الفصل الأول: الأب وابنته

على كرسي خشبيّ قديم في منزلها جلست سلمى التي تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا تحتسي كوبًا من الشاي وتتأمل من النافذة أمامها حبات المطر الغزيرة وهي تتساقط متسارعة وتطرق الزجاج كأنها تطلب منها الإذن للدخول، وقد ارتسمت أمامها صورة أمها التي توفيت قبل عامين وتركتها وحيدة مع والدها يتكّئ كل منهما على الآخر، فسالت على خدّيها الصغيرين دموع الاشتياق والألم، وما أخرجها من جلستها التأملية تلك سوى جرس المنزل مُعلنًا عن عودة والدها من العمل.


فتحت سلمى باب المنزل وأسرعت باحتضان والدها بحبّ وحنان، وكانت الساعة قد أشرفت على السابعة مساءً فبدأت بتحضير مائدة العشاء ريثما يُبدّل والدها ملابسه ويستريح قليلًا، وبعد نصف ساعة تقريبًا كانت سلمى تجلس مع والدها يتناولان الطعام ويتحدثان بأمور مختلفة، فقال الوالد بعد أن ملأ فمه بلقمة كبيرة من الخبز والجبن وبلعها: سأتأخر في العمل قليلًا يوم غد، لا تقلقي إن حلّ المساء ولم أعد على موعدي المُعتاد، فأنا أعرفك فتاة قوية وشجاعة وعلى قدرٍ كبير من المسؤولية، فردّت سلمى بطريقة فُكاهية وحنونة: لا تخشّ على ابنتك يا سيّدها، المهم أن تعود بخير وسلامة، فابتسم وضمّها إلى صدره وطبع قُبلة على جبينها، وانتهى الحديث بانتهاء تناول الطعام ثم أوى كل منهما إلى فراشه.


الفصل الثاني: الحلم المُفزع

في صباح اليوم التالي انطلقت سلمى إلى مدرستها وانطلق والدها إلى عمله كالمعتاد، وبعد أن مضت بضع ساعات عادت سلمى إلى المنزل مُتعبة، فقررت أن تستريح قليلًا بعدها تبدأ بتجهيز الطعام فوالدها اليوم سيتأخر في العودة كما أخبرها أمس، ولا بأس أن تبدأ بواجباتها متأخرة بعض الشيء، هكذا فكّرت وقالت في نفسها.


في المساء كانت سلمى جالسة أمام التلفاز بعد أن أنهت جميع المهام التي كان ينبغي لها إنجازها، وما بقي عليها سوى انتظار عودة والدها، لكن طال غيابه والساعة دقّت معلنة حلول منتصف الليل، وهنا بدأ القلق والخوف يسري في جسدها، خاصةً وأنّ والدها لم يُجب على اتصالاتها الكثيرة والمُلحة، ولم تدرِ سلمى ماذا تفعل في مثل هكذا الموقف سوى البكاء والانتظار.


غلب النوم سلمى وهي جالسة، فرأت في الحلم نفسها تقف على قارعة طريق سريع مليء بالسيارات والشاحنات، وهي تشعر بالخوف والضياع ولا أحد بجانبها، وفجأة سمعت صوت صراخ عالٍ قريب من مكان الذي تقف فيه، فجالت بنظرها في المكان علّها تعرف سبب ذلك الصراخ، لتتفاجأ في الجهة المقابلة لها بوجود والدها مكتوف اليدين وعلى وجهه آثار لدماء كثيرة طالبًا المساعدة.


حاولت سلمى -في الحلم- أن تعبر الشارع لتساعد والدها لكنها لم تستطع الوصول إلا لمنتصف الطريق؛ فهناك شيء ما يمنعها من الوصول أكثر لا تدري ما هو، وعندما اقتربت من والدها سمعته يبكي ويهذي بكلمات لم تفهمها، وبدأت هي بالبكاء لحالته ولعدم قدرتها على فعل شيء له، واستطاعت سلمى أن تفهم بصعوبة من كلامه شيئًا واحدًا فقط: "لا تفتحي الباب"، وانتهى الحلم هنا.


الفصل الثالث: بنتٌ ذكية

استيقظت سلمى من نومها ترتعش من الخوف من ذلك الحلم المُفزع، ونهضت من مكانها بخطوات ثقيلة لتتأكد من عودة والدها فلم تجده، وفجأةً رنّ جرس المنزل وكانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، فارتسمت على شفتي سلمى ابتسامة خفيفة أملًا أن يكون والدها قد عاد، وانطلقت نحو الباب مُسرعة، لكنها قبل أن تفتح الباب تذكّرت الحلم الذي رأته وأنّ والدها طلب منها عدم فتح الباب، خاصةً وأنّ الجرس يرنّ بإلحاح ودون توقّف، فعاد إليها الخوف أكثر من السابق.


نظرت سلمى من العدسة الكاشفة للباب لتعرف من الزائر، وإذ بها تتفاجأ بوجه والدها أمامها لكن بعينين مفتوحتين على أوسعهما وعلامات غريبة على وجهه، وهنا كادت سلمى تسقط على الأرض مغشيًا عليها لكنها استجمعت قواها وقالت بصوت فيه رجفة لتتأكد من هوية مَن يقف أمام الباب: ما بكَ يا أبي، هل أنت بخير؟ لكن دون رد، فعاودت السؤال مرات ومرات، إلا أنّ الردّ لم يأتها واستمرّ جرس المنزل بالرنين.


لم تدرِ سلمى ماذا تفعل، وأصابها الموقف الذي تعيشه ورنين الجرس الذي لم ينقطع بانهيار عصبي لتسقط على الأرض فاقدة للوعي، وبعد مرور وقت قصير فاقت من إغمائها وكان الهدوء يعمّ المكان وصوت جرس المنزل قد اختفى، فنهضت من مكانها باتجاه الباب لتتأكد هل ما زال وجه والدها أمامها أم لا، فوجدته على حاله كما هو ولم يتحرّك، وهنا قررت أن تفتح الباب وليحدث ما يحدث.


فتحت سلمى الباب بهدوء وحذر شديدين لينكشف أمامها مشهد لم تقوَ على تحمّله؛ رأس والدها مقطوع ومعلّق بحبل أمام الباب، بالتحديد أمام العدسة الكاشفة، وعلى الأرض ورقة صغيرة استطاعت أن تقرأ المكتوب عليها بخطّ متعرّج وكبير: "بنتٌ ذكية".


ولقراءة المزيد من قصص الرعب: قصة الخاتم الماسي، قصة ميتم الزهور.