شبهة انتحار- جرائم الجزيرة (3)
بيتر متخصّص في الكشف عن الجرائم التي تحدث في جزيرة سانتوريني، فعند وقوع جريمة ما لا يُستعان سوى ببيتر للتحرّي عن المجرم، والكشف عنه بحنكته وذكائه وتالياً إحدى هذه القصص.
الفصل الأول
في مساء أحد أيام أيلول اتصلت وحدة عمليات مركز الشرطة ببيتر لتُخبره بضرورة المجيء إلى أحد مناطق عشوائيات الجزيرة لوجود جثة فتاة في منزلها، فيما وجد فور وصوله جثة الفتاة ملقاة على كرسي في غرفة الجلوس تتوسط مجموعة من الكتب، وبيدها سلاح ناري والدماء قد ملأت المكان، فبدأ يعاين موقع الجريمة واتّجه نحو باب المنزل الذي لم يجد عليه أي آثار خلع أو كسر توحي بأنّ القاتل دخل عنوة، فاستمرّ يتجول في ذلك المنزل الصغير لعله يجد دليلاً على الحادث، وكعادة أيّ محقّق أمر بيتر العناصر بأخذ البصمات الموجودة في المكان، رغم ما تدلّ عليه جثتها من كونها ماتت مُنتحرة بعدما أطلقت على رأسها الرصاص.
الفصل الثاني
بعد التحريّات.. ماريا طالبة مُبتعثَة من جامعة كريت في كلية التاريخ كانت قد جاءت مع مجموعة من طلاب دفعتها إلى الجزيرة لمدة شهرين فقط للتعمق في دراسة التاريخ، وآثار الحضارة الإغريقية بها وذلك لإكمال مشروع التخرج خاصّتها، وبعد ما عرفه بيتر من معلومات فقام باستدعاء زملائها لبدء التحقيق معهم، وحينها التقى بصديقتها المقربة أجاثا، وسألها عن حياة تلك الفتاة الشخصية وما تعرفه عنها، فقالت له وهي تبكي: إن ماريا تنحدر من عائلة فقيرة جداً في اليونان، وعند تسجيلها في الجامعة لإكمال تعليمها قبل أربع سنوات أخبرتني أن والديها كانا معرضين لدراستها لسوء أحوالهما المادية، وبعد إلحاح منها وافقا على ذلك شريطة أن تجتهد وتتفوق في الدراسة لكي تحصل على منحة مجانية.
اقترب بيتر من الشابة وقال لها: إذن وكونك صديقتها المقربة ما الدافع باعتقادك وراء انتحارها؟
قالت له: لا أعلم، لكن قبل مدّة وأثناء حديثنا معاً كانت ماريا حزينة جداً، ولمّا سألتها عن السبب أخبرتني بأن والديها يضغطان عليها بشكل كبير كونها رسبت في إحدى المواد الدراسية، حيث وبّخاها وهدداها بإلغاء تسجيلها إذا تكرر ذلك، وحينها أخبرتني أنها تتمنى الموت، بل وتفكّر في الانتحار للتخلص من ضغط الدراسة، وضغط والديها معاً لكنني أقنعتها بالعدول عن ذلك.
فطرح بيتر سؤالاً على زميل آخر لها وقال: متى كانت آخر مرة زرتها في منزلها؟
أجابه ماث: عندما جئنا إلى هنا استأجر كلٌ منا شقة في الجزيرة لكن ماريا لم تستطع ذلك بسبب ارتفاع أسعار الشقق هنا، لذلك قامت باستئجار هذا المنزل في تلك المناطق العشوائية لرخص ثمنها، ولم تكن تحبّ زيارتنا لها لسوء وضعها، لذا لم أكن أزورها.
تشير المعلومات الأولية إلى أن الشابة ماتت مُنتحرة بسبب الضغوطات النفسية التي تمرّ بها، لكنّ بيتر لم ينهِ تقريره بعد، وانتظر حتى ظهور نتائج البصمات من المختبر، وأثناء ذلك قام بالاتصال مع والديها وإخبارهما بوفاة ابنتهما للمجيء فوراً، وعند وصولهما منهارين، بدأ بالتحقيق معهما ثم سأل والدها: متى تواصلت مع ابنتك آخر مرّة؟
بدأ والدها بالبكاء وجلس على الكرسي وقال: قبل ليلة من مقتلها تحدثنا معها أنا ووالدتها لساعات.
ثم طرح سؤالاً آخر على والدتها: كيف بدت تلك المحادثة؟
ارتبكت وبدأت تشير إلى زوجها وهي تبكي وتقول: لقد تشاجر والدها معها بخصوص جامعتها، فبدأت ماريا تبكي وتشتكيه لي.
وفي تلك اللحظة قام بيتر بأخذ بصماتهما وصرفهما.
