الفصل الأول: مسألة الرياضيات
في الفصل الجامعي لطلاب قسم الرياضيات كان الطالب سُليمان العنوان الأبرز دائمًا، فقد كان دائم التفوّق والنجاح ولا يصعب عليه أمر، وهذا دأبه المعُتاد الذي عَزَم على أن يسلكه ولا يتخلّى عنه، لكن للأسف زرع ذلك التفوّق في نفسه شيئًا من الغرور والثقة الزائدة عن حدّها، وأصبح ينظر لزملائه نظرة فوقيّة بعض الشيء.
وفي إحدى المحاضرات طرح الأستاذ المُحاضر مسألة غاية في الصعوبة وطلب من الطلاب حلّها خلال نصف ساعة، لكنّ الطّلاب جميعه أبدوا صعوبة كبيرة من الأمر، حتى سليمان نفسه بقي مصدومًا لبعض الوقت من صعوبتها، لكن فجأة وبعد مرور أقل من عشر دقائق من طرح المسألة وقفت الفتاة ليلى وقالت للأستاذ المُحاضر: إنّها مسألة بسيطة، سأحلّها على اللوح إن سمحتَ لي، هنا دُهِش الجميع منها، وكان أشدّهم دهشة سليمان؛ إذ ينبغي أن يكون هو القادر على الحلّ فقط ولا أحد غيره.
الفصل الثاني: التعارف
حلّت ليلى مسألة الرياضيات ببساطة شديدة، ولم تبدُ على ملامحها أيّة علامات على أنّها فعلت أمرًا عظيمًا لم يكن أحد قادرًا على فعله، الأمر الذي جعل سُليمان يستشيط غضبًا، فأمر كهذا -يحدث للمرة الأولى خلال مسيرته الجامعية- بالنسبة إليه كبير وينبغي له ألّا يسمح لأحد بالتفوّق عليه؛ فقرر أن يقترب من ليلى أكثر ويتعرف عليها حتى يستطيع كشف مواطن قوتها لمحاولة التفوق عليها أكثر، ومنعها من سحب البِساط من تحت قديمه مرة أخرى.
في اليوم التالي عندما دخل سليمان إلى مبنى الكلية أخذ يجول بنظره بحثًا عن ليلى بالتأكيد، وأخيرًا شاهدها تجلس على السلالم وبيدها كتابًا تقرؤه، يبدو أنّ لا علاقة له بالرياضيات، فخطا خطوات ثابتة متجهًا نحوها وفي داخله خطة واضحة، وما إن اقترب منها حتى تنحنح مصدرًا صوتًا يُعلمها بوجود أحد بالقرب منها، عندها رفعت عينيها عن الكتاب ونظرت إليه ثم ابتسمت، فقال على الفور جملة يبدو أنه تدرّب عليها كثيرًا حتى تخرج من فمه بتلك الطريقة: وددتُ أن أهنئك على ما فعلته في المحاضرة السابقة، فهذا ينمّ عن عقلية عبقرية.
شكرت ليلى سليمان بكلمات مقتضبة بردّة فعل تفاجأ منها ولم يكن متوقعها، ففكر بسرعة وقال لها: هل تمانعين حصولي على رقم هاتفك؟ يُسعدني أن نبقى على تواصل، ردّت ليلى: حسنًا، ثم أملته عليه حتى الرقم الأخير وتركته واقفًا مندهشًا من غرابتها وغرابة تصرفاتها معه. وبعد مرور يومين عندما كانت الساعة تدق معلنة انتصاف الليل كان سليمان يتقلّب على فراشة يمنة ويسرة، فقد طار النوم من عينيه وهو يفكّر بأمر ليلى.
الفصل الثالث: روح شريرة
نهض سليمان من فراشه وقرر أن يُحادثها على الهاتف حتى لو تأخر الوقت، دون أن يدري السبب الذي دفعه إلى ذلك، ولم تكد الرنة الأولى تنتهي حتى جاء صوت ليلى واضحًا جليًا وهي تقول: أهلًا بك يا سليمان تفضّل، هنا أصابه شيء من التوتر لم يستطع إخفائه بكلماته، فأجابها مترددًا: أنا آسف لحديثي في مثل هذا الوقت، لكن تعلمين أنّ يوم غد عندنا اختبار صعب في مادة الرياضيات، وقد استعصت عليّ مسألة فقلت في نفسي ربما الحلّ عندك، إن كنتِ لا تُمانعين الحضور غدًا باكرًا لشرحها لي.
هنا ضحكت ليلى ضحكة كان واضحًا لسليمان دون أن يراها أنّها ضحكة شريرة، وجاءته بردّ كان آخر شيء يتوقعه منها: تعال إلى منزلي الآن إن أردت، فعلى الأغلب أنا لن أحضر غدًا، ردّ سليمان وأمارات الصدمة والدهشة مرتسمة على وجهه: الآن؟!! فقالت ليلى: نعم الآن، سأرسل لكَ رسالة بعنوان المنزل، أنا بانتظارك، ثم أغلقت الخطّ دون أن تنتظر ردًا منه.
لم يدرِ سليمان ماذا يفعل في هذه اللحظات، فالأمور لم تسِر كما توقّع أبدًا، لكنه وجد نفسه دون إرادة منه يُبدّل ملابسه ويستعدّ للذهاب إليها بعد أن اطّلع على العنوان في نصّ الرسالة التي وصلته منها. وبعد ثُلث ساعة تقريبًا من خروج سليمان من منزله وصل إلى منزل ليلى، وسرت في جسده رعشة غريبة، فالمكان يبدو كالشبح وتنبعث منه رائحة نتنة، كما يبدو من الوهلة الأولى أنّه منزل مهجور.
دقّ سليمان الجرس، وبعد ثوانٍ معدودة فتحت له ليلى الباب وطلبت منه الدخول، جال سليمان بنظره في المنزل بسرعة وشعر بخوف حقيقي ورغبة بالهرب؛ فالبيتُ خرب ولا شيء فيه يوحي على الحياة، والرائحة النتنة ازدادت أيضًا، وفي هذه الأثناء أقفلت ليلى الباب بإحكام ورمت بالمفتاح من النافذة، وبدأت تقترب من سليمان يتطاير من عينيها الشرر، حاول سليمان الابتعاد عنها والهرب لكنّ كل شيء كان مغلقًا.
فجأة تحوّلت ليلى من أمام سليمان إلى عجوز شمطاء تصرخ بأعلى قوّة، فارتمى سليمان على الأرض من هول الصدمة كأنه غائب عن الوعي، لكنّه وُجِد في اليوم التالي جثة هامدة وعلى وجهه علامات غريبة، وليلى لم يعد لها أيّ أثر.
ولقراءة المزيد من قصص الرعب والخيال: قصة مفتاح السيارة، قصة قناع الأفعى.