الشّغف
نشأت بين صفاء وخالد علاقة صداقة قوية أثناء دراستهما في إحدى مدارس الثانوية، إلى أن تحولت تلك الصداقة إلى قصة حب ولم يعُد يستطيع أن يستغني أحدهما عن الآخر، تعاهد الاثنين أن يبقيا معاً طوال العمر، إلى أن دخلا الجامعة سويّاً، لكنهما كانا في كليات مختلفة، فخالد دخل كلية القانون، بينما صفاء دخلت كلية التمثيل لتحقيق شغفها الذي تحلم به منذ الصغر، استمرت علاقتهما إلى ما بعد التخرج، فيما ظلّت علاقة حبّهما تكبر إلى أن أصبحا روحاً واحدة بجسدين منفصلين.
اتجه خالد للعمل في أحد مكاتب المحاماة، بينما بقيت صفاء تبحث عن فرصة عمل في التمثيل إلّا أنها لم تجد، كون مدينتها لا تهتم بالإنتاج الفني بشكل كبير، لكنها لم تستسلم وبقيت تسعى لأشهُرٍ عديدة في سبيل تحقيق شغفها، وأثناء ذلك كان خالد منشغلاً يدّخر الأموال لشراء خاتم زواج لحبيبته ومفاجأتها به، وفي أحد أيام الصيف حيث شاطئ البحر الجميل بدأ خالد بتحضير المكان فوضع الورود، ونثر البالونات هنا وهناك، وقام بدعوة أصدقائهما المقربين ليعرض عليها الزواج أمامهم في أجواء رومانسية أشبه بما يدور في الأفلام، وما إن أنهى هذا كلّه حتى اتصل بها وأخبرها أنه يريد الخروج معها للسهر في أحد مقاهي المدينة، وعند خروجهما قام بتغطية عينيها واقتادها إلى حيث ما أعدّه من مكان، وفاجأها بخاتم الزواج وسط تصفيق أصدقائهما وضجيج بهجتهم، فرحت صفاء بهذا العرض كثيراً، لا سيما بعد رؤيتها لما فعله خالد من أجلها وقامت بالقبول على الفور، فتلك اللحظة التي كانت تحلم بها منذ أيام دراستها معه.
كانت أيام الخطوبة تسير بشكلٍ طبيعي، فخالد يعمل حتى وقت متأخر من الليل، وصفاء تقضي معظم يومها بالبحث عن شركة إنتاجيّة تتبنّى موهبتها، وفي أحد الأيام اتصلت بها صديقتها وطلبت منها أن تلتقيان لأمر ضروري وفاقت صفاء وعند وصولها رحبت بها صديقتها وقالت لها: لقد أُتيحت لي الفرصة للعمل في إحدى الشركات الإنتاجية كموظفة لشؤون الموارد البشرية في هوليود، وأخبروني أنهم بحاجة إلى ممثلة بمواصفاتك، فاقترحت عليهم اسمك، والعمل في تلك المدينة فرصة لا تعوض كما تعلمين، كما أنًها ستصنع منك نجمة، فما رأيك بالمجيء معي والاستقرار هناك؟
فرحت صفاء بما سمعته وقالت لها: بالطبع سأوافق فهذه الفرصة أشبه بالحلم.
قالت لها صديقتها: وماذا ستفعلين بعلاقتك مع خالد؟
تفاجأت صفاء وقالت لها: أوه..فرحتي بهذا الخبر قد أنستني خالد، لكن لا تقلقي سأقترح عليه المجيء معي.
في صباح اليوم التالي طلبت صفاء من خطيبها أن يلتقيا لتطلعه على الأمر، وعندما جاء والابتسامة تملأ وجهه لرؤيتها، أخبرته بما عرضته عليها شذى، واقترحت عليه أن يسافرا معاً.
اكفهرّ وجه خالد لما سمعه وقال لها: ماذا؟ وماذا سأفعل أنا هناك؟ فمن المؤكّد أنّني لن أجد فرصة للعمل كمحامٍ في تلك المدينة.
قالت له: خالد..ليس من الضروري أن تعمل هناك كمحامٍ، ابحث عن عمل آخر، إن هوليود مليئة بالفرص.
قال خالد: أتُريدينني أن أترك العمل بشهادتي وأذهب إلى مكان لا أعرف به أحد، أنا غير موافق.
قالت له صفاء بنبرة غضب: أنا لن أُضيّع على نفسي تلك الفرصة التي لطالما حلمت بها طوال حياتي، سوف أسافر وإن أردت فالحق بي.
