العرّاف

مُنى فتا في مقتبل العمر، فهي تبلغ الواحد والعشرينَ عاماً ففط، وقد تزوجت منذ ثلاث سنوات بشكلٍ تقليدي من شخص يكبرها بعدّة أعوام كان قد تقدم لها عن طريق أحد الأقارب، ممّا اضطرّها إلى ترك دراستها بعد إقناع والدتها لها بالموافقة عليه.


ولصغر سنّها كانت تعاني منى مع سليم الرجل الأربعينيّ مشاكلٍ عديدة، مما جعلهما لا يستطيعان التفاهم معاً طوال فترة زواجهما، فكانت تُعيد السبب في هذه المشاكل إلى زواجها من رجل يكبرها بعدد لا بأس به من السنين، وكان الزوجان يتشاجران بشكل مستمر على أتفه الأسباب، وهي كانت دائمة الشكوى لوالديها اللذين كانا أيضاً يتشاجران يومياً على الرغم من تقدُّمهما في السن، أمّا فخرية والدة منى فكانت تقف في صفّها دوماً بغضّ النظر عن الأسباب، كونها امرأة مثلها وينتابها شعوراً مستمراً بأنها مُضطهدة في زواجها، ممّا جعلها تحقد على جميع الرجال.


جاءت منى إلى منزل ذويها في أحد الأيام تشتكي سوء حالها مع زوجها، وتفاقم الوضع معه، وبعد تفكير طويل، يصحبه خوف على مستقبل ابنيها الصغيرين من مستقبل يهدّده الطلاق، اقترحت فخرية على ابنتها أن تأخذها إلى إحدى العرّافات لتعمل لها حجاباً لعلّه يفيدها، سمع والدها الحديث الذي دار بين زوجته وابنته، وما لبث إلا وأن خرج لهنّ مُستغرباً من حديثهنّ، وقال: ما الذي تنصحين به ابنتك أيّتها المجنونة!، أتحسبين أنّك ستنفعيها؟ أنت ستُضيّعين مستقبلها بهذه الطريقة.

قالت له زوجته بنفاد صبر: دعك وشأنك أنت، إنني أبحث عن مصلحتها.

غضب مُحسن وقال لها: إذا كان لا بد لكما من ذلك، فأنا أعرف صديقاً لي يعمل كعرّاف قد يُساعِدكُنّ في هذا الشأن، وأضاف وهو يبسط ذراعيه: ويبقى من نعرفه أفضل ممّن لا نعرفه.

فرحت منى، وقالت له: هيّا نذهب له إذن.

قال لها: غداً سأذهب له وحدي، فهذا الرجل صاحب دين يرفض أن يرى النساء أو يتحدّث معهن حتى، سأذهب إليه أنا وأشرح له الموضوع بالتفصيل.

نظرت فخرية بطرف عينها بتهكّم قائلة: حسناً سنرى ما ستجلبه لنا يداك أنت وصديقك هذا.

فقالت منى وهي تهمّ بالخروج: حسناً إذن، سأزوركما غداً وأرى ماذا اقترح عليك.

وفي اليوم الذي يليه، جاءت منى إلى منزل والدها، لتستفسر عمّا قاله له صديقه العرّاف، فقال لها والدها: لقد شرحت له عن سوء أخلاق زوجكِ معكِ، وقال لي أنّ لا حجاب قد يُجدي مع مثله نفعاً للأسف.

غضبت مني وقالت بنفاد صبر له: يوووه..ما الحل إذاً، أنا لم أعد أستطيع التحمّل أكثر من ذلك.

فقال لها مقاطعاً: لا تقلقي، فقد أعطاني حلاًّ آخر، لكن لن أتوقع أن توافقي عليه.

فقالت له: إذا كان الحل به خلاصي، سأُوافق عليه مهما كان.

قال لها: لقد أعطاني هذا السّم، وقال لي أنه سمّ خفي لن يكتشفه أحد، أنه كفيل بأن يقتله خلال أسبوع إذا وضعتيه في طعامه وشرابه يومياً، دون أن يظهر أثره على جسده عند وفاته بأيّ شكل كان.

شهقت منى وقالت: أتُريدُني أن ارتكب جريمة قتل يا أبي؟ أنا غير موافقة.

