حبّ في الغُربة

في باريس-فرنسا تعيش جوليا قصّة حب مع شاب يُدعى سامر، تلك الفتاة الشقراء الرقيقة التي تعمل في مجال تصميم الأزياء، تعرّفت على سامر في إحدى الورشات التدريبية مُنذ عام، حيثُ نشأت بينهما علاقة صداقة قوية إلى أن تحوّلت تلك العلاقة إلى قصّة حب، كما لو أنّها قصة من إحدى الروايات الرومانسية.


تقضي جوليا عادةً وقتها مع صديقتها المقربة سارة التي تعمل كممرضة في أحد مستشفيات المدينة، وقد كانت جوليا تقضي معظم الوقت في التحدث عن سامر وصفاته أمامها، وطريقة حبّه الساحرة لها، وأثناء حديثها عنه مرّة راود سارة الفضول للتعرّف على تلك الشخصية التي تتحدث عنها صديقتها باستمرار، والتي كانت أشبه بشخصيات فرسان الحكايات، فكانت دائماً تقول لها أن لا تبالغ في حبّها له كي لا تُصاب بخيبة أمل، كَون سارة كانت قد تعرضت للخيانة من زوجها السابق بعد قِصة حُبٍ طويلة، ضحكت جوليا من كلام صديقتها مؤكِّدة لها أنّ سامر لا يشبه أحداً من الرجال، فهو نقيٌ جداً، بالإضافة إلى أنّه يحبّها جداً، فاقترحت عليها جوليا أن تعرّفها به، لكي تبرهن لها ما تقوله عنه دوماً، وتريها كم هو إنسان لطيف، وكم هي محظوظة به وأنّ هذا الوصف ما هو إلا جزءٌ صغير من صفاته الحسنة، وافقت سارة على الفور، وقامت جوليا بترتيب موعد للقاء، وبالفعل التقت سارة مع سامر بوجودها وتبادلوا أطراف الحديث لساعات طويلة، وعندها تأكّدت سارة من نُبل صفات هذا الشاب، ومن أخلاقه العالية، فقرّرت أنّه لا بدّ لها من أن تتصرّف، وأصبح الثلاثة يلتقون باستمرار كونهم يعيشون في الغُربة.


وبعد عدّة أشهر، شعرت جوليا بتغيّر سامر نحوها، فهو لم يَعُد يُهاتفها كالسابق، أو يلتقي بها إلا بإلحاحٍ منها، واعتقدت أنّ سبب هذا التغيير هو انشغاله بالعمل، إلّا أنّه وفي يومٍ من الأيام وهي في طريقِها إلى العمل، رأت صديقتها سارة في أحد المقاهي مع سامر، ذهلت جوليا مما رأت، لكنّها فكّرت قليلاً وقالت في نفسها: لا لا..لا بُدّ أنهما يُحضّران لي مفاجأة، فيوم ميلادي قد اقترب، وبعدها بساعات اتصلت جوليا بسامر لِتطمئنّ عن أحواله، وأثناء حديثهما كانت ستُخبره عن رؤيتها له في المقهى، لكنّها وبعد تفكير قرّرت أن لا تقوم بذلك لئلا تُفسد المفاجأة.


فتحت جوليا عينيها ونظرت إلى الرزنامة مبتسمة، نعم، فاليوم هو يوم ميلادها، نهضت من السرير على الفور، وبدأت بالاستعداد للمفاجأة المُنتظرة، وها هي تمضي الساعات ولم يتذكّرها أحد، شارف اليوم على الانتهاء والأمل في عينيّ جوليا يغيب،وبقيت كذلك إلى ان رن إشعار بوصول رسالة على هاتفها، فركضت فرحة تفتحها، فإذا هي من سارة، وبها تقول: "كلُّ عامٍ وأنتِ بخير"، استغربت جوليا من جديّة المعايدة،وبدأت تفكّر فيما إذا كانت قد أخطأت مع صديقتها في شيء ما لكنّها لم تجد فحزنت شديد الحزن، وما زاد من انكسارها هو نسيان سامر يوم ميلادها.


النَّظرة الأخيرة

في صباح اليوم التالي قررت جوليا مواجهة سامر، وقبل أن تخرُج من باب منزلها رنّ هاتفها، فإذا بها سارة، فقامت بالردّ، وانهارت بكاء وصراخاً عندما قالت لها سارة: أنا وسامر في علاقة غرامية، وقد قرّرتُ أن أُخبرك أنا بذلك، لذا لا تُعاودي الاتصال بنا، ثم أغلقت الهاتف.


لم تستطع جوليا تحمّل الخبر، فقد كانت صدمتها مضاعفة إثر خيانة صديقتها المقرّبة لها، مما أدّى إلى دخولها في حالة اكتئاب استمرت لعدّة أشهر، تركت على إثرها العمل وأصبحت لا تخرج من المنزل ولا تلتقي بأحد، إلى أنّها وبعد تفكيرٍ عميق قررت العودة إلى وطنِها، فعندما همّت بالرحيل فإذا جرس الباب يُقرع، فقامت بفتحِهِ لتتفاجأ بسارة، لم تحتمل جوليا رؤيتها وقامت بطردها على الفور، لكنها قامت بتهدئتها وطلبت منها الدخول لتشرح لها ما جرى، وبعد عناء وافقت لها بالدخول،


وقالت لها: ما حصل هو سوء تفاهم، فسامر هو من طلب مني  أن أُرسل لكِ تلك الرسالة.

تعجّبت جوليا مما سمعته، وقالت: هو من طلب منكِ! لماذا؟


قالت سارة: سامر يعاني من مرض السرطان، ولأنني أعمل كممرضة طلب مني مساعدته بإجراء التحاليل، وعندما أخبره الطبيب أن المرض منتشر في جميع أنحاء جسده طلب مني أن أُخبرك أننا في علاقة غرامية، كي تبتعدي عنه، لئلّا يراكِ تتمزقين وأنتِ تُشاهدينه يموت، فإنّ محبتكِ في قلبه تفوق التوقعات، وهو ما دفعه لأن يختار أن يبتعد عنك ويتعذب على أن تتعذبي عند رؤيته بهذا الحال.


انهارت جوليا عند سماع الخبر، وسألتها عن أحواله الآن.

قالت لها سارة وعلامات الحزن تعلو محيّاها: حالته سيئة جداً للأسف يا جوليا، والطبيب أخبره انّ أمامه أيام فقط، فالمرض أنهك جسده، وأنا قادمة من عنده وقد طلب مني أن تكوني أنتِ آخر وجه يراه.

لم تحتمل جوليا ما سمِعته وكادت أن تفقد الوعي، إلّا أنّها ذهبت مُسرعة إلى المستشفى لترى سامر، وعند وصولها أخبرتها سارة برقم الغرفة، فصعدت مسرعة تغالب تعبها إلأّا أنّها وجدت الغُرفة فارغة.

سألت جوليا إحدى الممرضات: أين المريض الذي كان في هذه الغرفة؟

فأخبرتها بنبرة حزينة: لقد توفي مُنذ دقائق للأسف، فقلبه لم يتحمّل الصمود أكثر من ذلك.


انهارت جوليا ممّا سمعته وبدأت بالصراخ حتى تجمّع الناس على صوتِها، وغابت عن الوعي إثر انهيارٌ عصبي، مما أدى إلى مكوثها في المستشفى أشهر عديدة قبل أن تخرج، وها هي تعيش حياتها اليوم متحسّرة على أنّها لم تستطع أن تُلقي على حبيبها المخلص النظرة الأخيرة.