رفقاء الطفولة

تعيش هند وحدها في منزلها منذ سنوات بعد أن خرجت من دار الأيتام فور بلوغها الثمانية عشر عاماً، حيث وضعها خالها في هذه الدار عند وفاة والديها في حادث سير إثر ضغط زوجته عليه، ورفضها العيش معهما في ذات المنزل.


تعمل هند هي وصديقها مروان في أستوديو للتصوير منذ سنوات، وذلك فور خروجهما من دار الأيتام، بعد أن اتفقا على العمل معاً، حتى أنّهما أصبحا مقرّبين جداً من بعضهما، يتناقشان في أمور حياتيهما بشكل دائم، لا سيما أنّهما كانا يعملان حتى ساعات متأخرة من الليل، فينام مروان في الأستديو حتى الصباح لتوفير إيجار المنزل، فيما كانت هند تعود إلى منزلها يومياً وحدها مشياً على الأقدام كون أستوديو التصوير قريباً منها.


وفي أحد الأيام انتهت هند من عملها واتّجهت إلى منزلها ليلاً، وأثناء مرورها في شارع منزلها لاحظت انبعاث ضوء أحمر من نوافذ أحد المنازل بشكل متقطّع ومستمر ممّا لفت انتباهها، فوقفت لدقائق ثم تابعت مسيرها، وفي اليوم الذي يليه ومع حلول موعد مغادرتها مرّت من أمام ذلك المنزل نفسه فتكرّر مشهد الضوء حتى تأكدت من كونه شيئاً يستدعي الوقوف عنده، ممّا جعلها تقرّر أن تطرق بابه وتسأل عن سبب ذلك الضوء في الليلة التالية، ولمّا حكت لصديقها مروان القصة نصحها منشغلاً فيما بين يديه من صور: لا شأن لنا في ذلك يا هند، فلنصب اهتمامنا على عملنا وحسب، فأومأت هند برأسها بالإيجاب واستمرّا بالعمل.


في نفس الليلة مرّت هند من أمام البيت في نفس الوقت تقريباً، فيما شاهدت الضوء الأحمر ذاته ينبعث منه، وعلى النافذة امرأة عشرينية تشير لها من بعيد لم تستطع تجاهلها، ولما اقتربت منها بحذر توسّلت إليها بصوت منخفض وأخبرتها بأنها تريد التحدث معها من خلف الباب، تردّدت هند كثيراً قبل أن تضع أُذنها على الباب، فقالت لها المرأة وهي تستغيث: أرجوك ساعديني على كسر الباب، فزوجي الآن ليس بالمنزل.

استغربت هند وسألتها عن سبب ذلك، فأخبرتها وهي تبكي أنّها تزوجت منذ ثلاثة أشهر وانتقلت للعيش مع زوجها إلى هذا المنزل، ومنذ ذلك الوقت وهو يضربها، ويقطع عنها كلّ وسائل الاتصال، ويغلق عليها الأبواب، ولا يسمح لها بالخروج طوال فترة غيابه عن المنزل.

قالت لها هند: وماذا عليّ أن أفعل الآن!

قالت المرأة وهي تبكي: أرجوك ساعديني على كسر باب المنزل لعلّي أستطيع الهروب، كون زوجي خرج ولن يعود إلا بعد نصف ساعة على الأقل.

رفضت هند ذلك في البداية، لكن صوت استغاثة المرأة، وبكائها بحرقة جعلاها تخرج هاتفها وتهمّ بالاتصال بالشرطة لكسر الباب، لكنّ المرأة صرخت ونهتها عن ذلك كون لا وقت لديهما لذلك، فأعادت هند هاتفها وبدأت تبحث عن أداة تساعدها بكسر الباب بأسرع وقت ممكن، حتى وجدت قطعة حديدية ملقاة في أرض الحديقة، فأخذتها وبدأت تطرق قفل الباب بها حتى نجحت في كسره، فرحت المرأة وأوهمت هند بأنّها ستتوجه لغرفتها لتحضر حاجياتها فقط، فيما عادت إليها ومعها قطة قماش بيضاء وضعتها على أنف هند وفمها حتى غابت الأخرى عن الوعي...