قالت لها والدتها: مممم..فكري جيدا يا غشيمة إذا كانت ستعجز عن اكتشاف ذلك فلما لا! واتجهت نحو زوجها وقالت له بازدراء: هذه هي المرّة الوحيدة التي تفكّر بها بشكلٍ جيد.

ترددت منى كثيراً، ثم قالت لوالدتها: إذا كنتِ تعتقدين أن هذا هو الحل الوحيد، فأنا موافقة.

فقال لها والدها: لكن اسمعي.. من الأفضل أن تحسّني معاملة زوجك طوال هذه الفترة، كي لا يشعر بشيء مريب، فيقوم بإخبار عائلته بذلك ويُفضح أمرك.

أومأت الفتاة برأسها موافقة بتردّد ظاهر على ملامحها، وأخذت زجاجة السم ودسّتها في حقيبتها وانطلقت.


حُسْن المعاملة

حسمت منى امرها طوال طريقها إلى المنزل" سأقتله وأعيش حياة هانئة مع أطفالي بعد أن أرثه"، وعند عودتها للمنزل بدأت بتنفيذ الخطّة، فمن جهة تضع له السّم في طعامه، ومن جهة أُخرى تقوم بالتمثيل عليه وتعامله بطريقة لطيفة كي لا يشُك بها فتستجيب لكل طلباته، وتتجاوز عن أخطائه، وتقابله ببشاشة عند عودته من عمله، استغرب حسّان من تغيّر معاملة زوجته له، وسألها عن السبب وراء ذلك، إلا أنها أجابته بأنها كانت مُخطئة طوال تلك السنين وقررت تغيير طِباعها، فرح الزوج كثيراً لما سمعه، وعند تحضيرها للطعام وتقديمه له بأسلوبٍ لطيف، كان يردّ عليها بلطفٍ أكبر ويتشكّرها على ذلك، واستمرا على ذلك الحال خمسة أيام، وفي اليوم السادس،

 دخل حسّان وقال لها: أغمضي عينيكِ فلديّ مفاجأة لكِ.

استجابت منى لطلبه وعند فتحها لعينيها تفاجأت بسلسلة من الذهب يقدّمها لها تعبيراً عن محبته لها، فرحت كثيراً بها، وبدأت تشعر بالندم على السّم الذي تضعه له يومياً، فاستأذنته وذهبت مُسرعةً لمنزل والدها، وعند قرعها الجرس بدت مُرتبكة، فسألها والدها: ما بكِ، لماذا تبدين قلقة.

قالت له: أبي أرجوك اذهب لصديقك العرّاف واطلب منه أيّ شيء لإبطال مفعول السّم.

قال لها: لماذا تُريدين ذلك؟

قالت له: لقد غيّر زوجي معاملته معي، واكتشفتُ أنّه رجل صالح لا يريد من هذه الحياة سوى زوجة رائقة تنسيه هموم يومه عند عودته للبيت.

فهزّ والدها رأسه متأسّفاً وقال: للأسف يا ابنتي ليس هناك ما يُبطل مفعول السم.

انهارت منى وبدأت بالبكاء لما سمعته، عندها بدأ والدها بالضحك فاستغربت منه وقالت له: أتضحك؟!

فاحتضنها وقال لها: لا تقلقي، فليس لي صديق عراف أصلاً، أمّا ذلك السم فهو مجرّد ماء وُضع في زجاجة.

صُدمت منى مما سمعته، والفرحة بادية على وجهها، وقالت له: كيف ذلك؟

قال لها: كنت أسمع مشاكلك مع زوجك، فألمح مشكلة في تعامُلكِ معه، وهو ما تأكدتُ منه، فعندما قُمتِ بتحسين أسلوبك معه أصبح يعاملك بلطف وحنان على عكس ما كنت تصفين، فزوجك لم يكن يوماً سيئاً، بل تصرفاته معكِ في السابق كانت ردّة فعلٍ على أسلوبك في التعامل معه، فالمعاملة الطيّبة هي جواز المرور إلى قلوب الآخرين.

سمعت والدتها ذلك الحديث، فخجلت من نفسها، وقامت بالاقتراب من زوجها وشكرته على حكمته، واعتذرت عن تصرفاتها معه طوال حياتها، بعد أن اكتشفت أنّ سبب شجارهما المستمر كان سوء معاملتها له، فيما عادت منى إلى بيتها فرحة وهي تنوي أن تحيا مع زوجها حياة جديدة خالية من سمّ الخلافات والشجار.