صُدِمَ خالد من تصرفها، واعتقد أنها تهدِّده بالسفر وحدها لتقنعه بأن يأتي معها، إلّا أن اتصلت به بعد أسبوع من الانقطاع وأخبرته أنها ستسافر بعد ساعات، وإن أراد المجيء فعليه اللحاق بها، وإن لم يرغب بذلك فعليه ألّا يعاود الاتصال بها، عندها شعر خالد بجدّية موقفها وأيقن أنه قد خسر حب حياته، فأُصيب باكتئابٍ شديد جعل حياته روتينيّة لا قيمة لها، فقد أصبح يذهب للعمل يومياً وفور انتهائه يعود إلى المنزل ولا يخرج أبداً، ولا يفعل شيء سوى التفكير بحبّه الضائع، وكيف استطاعت صفاء أن تضحّي بحبّهما من أجل فرصة عمل لاحت لها في الأفق، وبقي خالد على هذا الحال عامٍ كامل انشغلت خلاله صفاء في هوليود بصنع مستقبلها، وتحقيق شغفها الذي لطالما حلمت به، ولم تكن تفكّر بخالد كثيراً لانشغالها بالعمل.
وبعد عام تعرضت الشركة التي تعمل بها صفاء إلى خسارة ماديّة كبيرة أدت إلى إغلاقها، وعندها بدأت تبحث عن فرصة أخرى إلا أنّها لم تجد ممّا اضطرها للعودة إلى بلدها، وفور وصولها تذكّرت خالد وذهبت لمنزله للقائه بعد أن تردّدت بذلك، وعند قرعها الجرس قام بفتح الباب ليتفاجأ بوجودها، عندها قام بطردها على الفور وتوبيخها على ما فعلته به، إلا أنه ومع كل ذلك كان سعيداً لرؤيتها فشوقه لها كان كبير، لكنه لم يُظهر لها ذلك، عادت صفاء إلى منزلها تجرّ أذيال الخيبة، فقد كانت تراهن أنّ حبّ خالد لها أكبر من خذلانها له، لكنّها كانت مخطئة، وأثناء سيرها خطر في بالها أن تتواصل مع أحد أصدقائهما المشتركين للتواسط بينهما لعلّه يسامحها ويعودا لبعضهما، بدأ أصدقائهما بالتواصل معه لإقناعه وتوضيح مدى ندمها على ما فعلته، وبين شوقه وكرامته كان شوق خالد أقوى فجعله يوافق على عودتهما من جديد، وبالفعل عادت علاقتهما سويّاً، وما لبث إلا وأن عاد لطلب يدها للزواج، فوافقت على طلبه وبدأآ بتحضيرات حفل الزفاف.
للحب قوّة عُظمى
في الخامس من أيلول، اتصلت صديقة صفاء بها من هوليود، كانت تتحدث بنبرة تملؤها الحماس، وقالت لها: لدي خبرٌ جيدٌ لكِ.
قالت صفاء: وما هو؟
قالت لها صديقتها: إن شركة الإنتاج قد أعادت فتح أبوابها بعد حصولهم على مبلغ استثماري ضخم، والآن هم بانتظارك لاستعادة فرصتك، سكنت صفاء هنيهة وقد اختلطت مشاعرها ما بين فرح لسماع الخبر، وبين حزن على خالد الذي ستخذله للمرة الثانية إن هي قررت العودة إلى هوليود، بقيت صفاء حائرة طوال الليل تفكّر في ردة فعل خالد إن هي أخبرته، وكلما أمسكت الهاتف لتكلّمه تتردّدت وأغلقت السماعة.
في الثامن من أيلول حسمت صفاء أمرها، فهذه المرة هي نجمة قطعت نصف الطريق، ولها اسمها ولن تضحّي بمستقبلها من أجل زواج سيجعلها بالنهاية ربّة بيت ويقعدها عن حلمها، فحزمت أمتعتها، وتوجّهت بقدمين ترتعدان من التوتّر إلى المطار آخدةً معها حقائبها قاصدة هوليود وليحصل ما يحصل، وفي تلك الأثناء كان خالد يتصل بها لكنها لم تكن تُجيب وكلما رنّ الهاتف تسارعت دقات قلبه وتصاعدت أنفاسه من القلق، وصلت صفاء إلى المطار وهمّت بختم جواز سفرها، إلّا أنّها توقفت للحظة وقد هزّها شيء ما من الداخل بعنف، وصرخ داخلها صوت يقول" ما الذي أنتِ مقدمة على فعله يا غبيّة؟ أستخسرين إنساناً سامحك مرّة ولربما لن يقدّمه لك القدر مرتين؟ أفيقي!، أفاقت صفاء من غيبوبتها وردّت على مكالمة خالد بحب وشغف: ألو خالد عزيزي
-أين أنت أيّتها المجنونة! لقد أرعبتني عليك!!
-أنا هنا، لقد استيقظت، استيقظت بعد كابوس وطويل وأنا في طريقي إليك يا حبّ العمر.