عازفة التشيللو

لمى شابة موهوبة تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، عازفة تشيللو مشهورة، أقامت العديد من الحفلات والمهرجانات، وكانت دائماً ماتُباع تذاكر حفلاتها بالكامل، ولشهرتها الواسعة تتسابق الشركات لتوقيع عقد عمل معها، إلّا أنّها شديدة الوفاء والتشبّث بشركتها الأم، وفي يوم مشمس جميل، دخلت لمى إلى الشركة، واتجهت إلى مكتب مدير أعمالها، فاستقبلها بابتسامة وقال: قهوة بدون سكر صح؟ أومأت برأسها، وجلست بالكرسي المقابل له، فجلس مدير أعمالها وبدأا بمناقشة جدول أعمالها، واختتم الاجتماع وقال: لا تنسي، يوم الجمعة الحفل في قرية الزهور، سأرسل لكِ العنوان.


حفل غريب

-هل سأذهب وحدي

-لا، سيصحبك أعضاء الفرقة الموسيقية أيضاً.

-حسناً، سأنتظر منك العنوان.


وفي يوم الجمعة لبست لمى فستاناً أسود ذي أكمام طويلة، ووضعت القليل من المكياج فبدت فاتنة كعادتها، ولائقة بحفل راق تحييه عازفة كمان مثلها، وخرجت من منزلها باتجاه سيارتها، كان الجو ماطراً وبارداً، ركبت لمى سيارتها متجهة إلى مكان الحفل وهي تحدث صديقتها على الهاتف: أمي سأذهب للعزف في حفل حيّ أخيراً.

-هل أنتِ سعيدة لهذه الدرجة؟

-"نعم، فأنتِ تدرين تأثير جائحة الوباء على اللقاءات الحية من هذا النوع" ردت لمى، ثم أغلقت سماعة الهاتف بعد حوار ليس بطويل، وفي الساعة 10 مساءً وصلت لمى إلى مكان الحفل، كان القصر في مكان موحش، ولكنه كان كبيراً ومليئاً بالأضواء والديكورات الفارهة التي أعطته مشهداً انطباعياً رائعاً، وكان صوت الموسيقى عالٍ جداً، اتجهت لمى هي وفرقتها إلى داخل قاعة الحفل، وبدأوا بالتجهيز للحفل فوضعوا السماعات،والتشيللو خاصتها، والبيانو، والطبول في أماكنها المناسبة،

-أنا متحمسة للأداء اليوم، قالت لمى وهي تلامس بأطراف أصابعها أوتار التشيللو.

 -وأنا أيضاً، لقد مرّ وقت طويل منذ أن اجتمعنا للعزف معاً، ردت عليها سارة.

-هل تريدين الذهاب للتجول في المكان قبل بدء الأداء؟ فأنا أشعر بقليل من التوتر منذ وصولي للمكان.

-لا، أنا أشعر بالبرد الشديد، وخصوصاً أني نسيت معطفي في البيت.

-أنتِ دائماً تشعرين بالبرد يا سارة، حتى في منتصف الصيف، قال أحمد وهو يضحك.

 ثم قررت لمى التجول في مكان الحفل قبل بدئه بعد أن تأكّدت من أن كل التجهيزات في تمامها، في البداية شعرت لمى بالخوف قليلاً بعد أن رأت بعض الضيوف المدعوين إلى الحفل، إذ كانت وجوههم شاحبة وأيديهم خشنة كالأشواك، كما كانت ملابسهم غريبة جداً وكأنها قديمة، لكنّها قررت تجاهل الأمر ظنّاً منه أنّه حفل تنكّريّ أو ما شابه، "فليرتدون ما يرتدون، وليبدون كما يشاءون ما دخلي أنا! إنّها هنا لأعزف وأغادر" فكرت لمى وقرّرت إكمال جولتها في المكان، ولكن ازداد شعورها بالخوف بعد رؤية الطعام الموجود على مائدة البوفيه، إذ كان لحوماً غريبة في لونها ومظهرها توحي بأنّها ليست كالتي نأكلها بالعادة، وكأنها طعام غير بشري، بالإضافة إلى سماعها أصواتاً وطلاسم غريبة زادت من توتّرها لكنّها ظلّت تتجاهل كل هذا، وأكملت تجولها في المكان الذي كان يزداد غرابة كلما تقدمت، إلى أن وصلت إلى الحديقة الخارجية حيث رأت نساء يضحكن بصوتٍ عالٍ جداً بملابس مقطعة لا تتناسب والحفل الذي هي فيه، التفت أحداهن ومشت باتجاه لمى بسرعة شديدة، لاحظت لمى أن عيون المرأة كانت بلونين أزرق وبني غامق، وكانت تفوح منها رائحة كريهة،فأغلقت لمى عينها من شدة الخوف وجلست على الأرض بعد أن تعثّرت عندما حاولت الهرب، وبعد لحظات، فتحت لمى عينيها ووجدت أن النساء اختفين والمكان خالٍ من أيّ صوت أو حركة، فقررت لمى العودة إلى مكان الحفل وهي ترتجف خوفاً.


النهاية

 وفي طريقها للعودة إلى قاعة الحفل ضلت لمى الطريق إثر تترها، وبدأت بالمشي بسرعة للوصول قبل بدء الأداء، وفي الطريق وجدت طفلاً صغيراً شاحب الوجه، على ساعده الأيسر آثار حرق، نظر إليها نظرة غريبة وسألها: ماذا تفعلين في هذا المكان؟.

-أنا هنا مع فرقتي للعزف.

-حقاً؟ ماذا تعزفين؟

-أنا أعزف التشيللو.

"إنه طفل لطيف جداً"، قالت لمى في نفسها، اقترب الطفل منها مبتسماً وقال لها: لقد سمعت صوت عزفك من قبل، إنه يذكرني بالموسيقى التي سمعتها يوم جنازتي! نظرت لمى إلى الطفل بفزع، لكنّها تعرف ما تعنيه تهيّئات الأطفال في مثل عمره، فأكملت المشي وراءه بعد أن طلبت منه أن يوصلها لمكان الحفل، فأوصلها وودعها، فسألته لمى: لماذا لا تدخل؟ لم يجبها الطفل وأكمل المشي بهدوء، وعندما دخلت القاعة لمحت سارة تركض باتجاهها وصوتها يرتعد من الخوف وقالت للمى:علينا الخروج من هذا المكان اللعين بسرعة، وسحبتها من يدها وأخذتا بالركض يتبعهما أفراد الفرقة أيضاً، وبعد أن ابتعدوا قليلاً عن أسوار المكان، وجدوا رجلاً عجوزاً يجلس على قارعة الطريق، فسألهم عن سبب تواجدهم في هذا المكان في مثل هذه الساعة، فأخبرته لمى بأمر الحفل الغريب الذي جاؤوا لأجله، فبدت على وجه الرجل أمارات الدهشة وقال:حفل! أيّ حفل! بعد حدوث ذلك الحريق في حفل عيد ميلاد الطفل رامي منذ 10 سنوات، لم يدخل هذا المكان أحد!