الفصل الأول: تكوين أسرة

عدنان شابّ عصاميّ وطموح شقّ طريقه في الحياة بكدّه وتعبه، فهو الآن في الخامسة والثلاثين من عمره مدير لشركة البرمجة التي أسسها ووضع أركانها منذ أن كان في العشرينات من عمره، وكأي شابّ يطمح عدنان في تكوين أسرة سعيدة تُملي عليه حياته، وقد أوكل مهمة البحث عن الفتاة ذات الخلق والدين إلى والدته كما جرت العادات والتقاليد، وبالفعل وجدت عائلة عدنان الفتاة التي شعروا أنها تناسبه واسمها سوسن، وبعد مقابلات عديدة بين العائلتين وبين سوسن وعدنان الذي بدت عليه نظرات الإعجاب بها شعرت القلوب بالارتياح وتمت الموافقة.


سارت أمور عقد القران كما هو مخطط لها والجميع يشعر بسعادة غامرة، وفي حفل زفاف جميل ومتواضع اجتمع الأهل والأقارب للتهنئة والمُباركة للعروسين والدعوة لهما بأيام جميلة وسعيدة. وبعد مرور الأيام والشهور على زواج عدنان وسوسن كان واضحًا للجميع حولهما مدى السعادة والحب بينهما؛ فسوسن لا يملّ لسانها من ذكر عدنان بكل ما هو جميل وخيّر، وعدنان كذلك دائمًا ما تفضحه عيناه عن هيامه بزوجته وتعلّقه بها.


الفصل الثاني: حسرة وألم

بدأ عدنان وسوسن بعد مرور ستّ سنوات على زواجهما من الحب والتفاهم والاحترام بمواجهة الضغوط من المحيطين بهم حول مسألة الإنجاب، وبدأ إلحاح الأهل على عدنان للزواج من فتاة أخرى علّه يُرزَق بولد يحمل اسمه، فيبدو أنّ سوسن لا أمل منها للإنجاب، لكنّه وقف في وجه الجميع رافضًا الحديث في هذا الموضوع بتاتًا، وقال: أنا راضٍ بزوجتي هكذا وهي راضية بي، يكفي أنّ مشاعرنا صادقة والحبّ أساس حياتنا، ومن الآن فصاعدًا لا علاقة لأحد بنا، ومَن يستمرّ بالحديث معي حول الإنجاب والزواج من أخرى سأنهي علاقتي به تمامًا، وبذلك وضع عدنان حدًا لكل من تسوّل له نفسه فتح الموضوع ذاته.


مرّت سنوات أخرى بين الزوجين عدنان وسوسن متوّجة بالمحبة والتضحية، لكن فجأة ودون سابق بدأت تهاجم سوسن أعراض مرض غريب سببت للزوجين القلق واضطرتهما للكشف في أحد المستشفيات، وبعد تشخيص الحالة وإجراء ما يلزم صارح الأطباء عدنان بأن سوسن مصابة بداء عُضال نسبة المصابين به في العالم قليلة، وأنّها لن تعيش كحدّ أقصى -والأعمار بيد الله بالطبع- أكثر من ثلاث سنوات، وكل سنة ستكون حالتها أسوأ من سابقتها.


كان عدنان مصدومًا مما سمع ورافضًا التصديق، لكنه بقي محافظًا على هدوء أعصابه، ولم يرضَ بإبقاء سوسن في المستشفى؛ فقد قرر أن يجهز منزلهما بكل ما يلزم من معدات وأجهزة طبية لتتلقى زوجته الرعاية على أكمل وجه، كما استقدم ممرضة متفرغة لتساعده في حالتها، خاصةً أثناء وجوده في العمل، لكن عدنان لم يقوَ على البُعد عن المنزل كثيرًا، فكان لا يتجاوز وجوده في الشركة أكثر من ساعتين، وبعد مدة قرر أن يتفرغ تمامًا لخدمة زوجته، فأوكل مهام إدارة شركته لأحد أصدقائه الذين يثق بهم لأجل غير معلوم.


الفصل الثالث: لا تحزن على فراقي

وبعد مرور عدة أشهر أصبحت سوسن خلالها هزيلة لا تقوى على الحركة كثيرًا أعطت ممرضتها -بالخفية عن عدنان- صندوقًا صغيرًا، وطلبت منها الحفاظ عليه وعدم فتحه وإعطائه لأحد إلا لزوجها عدنان عندما يأذن الله لها بالرحيل من الحياة الدنيا، فكان لها ما طلبت. وفي إحدى الليالي الماطرة وصوت زخات المطر تطرق النوافذ كان عدنان يُتشد الشعر لحبيبته سوسن متغزلًا بعينيها، فنظرت إليه نظرة المودّع وهي تبتسم، ففاضت الدموع من عيني عدنان لإدراكه أنّ ساعتها قد حانت.


شهقت سوسن بعد ابتسامتها شهقة خرجت معها روحها، وكادت من شدة هول الموقف أن تأخذ روح عدنان معها، إذ انطلقت من فمه صرخة هزّت أركان المنزل؛ فقد رحلت حبيبته وتركته يعاني ألم الفراق من بعدها. بعد يومين من وفاة سوسن جاءت إلى عدنان الممرضة التي كانت تتابع حالتها وأعطته الصندوق الذي طلبت منها سوسن أن تقدمه له.


فتح عدنان الصندوق بيدين مرتعشتين، ووجد فيه ساعة ذهبية متوقفة وهي أول هدية قدمها لها منذ أن عرفها، وصورة لهما ليلة الزفاف مكتوب على ظهرها "حبّ إلى الأبد"، ورسالة صغيرة قرأها عدنان وعيناه تذرفان الدموع: زوجي الحبيب، لا تحزن على فراقي، فوالله لو كتب لي عمر آخر لاخترت أن يكون معك، وأُوصيك بأن تتزوج بعد وفاتي فلم يبقَ لك أي عذر، وأرجو منك يا حبيبي أن تُسمّي أولى بناتك باسمي.


ولقراءة المزيد من القصص الحزينة والمؤثرة: قصة ضعّة، قصة زوجة الأب.