الفصل الأول: على الطريق

بخطوات سريعة تحت زخات المطر كان سامر يمشي حتى يصل إلى موقف الحافلات للذّهاب إلى جامعته، وما كاد يصل حتى وصلت الحافلة وركب فيها بسرعة اختباءً من البرد الشديد، وكالعادة لم يجد مقعدًا فارغًا ليجلس عليه، فبقي واقفًا ممسكًا بالمقابض المخصصة لذلك، وبعد شقّ الحافلة مسافة ليست بالطويلة توقّفت لأخذ راكب جديد.


صعدت إلى الحافلة فتاة رقيقة ارتسمت على وجهها معالم الخجل والحياء، وبدا عليها أنّها في سنتها الجامعيّة الأولى، وقد بدت متوترة بعض الشيء عندما التفت يمنة ويسرة ولم تجد مكانًا لتجلس فيه، فلم يكن أمامها إلا الوقوف كما فعل صاحبنا سامر، الذي بدت على وجهه أمارات إعجاب أوليّة بها، لكن دون أن يُفصح عنها.


خلال الطريق إلى الجامعة -والتي تستغرق ما يقارب الـ 45 دقيقة- أوقف السائق الحافلة بشكل مفاجئ، فارتطم سامر بالفتاة ارتطامة خفيفة بعض الشيء - فقد حاول بكل قوّته ألا يمسّها- وتناثرت كتبه بين قدميها.

اعتذر سامر من الفتاة بشدّة، وهي أبدت عدم انزعاجها منه فما حدث ليس ذنبه، ثم انحنى لأخذ كتبه عن الأرض وانحنت هي الأخرى للملمة أغراضها التي وقعت جراء الوقوف المفاجئ، فالتقت عيناهما ثوانٍ معدودة، ثم أشاحا ناظريهما عن بعضهما، وتَكرمَشَ كلّ واحد منهما داخل نفسه خجلًا من هذا الموقف، وأكملت الحافلة طريقها.


الفصل الثاني: سنلتقي

لم تغادر تلك الفتاة ذهن سامر طوال ذلك اليوم، فقد شعر أنّ شيئًا ما يدعوه للتفكير فيها منذ اللحظة الأولى التي خطت فيها قدمها الحافلة، وعاد إلى المنزل وفي نيّته محادثتها في اليوم التالي ومعرفة اسمها على الأقل، "أريدها بالحلال، فسأتحدث معها وأعرف اسمها ومن ثم أطلب رقم والدها"، بهذا الكلمات كان سامر يُحدّث نفسه وهو يستلقي على السرير، ليذهب بعدها في نوم عميق.


لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سُفُن سامر، فقد مرّت ثلاثة أيام ووصل الأسبوع إلى نهايته ولم تظهر تلك الفتاة ولم تركب الحافلة، وحتى في الجامعة لم يُصادفها أبدًا، ولا يعرف عنها شيئًا حتى يسأل أحدًا عن أحوالها، وهكذا في تفكير دائم قضى سامر أيام العطلة على أمل لقائها في بداية الأسبوع. وبالفعل في صباح يوم الأحد انفرجت أساريره عندما شاهدها تصعد درجات الحافلة، وقرر أن يتحدث معها على الفور ودون أية مقدمات.


تحلّى سامر بالشجاعة واقترب منها -حيث كان كلاهما واقفًا كالعادة- وقال: صباح الخير، آسف على الإزعاج، ردّت بسعة وبخجل: أبدًا، تفضّل؟ فأجاب: أريد أن نجلس خمس دقائق فقط معًا وبعدها أطلب منك رقم الوالد، احمّرت وجنتاها من الخجل ووافقت على استحياء، ولما وصلا إلى الجامعة تعرّفا على بعضهما سريعًا، ومن ثم دوّن الرقم على هاتفه والدنيا لا تسعه من الفرحة.


كان سامر صادقًا في مشاعره وذهب إلى منزل الفتاة -التي كان اسمها سلمى- وأبدى رغبته بالزواج منها، موضحًا أنّه في الفصل الأخير من دراسته وأنّه يعمل من بداية حياته وعمله فيما بعد مؤمّن، فأبدت العائلة موافقتها الأولى بشرط أن يُنهي الدراسة ويتخرج من الجامعة، ومن ثم تُقام المراسم الرسميّة. لكن هذه المرة أيضًا جرت الرياح بما لا تشتهي سًفُن سامر.


فبعد مرور بضعة أشهر من التعارف وصل اتصال إلى سامر من والد سلمى يُخبره فيها أنّ نصيبه ليس عنده، وما كان بينهما من اتفاق أصبح غير موجود، وأنّ العائلة ستسافر إلى بلد آخر دون تحديد مدة، فانهار سامر ولم يعرف للإجابة طريقًا، فأغلق الهاتف وأرسل رسالة إلى سلمى على الفور: "هل ما سمعته صحيح؟"، وما هي إلا لحظات حتى جاءه الردّ: "أنا آسفة، ليس بوسعي ما أفعله"، فاستشاط سامر غضبًا وأرسل لها: "سنلتقي".


الفصل الثالث: القَدَر

كانت كلمة "سنلتقي" آخر ما جمع بين سامر وسلمى، ومرّت سنوات عدة لم يعرف أحدهما عن الآخر شيئًا، وما كان من سامر إلا أن تزوّج بعد إلحاح شديد ممن حولها، فحلمه سلمى ضاع من بين يديه، لكنّ زواجه ولم يكن سعيدًا؛ فبعد سنة واحدة لم يُرزق فيها بأطفال أعلن انفصاله عن زوجته، وبقي على أمل ظهور سلمى في أي لحظة.


شاء القدر بعد مدّة أن ينتقل سامر في عمله إلى محافظة أخرى، وبالصدفة في محل بيع المواد التموينية شاهد حبّ حياته سلمى، فأسرع نحوها وصرخ: سلمى، هذه أنتِ متى عدتِ؟ لما رأته ارتمت بين أحضانه وقالت: لم تغب عن عيني لحظة واحدة طوال تلك السنوات يا سامر، أنا لك ولن أكون لغيرك. رقص قلب سامر فرحًا وعاد وطلب سلمى مرة أخرى من والديها، وتزوّجا وعاشا حياة سعيدة زيناها بالبنين والبنات.


ولقراءة المزيد من قصص الحب والرومانسية: قصة دعوة زواج، قصة الرهان.