الفصل الأول: حياة عادية

كعادتها منذ سنوات تستيقظ سوسن كلّ صباح لتجهيز أولادها الثلاثة للمدرسة وتحضير وجبة الفطور لهم ولزوجها، وبعد انطلاقهم كلّ إلى مهمته -الأولاد للمدرسة والزوج للعمل- تبدأ هي في إنجاز واجبات المنزل وإنجاز واجباتها بحقّ نفسها، ومن ثم تحضير طعام الغداء للعائلة، وهكذا بدوامة مستمرّة كلّ يوم، دون أن يخلو الأمر من استثناءات كلّ فترة حسب الظروف.


بالرغم من روتينية حياة سوسن التي قد تكون بالنسبة للبعض مملة إلا أنّها كانت سعيدة بها، ودائمًا ما تحاول إسعاد نفسها وعائلتها بشتى الطرق، لكن كلّ ما سبق كان قبل أن يأتي ذلك الشيء الذي عكّر عليها صفو حياتها تلك والرتابة التي كانت عليها، وقلبها رأسًا على عقب تدريجيًا.


الفصل الثاني: خيالات ليلية

في كلّ ليلة لمّا تضع سوسن رأسها على الوسادة تجتاح عقلها وتحتلّ تفكيرها خيالات مُخيفة، تأبى أن تُطرَد هذه الخيالات مهما حاولت سوسن؛ فترى منزلها يحترق ليلًا وتأكله النيران، وهي تصرخ وتُقحم نفسها بين اللهب من أجل أطفالها الثلاثة، وكانت ترى ذلك بتفاصيله الدقيقة وكأنّ شريطًا مسجلًا يُعرض أمام عينيها، ما كانت تجهله فقط هو متى سيحدث هذا!!!


تكررت هذه الخيالات مع سوسن مدة شهر كامل، وكاد أن يصل بها الأمر إلى الجنون، حتى قررت في إحدى الليالي أن تُصارح زوجها -الذي لم يلاحظ عليها أي تغيير- بما يحدث معها، فحاول تهدئتها وقال: عزيزتي هذه أفكار شيطانية، لن يحدث شيء مما تتخيلينه، أرجوكِ اهدئي الآن واشربي كوبًا من الماء ونامي، وفي الصباح لكلّ حادث حديث. حاولت سوسن أن تشرح له أكثر من ذلك، إلا أنّه لم يقتنع وأدار لها ظهره متمتمًا بكلمة واحدة: خيال... خيال...


أصبحت سوسن تكره الليل مما تراه قبل أن تغطّ في النوم، حتى أنّ ما يحدث أثّر في صحتها وإطلالتها البهية التي اعتاد الجميع على رؤيتها بها، فقد بدت هزيلة شاردة الذهن في كل الأوقات، كما فقدت ابتسامتها البهية التي كانت تُقابل بها الناس، لذلك اضطرت إلى إخبار المقربين منها بما يجري معها، إلا أنّ الجميع -كان كزوجها- أجمع أنّها مجرد تهيؤات ولا صلة لها بالواقع ووبّخها على إغراقها فيها، ولكن سوسن الوحيدة الموقنة أنّها لم تكن كذلك، وأن أمرًا ما سيحدث عاجلًا أم آجلًا.


الفصل الثالث: الحقيقة

استمرّت حالة سوسن تلك ثلاثة أشهر بالتمام والكمال ازدات فيها يومًا بعد يوم هزلًا وشحوبًا، وبعد يوم واحد من مضي الأشهر الثلاثة حان موعد اليوم المشؤوم الذي رُسِم في مخيلة سوسن منذ مدة؛ ففي تمام الساعة التاسعة مساء وبينما كان الأولاد في غرفهم استعدادًا للنوم وسوسن تجلي في المطبخ وهي تتناقش مع زوجها صدر صوت انفجار قويّ بدا أنه من غرفة الجلوس.


لحظات قليلة كانت تفصل بين الصوت وبين مشاهدة سوسن وزوجها للنيران تهبّ في أرجاء المنزل، فأخذت سوسن تصيح: الأولاد، الأولاد سأنقذهم أنا، ثم ركضت مسرعة ناحية غرف الأولاد متجاوزة النيران التي بدأت تزداد شدتها شيئًا فشيئًا، وزوجها يُنادي عليها للعودة لكن بلا جدوى.


حدث كلّ شيء بسرعة وانتهى بسرعة، وعلى قارعة الطريق أمام المنزل الذي تحول إلى كتلة سوداء جلست سوسن مع زوجها وأولادها الثلاثة وكلّّهم بحالة حزن وصدمة مما حدث، لكن لم يتوقف لسانهم عن ترديد: الحمد لله، الحمد لله، وفجأة قالت سوسن: لقد رأيت هذا المشهد منذ ثلاثة أشهر بكلّ تفاصيله، رأيته لأعرف كيف سأنقذ نفسي وأسرتي، الحمد لله.


ولقراءة المزيد من القصص الواقعية: قصة رحلة مدرسية، قصة خانته الذاكرة.