الفصل الأول: رحلة إلى القرية
حسنًا، في تمام الساعة السابعة صباحًا نلتقي، مع السلامة؛ بهذه الكلمات أنهى عليّ مكالمته السريعة مع ابن عمّه سفيان ثمّ اتجه إلى غرفته لجمع حاجياته وتجهيز حقيبته، فكانا قد اتفقا على قضاء شهرين من العطلة الصيفية عند جدّهما وجدّتهما اللذين يُقيمان وحدهما في إحدى القُرى التي تبعد عن مكان سكنهما في المدينة نحو 80 كيلومترًا، وذلك من باب الرعاية والاعتناء بهما، ومن أجلّ تغيير جوّ المدينة المكتظّة والعيش بين أحضان الطبيعة أيضًا ولو لمدة محددة.
في صباح اليوم التالي وفي السابعة صباحًا بالضبط كان عليّ وسفيان واقفَين في المحطة ينتظران قدوم الحافلة التي ستنقلهما إلى القرية، وما هي إلا دقائق معدودة حتى كانت الحافلة ماثلة أمامهما فركبا فيها، وبعد أن امتلأت جميع المقاعد انطلقت معلنة بدء الرحلة التي ستستغرق نحو ساعتين، أمضاها عليّ وسفيان بأحاديث طويلة ونقاشات حول العائلة وحول دراستهما الجامعية، وغيرها من المواضيع المشتركة بينهما.
وصل علي وسفيان إلى بيت جدّهما الذي استقبلهما بالأحضان وبحفاوة كبيرة، وقال والأنفاس تخرج منه بصعوبة: أهلًا وسهلًا بأحفادي الشبّان، لقد اشتقت إليكما كثيرًا، ومن ثمّ كان الاستقبال الآخر الجميل والمؤثر من الجدّة، والتي راحت تقبّل رأسيهما دون انقطاع وتقول: حمدًا لله أنني رأيتكما بخير وعافية، أنرتما البيت بقدومكما. وبعد كلّ هذا الترحيب قال عليّ بطريقة حنونة وعفوية: خرجنا من البيت دون فطور يا جدّتي، والباقي عندكِ، ضحكت الجدّة ثم قالت وهي تتجه نحو المطبخ: كل شيء جاهز أيها الولد الشقيّ، بقي فقط الشاي، اسبقوني إلى المائدة.
الفصل الثاني: حيوان غريب
تناول علي وسفيان الفطور مع الجد والجدة بمرح وسعادة، ولم تتوقف الأسئلة عن أحوال العائلة فردًا فردًا، وعن أحوال المدينة بشكل عام، فقضى الجميع وقتًا ممتعًا وامتدّت الأحاديث المختلفة حتى الساعة التاسعة والنصف مساءً، فاستأذن الجدّة من علي وسفيان بالخلود إلى النوم كعادتهما في مثل هذا الوقت، فقال سفيان: ونحن أيضًا سننام، لقد استيقظنا باكرًا اليوم وتعبنا من الطريق، أليس كذلك يا عليّ، فهزّ رأسه إيجابًا، ثم اتجه كلٌّ إلى غرفته.
استلقى عليّ بجسده المنهك على السرير، لكنه وبعكس ما توقع لم يستطع النوم، فبقي يتقلّب على السرير ساعتين كاملتين دون أن يغمض له جفن، فقرر أن يقوم ويتمشى في الخارج قليلًا يتنفس الهواء العليل علّ ذلك يُغير شيئًا ويساعده على النوم فيما بعد، وقبل أن يخرج من البيت تفقد جده وجدته وابن عمه سفيان وكان الجميع غارقًا في النوم، ثمّ فتح الباب وراح يمشي دون تحديد وجهة معينة.
