الفصل الأول: حياة طبيعية

كعادتها كانت ريم مُنهمكة في الجري خلف أطفالها الثلاثة وتنظيف منزلها جراء الفوضى العارمة التي يُحدثونها فيه، فأعمارهم الصغيرة والمتقاربة تجعل البيت وكأنّه حضانة للأطفال، وما زاد الأعباء عليها طبيعة عمل زوجها من المنزل، فهو موظف في إحدى الشركات التي يقع مقرها خارج البلاد ويمكنه تنفيذ المهام الموكلة إليه من مكتبه الخاص المُجهّز في المنزل، لذا فإنّ طبيعة حياة ريم وأفراد أسرتها لم تكن تسمح لهم بالخروج كثيرًا وإنشاء علاقات اجتماعية متعددة، فكان الأمر يقتصر على زيارات قليلة كلّ فترة وأخرى لبعض المُقرّبين.


وفي تمام الساعة الثامنة مساء يوم عادي كانت تلك العائلة الصغيرة ملتّفة حول المائدة تتناول طعام العشاء وتُدير حديثًا حول خططها المستقبلية، فقال زوج ريم: ما رأيك في أن نذهب إجازة صيفية لمدة شهر إلى إحدى الجُزُر الجميلة؟ فمنذ مُدّة وأنا أفكّر في الموضوع جِديًا وتحدّثت مع مديري في العمل لأخذ إجازة، ردّت ريم بحماس وقد انفرجت أسارير وجهها: فكرة رائعة يا عزيزي، ثم ساد الصمت وانتهى تناول الطعام، وأوى الجميع إلى فراشه وراح في نوم عميق وفقًا لنظام الأسرة.


الفصل الثاني: الغرفة المغلقة

استيقظت ريم في تمام الساعة الثالثة فجرًا على غير عادتها، وكانت تشعر بعطش شديد، فنهضت من الفِراش وهمّت للذهاب إلى المطبخ، وقبل ذلك تحسّست السرير بجانبها وتفاجأت بعدم وجود زوجها، وفكّرت ربما أنّه ذهب لقضاء حاجة أو شعر بالعطش مثلها، لكن تسمّرت قدماها في المكان عدة دقائق عندما رأت نوافذ غرفتها مغلقة ومغطاة بلوح خشبي، فأسرعت تجري في البيت كلّهبحثًا عن زوجها، لكنه لم تجد له أثرًا ولا حتى لأطفالها الثلاثة، فبدأت تجهش بالبكاء دون توقّف.


أصبحت ريم تجري بين غرف المنزل كالمجنونة؛ فجميع أفراد أسرتها قد اختفوا وجميع النوافذ مغطاة بلوح خشبي، وأخذت تصيح بأعلى صوت علّ أحدًا يسمعها، لكن دون جدوى، وأزرار الإنارة كذلك لم تعمل، فأسرعت إلى باب المنزل تفتحه إلا أنه كان موصدًا ولا أثر لمفتاحه، ففكّرت بأن تستخدم هاتفها لتطلب المساعدة، وما إن استدارت حتى رأت شخصًا يلتفّ بالسواد ولم يتضح من معالمه شيئًا سوى عينيه الجاحظتين بنظرتهما الحادّة، وأسنان ناصعة البياض كشفت عنها ابتسامة خبيثة، وفجأة قبل أن ينطق أحدهما بكلمة واحدة هوت على رأس ريم من خلفها ضربة بعصا خشبية أدخلتها في إغماءة لم تدرِ كم مضى عليها من الوقت.

بينما كان صدرها يعلو ويهبط بالتزامن مع أنفاسها المتقاطعة فتحت ريم عينيها وأدركت أنها مُستلقية على الأرض؛ فلم ترَ أمامها سوى سقف غرفة تدلّى منه ضوء خافت جدًا، فجالت بنظرها في المكان ورأت على الجدران رسومات غريبة وغير مفهومة، فتبيّنت أنها في غرفة أرضيتها خشبية لا تعرفها أبدًا، وما إن نهضت من مكانها حتى بدأت أصوات غير مفهومة تقترب منها شيئًا فشيئًا ورائحة غريبة تفوح في المكان، كما تشقق أحد الجدران مُحدثًا صدعًا كبيرًا.


الفصل الثالث: رقم جديد

جلست ريم في زاوية من زوايا الغرفة المغلقة وكانت ترتجف خوفًا من رأسها حتى أخمص قدميها وتُصدر أنفاسًا متلاحقة، ومرّت عليها عدة دقائق ثقيلة تجمّع فيها كل ما يُثير الخوف والرعب في نفسها، ولم تجد مخرجًا من ذلك كلّه سوى البكاء بحُرقة وألم، بعدها خرج من الصدع الذي حدث في إحدى الجدران الشخص نفسه الذي رأته عندما كانت في المنزل، لقد تذكّرته بالرغم من أنها لم ترَ شيئًا من وجهه لكنها نفسها النظرة الحادّة.


بدأ ذلك الشخص يقترب من ريم شيئًا فشيئًا في الزاوية التي تمكث فيها، فانطلقت من بين شفتيها صرخة مدوية تحمل في داخلها طلب النجدة والمساعدة لكن دون جدوى، ولما وصل إليها أمسكها من قدمه وبدأ بسحبها على أرضية الغرفة وهي ما زالت تصيح وقد لطّخ دمها كل ما حاولت أن تمسك به لتفلت من بين يدي ذلك الشخص، وبعد أن خارت قواها وفشلت محاولاتها في إنقاذ نفسها تركها على الأرض قرب الباب وهي ترمش بعينيها رمشات بطيئة تُعلن عن أنّ ريم ستصبح في عالم آخر.


فتح مَن كان في نظر ريم شبحًا أسود باب الغرفة خارجًا بخطوات ثابتة وصوت قهقهته يملأ المكان وهي تحاول جاهدة اللحاق به لكنها لم تستطع، فقال لها جملة أخيرة دون أن ينظر إلى وجهها: أنتِ رقم جديد سيُضاف على لائحة أرقام الغرفة المغلقة؛ غرفة العقاب".



ولقراءة المزيد من القصص المرعبة والخيالية: قصة الحديقة الغامضة، قصة تعاويذ شيطانية.