الجُثّة

في كانون الثاني من عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين تعيش عائلة مكوّنة من زوج وزوجة في ألمانيا، وابنتهما التي تعيش وحدها في لندن للدراسة منذ عدة سنوات، كان الزوجان يعانيان من ضائقة مالية بعد أن طُرد الزوج من عملِه مؤخراً، فأصبحا لا يجدان رغيف خُبزٍ يقيهم الجوع.


طلبت الزوجة من زوجها أن يسافر ليبيع المنزل الذي ورثته عن والدها منذ عشر سنوات لتحسين أحوالهم الماديّة، والتي كانت قد تأخرت في بيعه لوجوده في قرية بعيدة جداً عن المدينة، تردد الزوج من هذا الطلب لكون المنزل في منطقة مهجورة تبعُد آلاف الأميال عن مركز المدينة، وبعد إصرار الزوجة وافق الزوج وقرّر السفر بالرغمِ من قلقه.


استقلّ الزوج مركبة من مركز المدينة لتوصِله إلى أقرب نقطة إلى هذه القرية، وبعد عدّة ساعات من السير توقّف صاحب المركبة وأمَرَهُ بالنزول، استغرب الزوج قائلاً: هل وصلنا؟

قال له السائق: لا ما زال أمامك ساعة للوصول.

قال الزوج متعجباً: إذًا لمَ تأمُرني بالنزول ما لم نصل بعد!

ارتبك صاحب المركبة وقال: لأنني لا أستطيع أن أتابع في هذا الطريق المؤدي إلى القرية أكثر.

استغرب الزوج وسأله لماذا؟

ارتبك السائق مرة أخرى، ثم صاح به وقال: هيا اخرج من المركبة ودعني أعود إلى مركز المدينة يا رجل.


وافق الزوج ونزل من المركبة بعد إصرار السائق وظلَّ مُستغرباً من تصرفه، وبدأ يُفكّر كيف سيصل إلى القرية، وعندما نظر أمامه وكان الظلام قد حلَّ لم يجد أمامه سِوى أشجار يتوسطها طريقٌ وعِر، ولا أصوات سِوى أصوات الذّئاب والكلاب، خاف الزوج جداً وبدأ يلتفت حوله لعلّه يجد مركبة توصِلُه إلى القرية لكنه لم يجد، فما كان أمامه سِوى الدعاء لعلّه يستدل الطريق ويصل سالماً، استمر بالمشي وقد مضى أكثر من ساعة ولم يصل بعد وفجأة! رأى حطّاب مستلقياً في الغابة، فرِحَ الزوج وركض تجاهه وروى له ما جرى معه.


اطرق الحطّاب قليلاً وقال له: إنّ أهل هذه القرية لا يحبّون الأغراب.

نظر له الزوج باستغراب وقال: لا يحبون الأغراب! لماذا؟

ضحك الحطّاب وقال: في هذه القرية أرواح شريرة، فأهلُ القرية يخافون من أي شخص غريب.

تفاجأ الزوج وقال: لكنني مُضطّر للدخول.

قال له الحطّاب: حسناً ادخل، وإن سألك أحدهم قُل إنّك جئت تبحث عن عمل.


وافق الزوج ودخل إلى القرية وهو خائف، باحثاً عن منزل زوجته، واستمر بالبحث إلى أن وجده، دخل المنزل بحذر شديد والظلام يحيط به من كل ناحية إثر تعطّل مصابيح المنزل، ثم بدأ بالصراخ حتى تجمَّع أهل القرية حوله، ليتفاجؤوا بوجود جثة باتت متحللة منذ سنوات، عندما اقترب الزوج من الهيكل العظمي وجد في رقبتها سلسلة، وبعد التدقيق اكتشف أنها سلسلة ابنته التي كان قد أهداها إيّاها مع زوجته منذ الصغر، حزن الزوج حزناً شديداً وقام بدفن بقايا جثة ابنته، وبات يفكّر، ما الذي جاء بها من لندن إلى هذا المكان؟ وكيف قُتلت؟ نام الرجل في هذه الليلة بصعوبة وهو يُفكِّر بابنته، وفي اليوم التالي عندما استيقظ ونظر في المرآة، وجد على وجهه بقعة من الدماء وبعد تفكير اعتقد أنه قد جُرِح ليلة أمس أثناء دفن ابنته، ولم يكترث كثيراً.


برقيّات مجهولة

اضطر الزوج للمكوث في القرية المرعبة عدّة أشهر إلى حين الكشف عن قاتل ابنته متحجّجاًً بالبحث عن شارٍ للمنزل أمام زوجته، وفي كل ليلة يسمع أصواتاً مرعبة لا تمكّنه من النوم طوال الليل، أصوات تقول أأنت أبي؟ أٌمي ... هنا..... وعندما يأس من إيجاد قاتل ابنته بمساعدة الشرطة، وبعد نفاد صبره، ورعبه من تلك الأصوات التي يسمعها كل ليلة، قرّر العودة إلى منزله في المدينة، وبعد ساعات وَصَل إلى منزله وهو متردد كيف سيخبر زوجته عن ابنتهما التي لم ترها منذ سنوات لدراستها في الخارج، وعندما وصل البيت طرق الباب وهو يرتجف من شدّة التوتر، ليتفاجأ بجارتهم تأتي نحوه، وتقول له: إن زوجتك تلقّت برقية منك منذ شهر تخبرها بها أن تلحقك، وأنك بحاجتها بشكل عاجل.


استغرب الزوج وقال: أنا! لم أُرسل أي برقية.

تفاجأت الجارة واقترحت عليه أن يلحق بها، فهمّ بذلك فوراً.


استقلّ الزوج مركبة لتوصله إلى تلك القرية المرعبة مرّة أُخرى، وم إن وصل حتى بات يبحث عنها في أرجاء القرية وفي منزل والدها فلم يجدها، استغرب الزوج وعاد إلى مركز المدينة لِيُخبِر مركز الشرطة، فقامت الشرطة بالبحث عن الزوجة أيام وأيام لكنها لم تجد لها أيّ أثر، اعتقد الزوج أن زوجته تركته وتحججت ببيع منزل القرية لترسله بعيداً، فاستسلم للأمر الواقع وعاش وحيداً مُتحسراً، وبعد عدّة سنوات طُرِقَ باب المنزل، فإذا هي برقية مجهولة المصدر تقول: لا تنتظر أُمي، فإنها لن تعود وهي الآن في مكان آخر، استغرب الزوج ممَّا في هذه البرقية، وأكمل قراءتها وهو يرتجف، وإذ بملاحظة في آخر الرسالة تقول: علمتُ أنني متبناه، وأنني لست ابنتكما عندما هممت للسفر إلى لندن منذ سنوات،

ستكون أنت الرقم اثنين..استعدّ