سار عليّ نحو نصف ساعة دون أن يدري أين هو ذاهب، وفجأة وجد نفسه أمام حظيرة للأغنام فيها ضوء خافت، فوقف ينظر إلى ما بداخلها وشاهد الأغنام مستلقية ويبدو أنها في نوم عميق هي الأخرى، فقال في نفسه: حتى الأغنام تستمتع بالنوم وأنا محروم منه، وبقي واقفًا على حاله عدة دقائق، ثمّ أخذ نفسًا عميقًا واستدار عائدًا باتجاه البيت، لكن ما كاد يُدير رأسه إلى الخلف حتى سمع صوتًا غريبًا لم يألفه من قبل.
أخذ عليّ يجول بنظره في المكان بحثًا عن مصدر ذلك الصوت العالي والغريب، وفجأة شاهد على بضعة أمتار منه على الجهة اليُمنى حيوان غريب لم يستطع أن يحدد معالمه بدقة، وما إن وقع نظر عليّ عليه حتى ارتفع صوته أكثر وصار يصرخ بشكل هستيري، فدبّ الخوف والرعب في قلب عليّ وأخذ يصيح طالبًا من المساعدة، لكن دون جدوى وكأنّ هذا الصوت المُخيف لا يسمعه سواه.
الفصل الثالث: بلا تفسير
ظلّ الحيوان الغريب يُصدر ذلك الصوت المُخيف، وصار يتلوى على الأرض بحركات مُخيفة، فتسمرّت قدما عليّ مكانه ولم يستطع الحركة أبدًا، ولم يستطع فعل شيء إلا أن يصيح بأعلى صوته على ابن عمّه: سفيان سفيان، تعال وساعدني يا سفيان أرجوك، إلا أنّ نداءاته كلها لم تأتِ بنتيجة، ولما ازداد الخوف في قلبه وشعر أنّ الحيوان الغريب يقترب منه شيئًا فشيئًا أحنى رأسه نحو الأرض وأمسكه بيديه بقوة، ونزل بكامل جسده إلى الأرض وصار يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ورددها أكثر من مرة.
فجأة انقطع صوت الصياح كليًا، فرفع عليّ رأسه ببطء وتردد وإذ بالحيوان الغريب قد اختفى من أمامه، لكنّه سمع صوت شخص يُناديه من بعيد، صوت يعرفه تمامًا؛ إنه صوت ابن عمه سفيان يقول له: تعال يا عليّ إلى هنا، أنا أنتظرك في ساحة البيت، ودون تفكير ركض عليّ باتجاه المنزل بسرعة كبيرة، لكنّ المفاجأة كانت أن لا أحد موجود في الساحة، لا سفيان ولا غيره.
دخل عليّ إلى البيت وأخذ يجول بنظره بحثًا عن سفيان، والصدمة الكبرى أنّه وجده نائمًا في سريره كما تركه قبل أن يخرج من البيت، هنا جثا عليّ على ركبتيه وأمسك برأسه يضربه ويقول وهو يبكي: ما الذي حدث؟ ما الذي رأيته، ومن الذي نادى عليّ قبل قليل؟ هل أنا في وهم أم في عِلم؟!!! وبعد أن خارت قواه عاد بخطوات ثقيلة إلى غرفته ورمى بجسده على السرير.
لم يدرِ عليّ كم مضى من الوقت عندما استيقظ من النوم، وبسرعة عاد شريط ما جرى معه البارحة أمام عينيه، فهزّ رأسه بقوة وقام من السرير، فشاهدته جدّته وقالت: صباح الخير يا عزيزي يبدو أنّك نمتَ بعمق، فلم يستطع عليّ الردّ عليها سوى بابتسامة مصطنعة، ثمّ رأى سفيان فسأله: كيف أمضيت ليلتكَ يا سفيان؟ فردّ عليه ضاحكًا: ما إن وضعتُ رأسي على الوسادة حتى غبت عن الدنيا وما فيها، ولم أستيقظ إلا قبل دقائق من استيقاظك. فما الذي جرى مع عليّ ليلة البارحة!!!!
ولقراءة المزيد من قصص الرعب: قصة فتاة المقبرة، قصة القطة السوداء.