في سبيل الحب

يعمل العم أبو أسامة في بيع المواد التموينية في بِقالة كان قد استأجرها منذ عدّة سنوات مع أولاده الشُبّان الأربعة الذين يعملون معه بالتناوب، والذين عُرِفوا بأخلاقهم العالية بين أهل منطقتهم.


أسامة، الابن الأكبر كان أكثرهم مساعدةً لوالده لذلك كان مميزاً بالنسبة له فهو يحبّه كثيراً ويخاف عليه كثيراً، وأثناء عمله في البقالة تعرّف على صديق له يُدعى مازن، فأصبحا صديقين مقربين يلتقيان يومياً ويقضيان وقتاً طويلاً معاً، لكنّ العم أبا أسامة لم يكن راضياً عن علاقة أسامة بمازن، وكان يحذر ابنه دائماً منه لسمعته السيئة في الحيّ، لكن أسامة لم يقتنع بذلك واعتبر والده يبالغ بحرصه عليه، وفي إحدى الليالي كان دور أسامة في التناوب بالبيع، مرّ مازن من أمامه وعندما رآه يعمل حتى وقت متأخر قال له: ما بك تعمل إلى هذا الوقت، غداً يومُ عطلة هيّا نخرج للسهر معاً


فأجابه أسامة: لا أستطيع إغلاق البقالة منذ الآن، فأنا مؤتمن عليها أمام والدي.

فقال مازن: إنّ إغلاقها قبل الموعد بساعتين لن يؤثر على البيع يا رجل، كما إنّ والدك لن يراك.

فكّر أسامة بحديث صديقه فتردّد قليلاً لكنه بالنهاية أغلقها وذهب معه، وفي الطريق بدأ يسأله عن المكان الذي سيسهران به، فضحك مازن وقال: لا تقلق يا رجل، سآخذك إلى مكان لم تره من قبل، سآخذك حيث يحلو السهر.


تعجّب أسامة وأكمل السير معه إلى أن وصلا إلى مقهى تنبعث منه أصوات عالية، ولمّا دخلا وجدا أشخاصاً يقضون وقتهم بالجلوس، والرقص، وتناول الطعام، والمشروبات وغيرها، فيما يستمِعون إلى إحدى المُغنِّيات التي كانت على خشبة مُرتفعة تتوسطهم، وعندما رأى أسامة هذا المنظر همّ بالخروج مُسرعاً، إلّا أنّ صديقه أوقفه واقترح عليه البقاء دقيقة واحدة ليستريحا من عناء الطريق على الأقل، تردّد أسامة ثانية لكنّه وافق على الاقتراح، فمرّت دقيقة، ثمّ ساعة، وهكذا إلى أن مرّت أربعُ ساعات لم يشعر خلالها أسامة بالوقت وهو ينظر إلى تلك الفاتنة ذات الصوت الرقيق وهي تُغنّي، وعند نهاية السهرة عاد أسامة مع اقتراب الفجر مُفكّراً طوال الطريق عن كذبة يُخبرها لوالده عن سبب تأخره، وعندما دخل المنزل تفاجأ بوجود أبيه ينتظره، وأوّل ما تلفّظ به: أين كُنْت إلى الآن؟


ارتبك أسامة وقال له: لقد ذهبت مع مازن وأصدقائه للعب كرة القدم، فغدرنا الوقت ولم نشعر بتأخّرنا.

