أصل الحكاية

تُعد قصة ليلى والذئب، أو ذات الرداء الأحمر كما ينتشر في الثقافات الأجنبيّة واحدة من القصص الخياليّة التي ألّفها الكاتب الفرنسي شارل بيرو، حيث ألّف هذا الشاعر والروائي مجموعة من القصص والروايات الخياليّة التي تحمل كل منها عبرة من العبر، فكانت قصة ليلى والذئب قصة تحمل في طيّاتها قيمة الأخذ بنصيحة الوالدين، والاحتراس من الغرباء الذين لا نعرفهم، ولهذه القصة روايات تختلف تبعاً للبلدان والثقافات، إلّا أنّها جميعاً تسعى لإيصال القيم المذكورة، وهذه واحدة منها.


الفصل الأول

في مشهد جميل في غابة غنّاء يسير فيها نهر طويل، وتتنافس العصافير فيها بالشدو والغناء، حيث السماء صافية، والأشجار راسية، والزهور على الأرض هنا وهناك منتشرة تبعث في الأجواء روائحها العطرة، والنحلات تطير في الهواء الطلق، والفراشات تتراقص بحسن ورفق، وأرانب صغيرة تسرح في البراح، وفأر صغير تحت الأشجار يجلس بارتياح، إنّه فصل الربيع، والجو أخّاذ وممتع وبديع، هنا استقرّ كوخ طفلة صغيرة وأهلها، ليلى الجميلة أمامه تلعب على مهلها، وإذ بأمّها التي استيقظت منذ الصباح عليها تصيح، ورائحة زكيّة في الأجواء تنطلق من كعكها المليح: يا ليلى إنّ جدّتك تعاني وعكة صحية، فاحملي لها هذا الكعك وكوني طفلة رضية، لا تسلكي طريقاً غير الذي تعرفين، ولا تلتفتي لأحد لا تعرفيه من سنين، وعودي فوراً مسرعة، وكوني لكلام أمّك نبيهة وسامعة، فأومأت ذات الرداء الأحمر لأمّها موافقة، وأخذت سلة الكعك تجري بخطة سريعة وواثقة.


الفصل الثاني

وبينما ليلى في الغابة تسير، وفراشات ملونة حولها تمرح وتطير، تشير إلى أنّ هناك زهور جميلة فاقتربي انظريها، وللجدّة المريضة معك احمليها، يظهر ذئب ماكر الطباع، خبيث مخادع وبطبعه طمّاع، وعلى محيّاه الخبيث رسم ابتسامة، وديعة بريئة كرفّة الحمامة، وقال: مرحبا يا فتاة ماذا تفعلين؟ أنا الذئب الوديع أين تسكنين؟ وإلى أين تذهبين؟ فقالت ليلى ببراءة شديدة: أنا ليلى، وهذه سلّتي لجدّتي العزيزة، هي تقطن في آخر الغابة وهي قريبة ليست بعيدة، فضحك ضحكة صفراء كلّها مخادَعة، وقد لمعت في ذهنه الشرير فكرة رائعة، وقال: إني يا فتاة لك ناصح أمين، وأنا الذي يعرف هذه الغابة من شهور بل من سنين، لا تسلكي هذا الطريق الذي كنت ستسلكيه، وخذي هذا مختصراً وسيري فيه، وللجدّة العزيزة أوصلي التحيّة، فشكرته ليلى وسارت بطريقها بكل حسن نيّة.


الفصل الثالث

سلك هذا الماكر طريقه المختصرة، وليلى في طريقها الذي لا تعرفه حائرة عثرة، وبينما الجدة في سريرها مريضة مستلقية، طرق الباب بكلّ رفق وحنيّة، وتظاهر أنّه ليلى الحفيدة، وانقضّ لأكل الجدّة المتعبة المريضة، وتنكّر في زيّها ونام في السرير، متظاهراً أنّه هي وبعد وقت قصير، دخلت ليلى الوديعة تصافح الجدّة بحرارة، وتسأل: ترى كيف حالك يا جدّتي الختيارة؟ فقلّد الذئب صوتها بمهارة، وقال: بخير أنا يا ليلى الجميلة، لكنّ ليلى أحسّت بوجود حيلة، فقالت: يا جدّتي لمَ يبدو صوتك مريباً، وأنفك غريباً؟ عيناك كبيرتان، وفمك كبير مليء بالأسنان! فصاح هنا الثعلب عليها قافزاً، يسنّ أنيابه ليأكلها قائلاً: أمّا أنا فالثعلب يا فتاة، نصبت لك فخاً سآكلك كما يأكل الأسد الشياه، وهنا ركضت ليلى مسرعة تصيح، فسمعها صيّاد جلس في الأرجاء يستريح.


الفصل الأخير

اقتحم الصيّاد الكوخ يحمل البندقيّة، وبلحظة صغيرة فهم ما القضية، فضرب الذئب برصاصة ليسقط صريعاً من فوره، ويريح ليلى وكلّ الغابة من شرّه، فقصّت ليلى على الصياد قصّتها، وفتحا بطن الذئب الجشع وأخرجا جدّتها، أمّا الصيّاد فهناً الجدّة بالسلامة، ووجّه لليلى العتاب والملامة، وقال: أمّا كلام أمّك فبالحذافير اسمعيه، وطريقاً غير الذي تعرفين أبداً لا تسلكيه، وللأغراب لا تمنحي الثقة والتصديق، فليس كلّ عابر يصلح لأن يكون صديق، وفي رواية أخرى يُقال: أنّ الجدّة عندما رأت الذئب ركضت واختبأت في الخزانة في الحال، وعندما قُتل الذئب خرجت بالسلامة، ووجهت لليلى العتب والملامة، وليلى الصغيرة لخطئها باتت واعية وفاهمة، وبعد أن زارت جدّتها، سلمت عليها وتمنّت لها العافية، وانطلقت في طريقها والدرس قد فُهم، كلام الأم يا فتيان من أنفع الكلِم، فيه من النصيحة الكثير فلا تهدروه، وككنز ثمين خذوه واحفظوه.