السرّ المدفون

يُعتبر جمال شاب طموح وذكي، لكنّه ترك دراسته واعتمد على نفسه مُتجهاً للعمل بمجالات عديدة في سبيل جميع ثروة كبيرة، وبعد عدّة سنوات تحقّق حلمه وأصبح من أصحاب الأموال الطائلة بعد أن عمل في مجال شراء وبيع الأراضي الزراعية للفلاحين.


بلغ جمال الخامسة والثلاثين ربيعاً ولم يتزوج كونه يعمل ثلاث عشرة ساعة في اليوم فلا وقت لديه لتكوين أسرة، كما أنّ طبيعة عمله تتطلب منه التنقل الدائم من منطقة إلى أخرى بناءً على توافر الأراضي الزراعية التي يرغب في شرائها، وفي أحد المرّات ذهب لمعاينة أراضٍ تبعد خمسة كيلومترات عن مكان سكنه وفور وصوله التقى مع صاحب هذه الأراضي الذي يُدعي مالك، وبعد تبادلهما أطراف الحديث بدأ التفاوض، إلا أنّ مالكاً أصرّ على استضافة جمال في منزله لإكمال حديثهما، بينما رفض جمال ذلك بسبب ضيق وقته معبّراً عن امتنانه له، لكن إصراره جعله يوافق على الذهاب.


أقام مالك لجمال وليمة غداء تعبّر عن حسن ضيافته وكرمه، وأثناء تناولهما الطعام جاء صديقٌ له يُدعى زيد إلى منزله كان لم يره منذ أشهر، فقام مالك بالترحيب به ودعاه لمشاركتهما الطعام وعند انتهائهم جلسوا يتبادلون أطراف الحديث معاً، فقام مالك يسأل زيداً: ماذا عن مشكلتك القديمة يا رجل؟

قال له زيد: ما زلت أعاني منذ سنوات.

عندما سمع جمال ذلك سأله: وما هي المشكلة، علّي أساعدك في حلها.

ردّ عليه زيد يائساً: كنت أتمنى ذلك، لكنها مشكلة معقدة جداً.

قال له جمال: لا عليك، أخبرني ما هي؟

تردّد زيد كثيراً في البداية، ثم قرّر إخباره وقال: توفي أبي قبل عشر سنوات، وهو على فراش الموت أخبرني أنّ الأرض الزراعية التي كنّا نملكها فيها طمائر ذهب تُقدّر بملايين الجنيهات.

قاطعه جمال والحماس يكاد يقفز من عينيه: حسناً، وماذا بعد؟!


-لكن أبي كان قد أخذ قرضاً من البنك مقابل رهنها، ولسوء حظه ولمّا حان موعد السداد ولم يستطع إليه سبيلاً قام البنك ببيعها بالمزاد العلني.

تفاجأ جمال وقال: لكن لماذا قام برهنها ما دام يعلم أنّ بها كلّ هذه الطمائر؟ّ

تنهّد زيد وقال: لقد اضطر الوالد لأخذ القرض لضائقة مرّ بها، ولم يخطر في باله أنّ أرضه ستُباع لأنّه سيعجز عن سداده.

قال جمال: كان يجب على والدك إخراج هذه الطمائر مُبكراً.

قال زيد: مع الأسف إنّ إخراجها ليس سهلاً، فهو يتطلّب جهازاً خاصاً للكشف عن مكانها، لا سيما أنّ ثمنه مرتفع جداً ولا قدرة لنا على شراءه.

ردّ عليه جمال قائلاً: يا إلهي، لو أنّ الأرض ما زالت لك لكنت ساعدتك بشراءه.

ابتسم زيد وقال له: أشكرك على هذه المبادرة الطيبة.

أثناء الحديث، أوقفه مالك وقال له: لمَ لا تطلب من مالكها الحالي الدخول إليها، وتُخرج الطمائر؟

ضحك زيد وقال: ألا عِلْم لك أن من اشتراها هو عمدة المنطقة؟

اندهش مالك مما سمعه وقال متعجباً: حقاً! لا علم لي بذلك.

عندما رأى جمال ردة فعله، بدأ يناظرهما وسأله: ومن يكون ذلك العمدة؟! ألن يسمح لك بالدخول؟

قام زيد بخفض صوته واقترب منه وقال: إن عمدتنا هو أسوأ رجل عرفته في حياتي، إنّه إنسان طاغٍ لا يسمح لأحد بالاقتراب من أملاكه، إمّا إن رآنا حول أرضه فلنقرأ على أنفسنا السلام.