لم يغضب والده منه كَونه ابنٌ بار لم يسبق له التأخر من قبل، فسامحه وذهب للخلود إلى النوم، وفي صباح اليوم التالي ذهب أسامة لصديقه ليطلب منه الذهاب مرةً أخرى إلى ذلك المكان، فصورة تلك الفاتنة لم تغادره طوال الليل، واتفقا معاً على الذهاب بعد منتصف الليل متحجّجاً لوالده أنه يريد لعب كرة القدم كليلة أمس، وسار المخطّط كما يجب وعندما وَصَلَ الصديقان إلى المقهى بدأا يستمعان إلى تلك الفاتنة، وعند انتهاء الحفل تجرّأ أسامة وطلب التحدث معها رغم أنّه كان مرتبكاً بعض الشيء، لكنه بادر بذلك وبدأ بالتعرّف عليها وأخذا يتبادلان أطراف الحديث طوال فترة استراحتها، استمر أسامة بالذهاب إلى ذلك المقهى لعدّة أشهر واضعاً الحجج نفسها لوالده، إلى أن اعترف لهذه المغنية بحبه في أحد الأيام، ليكون ردّها بأنها تبادله نفس الشعور، وذات يوم قرّر أسامة أن يعرِض عليها الزواج بشرط أن يكون ارتباطهما سريّ لأنه من عائلة مُحافظة لن ترضى له الزواج بمغنّية، تردّدت وداد قليلاً لكنّها وافقت بالنهاية من شدّة حبها له بالرغم من حزنها لكونه زواجاً سريّا، وزاد حزنها طلب أسامة منها بالتوقف عن الغناء، والتفرغ لبيتها لأنها ستصبح زوجته.


عودة الابن الضال

تمّ الزواج، وانقضت الأيام وأسامة يزور زوجته خلسة متعذّراًً لوالده بشتى الأعذار، إلى أن بدأت الشكوك تراود العم أبا أسامة تجاه ابنه، فتصرفاته وتأخيره المستمر لم يعودا طبيعيين وأخيراً قرر مراقبته، وعندما بدأ باللحاق به وجده يدخُل إلى منزلٍ غريب، وحينها طرق الباب، ففتحت له فتاة حسناء وسألته عن طلبه، صُدِم والد أسامة وسألها من تكون؟ فتلعثمت الفتاة ولم تعرف ماذا تقول، في الوقت الذي خرج فيه أسامة ليتفاجأ بوالده أمام الباب، فلمّا رآه قام صُعق، ولطمه لطمة لم يضربه إيّاها في صغره وأدار ظهره، ولم يعطِهِ الفرصة ليشرح له من تكون.


قام أسامة باللحاق به موضّحاً له أنّ تلك الفتاة تكون زوجته، لكنّه لم يخبره بذلك خوفاً من رفضه لها كونها كانت تعمل كمغنّية، وبعد هذا الشرح ازداد الأب رفضاً لما فعله الابن البار، وقال له: منذ اليوم لست ابني ولستُ أباك، ثم تركه وغادر.


حزن أسامة حزناً شديداً واستمر بمحاولة مصالحة والده أشهر عديدة لكنه كان رافضاً تماماً، أمّا زوجة أسامة فلم تحتمل أن تراه بهذا الحال، فقد أصبح كثير السرحان والكآبة، ففكرت بمساعدة زوجها، وقررت الذهاب لوالد زوجها لتشرح له حال ابنه مهما كلّف الأمر، وعندما وصلت بِقالته بدأت بالحديث معه بنبرة حزن لاستعطافه، وقالت له: لقد كنتُ أعيش وحيدة طوال حياتي لا سند لي، إلى أن جاء ابنك وجعلني أترك الغناء وأهتم بشؤونه وشؤون منزله، وأرى الحياة من منظورٍ مختلف، ولأنني أحببته رضيت أن أغيّر حياتي كليّاً، فإن كان الله قابل التوبة فكيف لعبيده ألّا يقبلوها، فها أنا الآن أطمح لأن أكوّن مع أسامة أسرة سعيدة هانئة إن قبلت بي زوجة له، أمّا إن كان ترك ابنك لي سيُرضيك فأنا سأتركه وأغادر، فرضاك هو الغاية الأهم.


صمت الأب وشعر بأنه قد ظلم ابنه، وبعد عدّة ساعات دخل أسامة منزل زوجته، وإذ يرى والده جالساً ينتظره، لم يصدق ما رآه وذهب مسرعاً يستسمحه فضحك الأب وقال له: والآن أيّها الولد الشقيّ، متى سنعلن زواجك ونقيم لك فرحاً بسبع ليال!.