الفصل الأخير
وبعد عدّة أيام وعندما ظهرت النتائج أثبتت وجود بصمة مختلفة على أحد الكتب التي كانت حول الضحية في المنزل، إذ إنّها لا تعود إلى أيّ أحد من زملائها ولا لوالديها، وفي تلك اللحظة عرف بيتر أن ماريا لم تكن لوحدها في تلك الليلة، وأنّ أحداً زارها، ولا بدّ أنّهما جلسان للدراسة سوياً كون حيّز المكتب هو الحيّز الذي تعمّه الفوضى فقط.
بقي بيتر أياماً يفكّر فيمن كان بضيافتها ليلتها، وخاصة بعد تأكيد زملاؤها أنها لم تكن تستقبل أحداً، مما اضطره للذهاب إلى صديقتها المقربة ومعاودة أخذ بعض التفاصيل منها، فقال: هل تصرفت ماريا بغرابة يوم الحادث؟
قالت له: ماريا دائمة التوتر.. فقد كانت يومها مرتبكة لعدم مقدرتها على إكمال مشروع تخرجها كعادتها، وخاصة أنه كان عليها إرسال نموذجاً أولياً للبروفيسور المسؤول عن مشروعها في اليوم التالي.
عندما سمع بيتر ذلك فكّر أنه لا بد أنّها استعانت ليلتها بمدرّس خصوصي علّه يساعدها في إكمال مشروعها قبل تسليمه في اليوم التالي، فقرّر أن يجرّب صحة افتراضه ذلك، وقام بسحب كشوفات بأسماء جميع المختصين بالحضارة الإغريقية في الجزيرة، ومن حسن حظه ولكون الجزيرة صغيرة لم يكن هنالك سوى اثني عشر مختصٍّ بها فقط، لذا قام بالبدء بالتحقيق معهم إلى أن تبيّن أن سبعة منهم وبعد التحري لم يكونوا ليلتها في الجزيرة، وبدأت أصابع الاتهام تدور حول الخمسة المتبقيين، فبدأ التحقيق ولمّا وصل إلى جورج الذي بدا متوتراً جداً، وقبل إخباره عن سبب استدعائه قام بيتر بوضع يده على كتفه قائلاً: أين كنت في السابع من أيلول؟
قال جورج مرتبكاً: كنت في المنزل ولم أخرج أبداً.
فطرح عليه سؤالاً آخر: منذ متى وأنت تعمل في مجال دراسة الحضارة الإغريقية.
قال له: إنني أعمل كدليل سياحي فقط في أحد المكاتب السياحية منذ عدة سنوات، ولا أقوم بإعطاء أيّ دروس خصوصية، فهذا ليس من اختصاصي.
ضحك بيتر وقال: لقد وفّرت علي الكثير، فبزلة لسانك غير المقصودة اعترفت بجريمتك.
حكّ جورج رأسه وقال مرتبكاً: أنا لم أعترف بشيء، كما أنني لم أفهم أيّ جريمة.
قال بيتر: إنني لم أُخبرك عن سبب استدعائك، فكيف عرفت أنني سأسألك عن قيامك بإعطاء دروس خصوصية لأحدهم.
توتر جورج واحمرّ وجهه، وبعد الضغط عليه من قبل بيتر اعترف بجريمته
وقال: كانت ماريا قد تواصلت معي في مساء يوم الحادث بشكل مستعجل لمساعدتها في إكمال ما تبقّى من مشروعها، إذ أخبرتني أنّ البروفيسور المسؤول عنها طلب منها إرسال نموذج أوليّ عمّا توصلت له، لكنها لم تكن قد أكملته، لذا طلبت مني المساعدة واقترحت عليها المجيء إلى منزلها، وقد طمعت بالتقرّب منها بعد أن فُتنتُ بصورتها التي كانت قد وضعتها صورة شخصية على الواتس أب، رفضت بداية كونها تعيش بمفردها، لكنها عاودت الموافقة لأنه لم يكن أمامها حل سوى ذلك، وعندما وصلت بدأتُ بمساعدتها ولمّا هممتُ بفعلتي بدأت الفتاة بالصراخ حتى كاد ينفضح أمري، فهدّدتها بسلاح كنت أحمله إن لم ترتدع عمّا تفعل، لكنّ صراخها اشتدّ فلم أشعر إلّا وأنا أضغط الزناد وأرديها قتيلة.
ولما تناثرت الدماء حولي، ورأيتُ هول ما فعلت، فررتُ هارباً لا أدري ماذا أفعل.
ختم المدرّس أقواله هذه وقد أمر بيتر بتقييد كلتا يديه، فيما أغمض عينيه وأسند رأسه للكرسيّ بعد ليلة طويلة.