استيقظت هند لتجد نفسها مُلقاة أرضاً والألم الذي لا تدري مصدره يكاد يمزقها، فنظرت إلى بطنها فوجدته مُعبّأ بالشاش والدماء، وهو ما أصابها بالذعر ودعاها للصراخ بأقصى ما تملكه من قوة رغم ضعفها، فيما أخذت تلتفت حولها باحثة عن هاتفها للاتصال بأحد يسعفها لكنها لم تجده، وفي تلك الأثناء بدأت تجاهد نفسها زاحفة على الأرض كي تستطيع الوصول إلى أحد يساعدها، وطوال تلك الفترة بقيت تسأل نفسها عمّا جرى معها خاصة أنها لا تتذكّر شيئاً سوى أنها كانت داخل ذلك المنزل لمساعدة المرأة، وبعد نصف ساعة تقريباً من محاولتها الوصول إلى أحد يساعدها شاهدها شخص كان يستقلّ مركبته على الشارع العام، فتوقّف وقام بإسعافها إلى أقرب مستشفى، وفور وصولها اكتشف الأطباء أن إحدى الكلى قد أُخذت منها بعملية جراحية، فانهارت عند سماعها ذلك، وبدأت التحقيقات...


أدلت هند بأقوالها، وأخبرتهم عن ذلك المنزل، ولمّا وصلت قوّات الشرطة إلى المنزل لم يجدوا شيئاً فور اقتحامه، وفي تلك الأثناء طلبت هند من إدارة المستشفى الاتصال بصديقها مروان لتخبره عمّا حدث معها كونه أقرب شخص لها، وبعد أن علم بما حلّ بصديقة عمره جاء مُسرعاً للاطمئنان عليها، وأخذ يسألها عمّا جرى معها حتى أخبرته بما تذكره، فيما بقيت تتلقّى علاجها في المستشفى لأسبوعين حتى تحسّنت قليلاً وخرجت إلى منزلها، بينما كانت الشرطة في تلك الأثناء تبحث عن أي دليل يوصلهم إلى الفاعل الذي يتاجر بأعضاء البشر.


هاتف مفقود

طوال فترة مرض هند كان صديقها المقرب مروان هو من يهتم بها، ويزورها بشكل مستمر، وفي إحدى أيام عملهما معاً أخذت هند تسترجع تفاصيل الحادث المؤلم مع صديقها مروان، إلى أن تذكّرت تفصيلة لم تكن قد أخبرت بها رجال الشرطة لتساعدهم في التحقيق، وهي وجودها ملقاة أمام منزلها بعد الحادثة، فكيف استدلّ من قام بسرقة كليتها على بيتها ليلقيها أمامه!! وهنا اسودّت الدنيا أمام عينيّ هند وطلبت من مروان المغادرة للضرورة.

وبعد حوالي ساعة عادت هند إلى الاستديو مُصطحبة معها رجال الشرطة، الذين قاموا بالقبض على مروان واصطحابه إلى مركز الشرطة، فبعد تحقيقهم معه والضغط عليه اعترف على اتفاقه مع عصابة يتاجرون بأعضاء البشر كان قد تعرّف عليهم مؤخراً، لسرقة كلية هند بعد أن طلبوا منه أن يقترح عليهم شخصاً مقابل مبلغ كبير من المال، فما كان أمامه سوى هند التي تعيش وحدها دون أهل أو سند، وهو ما جعله يحيك مع العصابة تمثيلية المرأة المعنّفة لاصطياد فريستهم الجديدة.

فيما انهارت هند فور سماعها أقوال مروان، فهي فتاة لم تفقد أهلها، وأحد أعضائها، وصديق طفولتها وحسب، بل فقدت ثقتها في الناس جميعاً منذ اليوم..