عقاقير لتهدئتها.


وفي صباح اليوم التالي استيقظت رزان ونظرت إلى المرآة لتجد عبارة مكتوبة،

تقول: أنا روح أختك وسأُطاردُك أينما ذهبتِ.

خافت رزان كثيراً، وأسرعت مهرولة خارج المنزل تعبر الشارع دون وعي، غير متنبّهة إلى مركبة جثث الموتى التي جاءت مُسرعة وقامت بدهسها، صرخت رزان صرخة مدويّة إثر الضربة، وقبل أن تفارق الحياة نظرت إلى داخل المركبة فإذا بأختها نور شاحبة تضحك خلف المقوَد.