ميتم الزهور

في عام 2050م في ميتم الزهور تحديداً، يعيش الأطفال كعائلة كبيرة واحدة، يأكلون معاً، وينامون معاً، ويدرسون معاً، ودائماً ما كان الأطفال الأكبر سناً يساعدون الأطفال الأصغر منهم، وكانت لمى واحدة من أكبر وألطف الأطفال، حيث كانت تعامل جميع مَن في الميتم من أطفال كأخوتها الصغار، فتراعهم وتهتم لأمرهم، وفي أحد الأيام العادية، كان الأطفال يلعبون في الخارج، وكانت لمى تقف بجانب مشرفة الميتم سارة التي كانت بمثابة أم لها لأن لمى لم تقابل أمها قط، فقد تخلّت عنها منذ أن كانت طفلة.


-لمى هل تريدين تحضير العشاء معي؟

-بالطبع ماما، أحب تحضير العشاء معك.

اتجهت سارة ولمى إلى المطبخ لإعداد العشاء، وبعد مدة سمعتا طفل يبكي، التفتت سارة للمى وقالت: لمى هل يمكنك الذهاب وتفقّد الأطفال، أخشى أن يكون أحداً منهم قد تأذّى، ركضت لمى إلى الخارج، ووجدت أحد الأطفال يبكي على الأرض: لمى سقط رامي على الأرض ونحن نلعب، قال أحمد وهو يبكي، "لا تخف يا أحمد، رامي بخير، سأذهب لأحضر ضمادة لرامي أرجوك أجلس بجانبه لحين عودتي"، قالت لمى ورجعت إلى الداخل، وفي طريقها لجلب علبة الإسعافات الأولية، سمعت صوت سارة وهي تصرخ في الحمام على الهاتف: ماذا؟! لم يعجبهم؟ لماذا؟ لقد أطعمته أشهى الأطعمة! خافت لمى عند سماعها صوت سارة وأكملت طريقها، وعندما عادت إلى المطبخ وجدت سارة تحضر العشاء وكأن شيئاً لم يحدث.

-ماما هل أنتِ بخير؟

-نعم حبيبتي ما المشكلة؟

-لا شيء، ظننت أني سمعت صوتك تصرخين في الحمام.

-هههه ماذا؟ كنت هنا طوال الوقت، على أيّ حال من كان يبكي في الخارج؟

-رامي، وقع على الأرض وهو يلعب.


ليلة الجمعة

وفي إحدى ليالي الشتاء، وبينما كان الأطفال يودعون رامي في الخارج وهم يبكون، لكنّهم سعيدون لأجله لأنّ عائلة قررت أن تتبناه: "يجب أن تنتبه لنفسك يا رامي"، سأشتاق لك" قالت لمى وهي تحضن رامي للمرة الأخيرة وودعته، أمسكت سارة يد رامي واتجها للخارج، وعندما أوصلته للبوابة قبّلته على رأسه وقالت: "آمل أن تعجبهم، فقد أطعمتك جيداً"، ثم عادت سارة إلى الميتم، بحثت جيداً عن لمى ولكنها لم تجدها، سألت الأطفال عنها، وقالوا أنّهم رأوها خرجت إلى الحديقة، توترت سارة قليلاً ولكنها لم تهتم للأمر وتمتمت: ليس دورها اليوم ترى ما القصة!. وانشغلت عن البحث عن لمى بأحد الأطفال البكّائين.


ومن جهة أخرى، حينما خرجت سارة مصطحبة رامي باتجاه البوابة، "انتظروا رامي لم يأخذ دبدوبه المفضّل! يجب أن أذهب وأعطيه إيّاه، فرامي لا ينام بدون دبدوبه هذا" قالت لمى وخرجت إلى الخارج بعدما لم يسمعها أحد، وفي طريقها إلى البوابة كان الظلام شديداً لدرجة أنّها ضلّت الطريق للبوابة، ولكنّها أكملت المشي حتى رأت أضواء في الخارج وعندها سمعت أشخاصاً يتكلمون مع بعضهم البعض، اتسعت عينا لمى عندما سمعت حديثهم.

- لقد أطعمته سارة جيداً، هل أعجبك؟

-نعم إنه لذيذٌ هذه المرة!


"عمّ يتحدث هؤلاء؟" قالت لمى في نفسها، وكادت تصرخ عندما لاحظت ظلّ هؤلاء الأشخاص العمالقة، فأيديهم وأرجلهم تشبه أرجل الحيوانات، وأفواههم كبيرة، فيما بدا يغطّي أجسادهم الشعر، لقد كانوا تجسيداً لكلمة وحش! تمالكت لمى نفسها وهي ترتجف وحاولت العودة إلى الميتم، وعند استدارتها تعثّرت بحجر فوقعت على الأرض وجرحت ركبتها، إلّا أنّها قامت بسرعة عندما سمعت صوت الوحوش وهم يقولون: من هناك؟! واختبأت خلف شجرة، وعندما أحست بانصرافهم خرجت وأسرعت إلى الميتم، وقبل أن تدخل رتبت شعرها وملابسها، ومسحت عرق جبينها، ودخلت بهدوء إلى الغرفة واتّجهت إلى سريرها، وفي الساعة العاشرة، كانت سارة تتفقد جميع الأطفال، وعندما رأت لمى سألتها: أين كنتِ يا لمى، بحثت عنكِ كثيراً، توترت لمى من سؤال سارة وقالت: ههه لقد كنت في الحمام، أنا آسفة، تصبحين على خير ماما.


شعرت سارة أنّ لمى ليست على ما يرام، ولكنّها تجاهلت الأمر وذهبت إلى غرفتها، وعندها وردها اتصال: سارة هل كنتي في الجوار بعد أن سلمتي رامي؟ قال أحدهم على الهاتف.

-لا، رجعت إلى الميتم بمجرّد تسليمه لكم.

-لقد سمعنا صوت خطوات أقدام أحد في الخارج، وأظنّ أنه سمع حديثنا، هل أنتِ متأكدة؟ هل الجميع الأطفال كانوا متواجدين عندما عدتِ؟

-نع..!!! انتظروا قليلاً لمى لمى كانت في الخارج!


أسرعت سارة لتجد لمى لأنها اكتشفت أنّها عرفت عن سرّ الميتم، وأنه ليس ميتماً بالأساس، وعندما دخلت سارة غرفة نوم لمى لم تجدها! بحثت في المكان جيداً، ثمّ خرجت إلى الحديقة، ولكن دون جدوى لمى هربت! وعندها جاء اتصال: لقد أضعتي طفلة صحيح؟ تعالي إلى البوابة إنّها معنا!


ركضت سارة إلى البوابة مرتعدة الأوصال، وعندما وصلت وجدت أنّ الوحوش قد التهموا لمى! وها هم يشحذون أسنانهم لالتهامها؛ لأنّ الأطفال ما عادوا وجبات كافية لهم على حدّ قولهم، أطبقوا أيديهم حول عنقها "والآن حان دورك".