استغرب جمال من هذا الحديث، واعتقد أنّه يمازحه ووخزه بيده وقال له: كفاك هرجاً يا رجل، أيقتلك لمجرد رؤيتك حول أرضه؟

نظر الاثنان لبعضهما البعض وقال زيد: أنت لا تعرفه، في إحدى السنوات قام بحرق مُزارع يعمل لديه لمجرد رؤيته يسرق من محفظته جُنيهاً، فما بالك إن رآنا نُخرج الذهب من أرضه.

صمت جمال لبُرهة من الوقت، ثم فكّر قليلاً وقال: إذن لمَ لا نجد حيلة تساعدك على دخول الأرض!

قال زيد: أتمنى ذلك لكن ما هي؟

قال جمال: الحل الوحيدة هو الاتفاق مع حارس الأرض، بإعطائه مبلغاً من المال علّه يسمح لك بالدخول.

وقف زيد وقال: إنها فكرة جيدة لكنني لا أعتقد أنه سيوافق.


عندما سمع مالك ذلك قال: كم هي فكرة جيدة اذهب واقترح عليه ذلك علّه يوافق.

حينها قام زيد بتلويح يده وقال: حتى وإن وافق كيف سأُدبّر ثمن جهاز كشف الذهب؟

فأمسك جمال كتفه وقال له: سأشتري لك الجهاز، بشرط لذلك أن نتقاسم ما ستُخرجه من الذهب فيما بيننا.

نظر له مالك نظرة استغراب مُتعجباً من جرأته في طلب ذلك، بينما بقي زيد صامتاً، متمعّناً بحقيقته الجشعة إلا أنه لم يجد أمامه سوى التفاوض معه وقال: النصف كثير، لنصل إلى حلٍّ عادل، ما رأيك بأن نذهب معاً ونبدأ بالحفر باستعانة الجهاز، وكلّ ما يجده الشخص ويحصل عليه هو من نصيبه؟

-موافق.


الطمع

وافق جمال وذهب الاثنان لحارس الأرض الزراعية وبدأا بإقناعه للموافقة على دخولهما، إلّا أنّه رفض وبعد إلحاح منهما استمر لساعات وافق مقابل مبلغ من المال يقومان بإعطائه له، وأخبرهم بأن يأتيا غداً في الساعة الثالثة صباحاً لضمان عدم وجود أحد في المنطقة، على أن ينهيا أعمالهما بعد ثلاث ساعات قبل قدوم العمدة مع بزوغ الفجر كعادته؛ وافق الرجلان على ذلك وحضرا في اليوم الموعود، وبدأا البحث والتنقيب باستخدام الجهاز الذي اشتراه جمال، وبعد دقائق بدأ الجهاز بإصدار صوت يشير إلى وجود طمائر في أماكن متفرّقة من الأرض، وحين سماعه الرجلين ذلك فرحا كثيراً، وبدأا بالحفر في كل جهة، فبدأت طمائر الذهب بالظهور أمامهما، وأخذ كلّ واحد منهما بتعبئة حقائبه، حتى مضى ساعتان ونصف على ذلك وبدأ الفجر بالبزوغ، فيما لا زالا منهمكين بجمع الذهب، إلّا أنّ زيداً توقف بعد أن تنبّه لذلك، وأخبر جمالاً بضرورة مغادرتهما المكان قبل مجيء العمدة، لكنّه رفض وبقي يعبّئ الذهب في أكياسه، أمّا زيد فاكتفى بما أخرجه وركض هارباً من المكان، وفور عودته كان مالك بانتظاره فسأله عن جمال.

فقال له: لقد تركته يجمع الذهب رافضاً العودة.


فيما بقي جمال يحفر أكثر ليحصل على ذهب أكثر، وهو يقول في نفسه: سأُصبح أغنى رجل في العالم، وظلّ يلتفت حوله فلا يجد أحداً فيستمرّ بالحفر أكثر فأكثر، وصوت الحارس يناديه بفزع: هيّا اخرج يا رجل، فالعمدة على وشك الوصول، وهو يتجاهله ويستمرّ في جمع الذهب، وبينما هو كذلك سمع صوت العمدة يصرخ في غضب شديد: مَن هناك؟؟ مَن في أرضي؟

ولمّا أدار وجهه مذعوراً سقطت على رأسه صخرة كبيرة كانت عالقة في الحفرة أردته قتيلاً، فيما شاع خبر في القرية يقول بأنّ ثعباناً قرص جمالاً فقتله، وآخر يقول أنّ صخرة وقعت على رأسه فأودت به، إلّا أنّ صاحبيه قالا: لم يكن الثعبان مَن قتله ولا الصخرة، إنّما هو طمعه.