مشوار وِئام
وِئام فتاةٌ عشرينية تعيش مع والدتها وإخوتها الثلاثة الذين تُعيلهم منذ سنوات بعد أن تركهم والِدهم منذ أن كانوا صِغاراً بحثاً عن رفاهيّته الشخصية رافضاً تحمّل مسؤوليّتهم، اضطرّت وِئام أن تترك دراستها، لكي تعمل وتُكمِل تعليم إخوتها الصغار، فلجأت للعمل في المطاعم كنادلة، لكن سرعان ما كانت تترك العمل؛ لِتعرُّضِها لمضايقات عديدة من قبل الزبائن، بعدها بدأت في تعلّم الخِياطة وبعدما أتقنتها عمِلت في إحدى الورشات مقابل مرتب زهيد، واستمرت في تلك المهنة لعدّة سنوات إلى أن قرّر صاحب الورشة إغلاقها بسبب ضائقة مالية أصابَته، فكّرت وِئام بعدها كثيراً لإيجاد عمل مناسب لها، إلى أن وَصَلَ بها الحال للعمل في تنظيف المنازل، فباشرت في العمل، لكنّها كانت تتعرّض في كلِّ منزل تعمل به إلى مضايقات عديدة كونها جميلة وليس لها مُعيل، ممّا دفعها إلى ترك ذلك العمل أيضاً.
أحببتُ عِطرُها
شَعَرت وِئام باليأس الشديد؛ لعدم قدرتها على إيجاد مصدر دخل تُعيل به عائلتها، فذهبت إلى والدتها تشكو لها الحال التي وصلت إليه، فاقترحت عليها والدتها الذهاب لزيارة صديقتها المقرّبة رهف لِتشرَح لها الحال لعلّها تجِد لها وظيفة تساعدها، وافقت وِئام وذهبت لصديقتها وبدأت بشرح معاناتها في إيجاد عمل، بحثت رهف كثيراً لعلها تساعد صديقتها، ثم اقترحت لها أن تعمل كسائقة تاكسي في مركبة أخيها، لكن في الفترة المسائية؛ لأنّ أخاها يعمل عليه في الصباح.
استغربت وِئام من هذا العرض وقالت لصديقتها ضاحكة: أتريدينني أن أعمل ليلاً؟ إنَّ أصحاب العمل يضايقونني في النهار، وأنتِ الآن تطلُبين منّي أن أعمل ليلاً؟
فكَّرت صديقتها جيداً، ثم اقترحت عليها أن تتنكّر بهيئة رجل أثناء عملها، كي لا تتعرض لأيُّ مضايقات، تعجَّبت وِئام من هذا الاقتراح الغريب وطلبت من صديقتها أن تمهلها بعض الوقت لِتُفكّر، بينما كانت تقول في عقلِها: لا يُمكنني أن أتنكر وأعمل كسائقة، بالطبع سأرفُض.
واستمرت بالبحث عن عمل آخر لكن لا جدوى، وبعد أن تملّكها اليأس قررت الموافقة على عرض صديقتها، وفي اليوم التالي تنكّرت وئام استعداداً لبدء عملها كسائقة تاكسي، مرّت أول ليلة بهدوء ولم يكتشف أحد حقيقتها، فشعرت أنّ هذا هو أنسب عمل قامت بتجربته حتى هذه اللحظة، إضافةً إلى ما كسبته من مالٍ وفير، ومرَّ شهر وكل شيء كان يسير على ما يُرام، إلّا أنّه وفي أحد الليالي أوقفها شاب وسيم طويل القامة، فركِبَ معها وألقى التحية، وتبادلا أطراف الحديث طوال الطريق مُعتقِداً أنها شاب مثله، وطلب الفتى الوسيم منها أن يتعاقد معها لكي توصِله إلى عمله يومياً، نظراً لِبُعد المسافة بين عمله والمنزل، وافقت وِئام على هذا العرض وأصبحت توصِله يومياً إلى مكان عمله، حتى نشأت علاقة صداقة قوية بينهما طوال هذه الفترة، فكان يخبرُها عن أسرارِه وعن حياتهِ الشخصية، وما زال ذلك الوسيم يعتقد أن وِئام شاب لا فتاة.
بعد مرور عدّة أشهر، بدأت وئام تشعر بالانجذاب نحوه، وفي كل يوم كان يزداد ذلك الشعور تجاهه إلى أن تحوّل إلى حب، قررت وِئام بعد ما تأكدت من أنها قد وقعت فعلياً في حب ذلك الوسيم أن تتخلص من تلك المشاعر، نظراً لأنها كانت تُعيل أُسرتها، ولا مجال للحب في حياتها، وكانت كلما راودتها مشاعر تجاهه تذكّر نفسها بأنها مُجرّد رجُل بالنسبةِ له، فأصبحت تتأخر عن مواعيد إيصاله، بل كانت تقوم بإلغائها في كثير من الأوقات متحجّجة بانشغالها، لكنّ مع كلِّ ذلك لم تستطِع التخلّص من حب ذلك الشاب، فقد سيطر على تفكيرها وقلبها، لذلك قررت أن تترك عملها كسائقة تاكسي كي لا يزداد تعلُقها به، فاتصلت به ودموعها تكاد أن تسقط، وأخبرته أنها لن تستطيع المتابعة بإيصاله لظروفٍ خاصّة بها ثم أغلقت الهاتف.
بدأت وئام تشعُر بالاكتئاب والوحدة وهو الأمر الذي أثر سلباً على عملها ودفعها لتركه، وزاد شعورها ذلك كونها خسرت العمل والحب معاً، لكن مع كلّ ذلك فكّرت بوالدتها وإخوتها الذين تُعيلهم، وأنه لا مجال للضعف في حياتها، فقررت أن تعود إلى رحلة البحث عن عمل، وذهبت في صباح اليوم التالي للبحث عن ورشةٍ للخِياطة كونها حِرفتها الأساسية، فعندما حلَّ الظلام وانتهت جولة البحث عادت إلى المنزل، لتتفاجأ بأن ذلك الوسيم يجلِس في منزلهم ويَطلب يدها للزواج من والدتها، صُدِمت وِئام صدمة شديدة فتحت على إثرها فاها،وقبل أن تتلفظ بأيّ كلمة ضحِكَ الشاب وقال لها: لقد علِمتُ أنكِ فتاة منذُ أول مرة صعدت بها معكِ، فكيف لمن أرادت التخفّي وضع هذا العطر الجذّاب؟!، وقال وهو يغمزها: والآن أتقبلين الزواج بي أيّتها الجميلة؟
التزمت وِئام بالصمت لثوانٍ، وأطرقت بخجل، فقال لها الشاب: لقد فعلت المستحيل لكي أراكِ يومياً، فقُمت باختراع قصّة عملي الليلي كي أقضي وقتاً كافياً معك في الطريق، هل سأنتظر كثيراً؟
ضحِكت وِئام بخجل مما سمعته، وهي تفكّر فيما إذا كانت هي من خدعته أم هو، وما مضى سِوى ثوانٍ لتوافق على طلبه هذا، ويتكلّل حبّهما الخفيّ بالزواج.