قائمة التهديد

انتقل بافلوس الذي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً مع والده ووالدته من مقاطعة سالونيك إلى جزيرة سانتوريني في اليونان؛ هرباً من تهديدات كانا قد تلقياها بشأن ابنهما بافلوس.


كان بافلوس وحيد والديه اللذين عاشا معظم حياتهما في مدينة سالونيك، حيث أكمل دراسته الجامعية حديثاً، إلّا أنّه ومنذ صغره قد اعتاد على افتعال المشاكل والتسبّب بالمتاعب لذويه، فيما يقوم والداه بمسايرته دوماً وإخراجه ممّا يقع به من مآزق حتى أفسداه، وفي مرة من المرّات وقبل انتقاله إلى الجزيرة احتال على أحد أصدقائه وسرق منه مبلغاً كبيراً من المال، وأنفقه دون علم والديه، ولمّا طلب منه صديقه إعادة المبلغ ولم يرضَ اتّجه لوالده الذي أنكر أن يكون بافلوس قد قام بذلك، ولم يكترث للأمر برمّته، ممّا أثار حنق الشاب، وجعله يتوعّد بأن يقتل ابنه إن هما لم يعيدا له المال خلال يومين.


لم يأخذ والد بافلوس حديث صديقه على محمل الجدّ رغم اتّصالاته وتهديده المستمرّين، إلى ذلك اليوم الذي خرج فيه ابنه من المنزل فوجد سكيناً مغمّساً بدماء غير حقيقية تحمل إشارة للعائلة بأنّها يمكن أن تفقد ابنها الوحيد فعلاً إن لم يقم بتسديد ما عليه من مال، وحينها قرّر الأب أنّه لا بد من السداد وإلّا فستكون العواقب وخيمة، وبما أنّ المبلغ كان كبيراً جداً لم تستطع العائلة تأمينه بأيّ طريقة كانت، أصرّت الأم إصراراً كبيراً على ترك المدينة والفرار إلى جزيرة سانتوريني مخلّفة وراءها كل شي إلى حين اندثار المشكلة وعودتهم.


أتمّت العائلة إجراءات السفر مسافرين لا يصطحبون معهم سوى كلبهم باتشي وبعض الحاجيات، ولمّا وصلوا بدأوا بإعداد مسكنهم الجديد وترتيب حاجياتهم فيه، فيما طلبت الأم من بافلوس أن يبدأ بداية جديدة يبتعد فيها عن المشاكل ليعيشوا في هذه الجزيرة بأمان، فوافق الشاب العشريني وانطلق مع كلبه في رحلة للبحث عن وظيفة يعتاش منها، ويقضي فيها وقته الذي يخلو من الأصدقاء.


وبعد مرور عدّة أسابيع على انتقالهم إلى الجزيرة وفي صباح أحد الأيام ذهبت والدة بافلوس لإيقاظه، إلا أنّها لم تجده على غير عادته، فاعتقدت حينها أنّه خرج مبكراً باحثاً عن عمل ككلّ يوم، إلّا أنّه وبعد مرور سبع ساعات ولمّا لم يعد أيضاً اتصلت بوالده لإخباره بذلك، فاقترح عليها أن ينتظرا حتى حلول الظلام فلربما يكون هذا الشاب قد عاد لطيشه ونسي نفسه متسكّعاًً في شوارع المدينة، وافقت الأمّ مكرهة وقرّرت الانتظار حتى منتصف الليل، ولما لم يعد أيضاً قرّر والده الذهاب لإعلام الشرطة عن أمر اختفائه، فطلبوا منهم انقضاء يوم وليلة على الأٌقل على اختفائه، وبعد انقضاء المدّة بدأ رجال الأمن بأخذ مواصفات ابنهم للتعميم عليه، فيما طرحوا عليهما مجموعة من الأسئلة.

-هل تشُكّين بأن يكون ابنك قد هرب خارج الجزيرة؟

-بافلوس ابننا الوحيد لا يستطيع التخلي عنا أبداً.

ثم سأل والده وقال: هل لديه أعداء؟

قال والده باكياً: نعم، كان بافلوس في الفترة الأخيرة قد تلقى عدة تهديدات من صديقه بالقتل في المدينة التي كنّا فيها قبل مجيئنا إلى هنا، ومن المحتمل أن يكون قد خطفه للانتقام منه.

استفسر رجل الأمن منهما عن سبب التهديدات وزمنها، حيث قام والد بافلوس بشرح كامل التفاصيل له.


نباهة كلب

بعد أخذ كامل التفاصيل أُحيل التحقيق إلى بيتر -المحقق الجنائي- فاستلم هذه القضية، وباشر التّحري عن الشاب المفقود، حيث ذهب إلى منزله وبدأ بالتجول في غرفة بافلوس علّه يجد دليلاً على اختفائه لكنّه لم يجد شيئاً، فقام بطرح مجموعة من الأسئلة على والديه بخصوص صديقه الذي كان يهدده، وبعد ذلك قام بإصدار أمر بالقبض عليه للتحقيق معه، ولمّا أحضره رجال الشرطة كان يوليوس شاباً عشرينيّاً ضئيل القامة، يرتعد خوفاً من رهبة غرفة التحقيق، ولمّا سأله بيتر عن سبب خطف بافلوس وقتله، انهار باكياً وأنكر ذلك، حتى أنّه أنكر معرفته بخطف صديقه، أو أيّ معلومات عنه بعد أن ترك المدينة، بل وزاد على ذلك بأنّه لم يكن يعرف وجهته أصلاً، استشفّ بيتر بحنكة المحقّق وخبرته الطويلة صدق كلام يوليوس، وقرّر العودة إلى منزل بافلوس علّه بزياراته المتكرّرة يجد ما يهديه إلى طرف الخيط، وأثناء دخوله إلى المنزل لاحظ وجود كلب بنيّ في الحديقة الخلفية من المنزل ينبح بشدّة ويروح ويجيء في مكانه، فلم يكترث للأمر ودلف إلى المنزل يتابع عمله، ويخبر والدي بافلوس بآخر التفاصيل، ولمّا اشتدّ نباح الكلب فأثار إزعاجه وقضّ تركيزه سأل عنه.

فأجابت والدة بافلوس: إنّه باتشي، كلب بافلوس منذ أن كان طفلاً، لا بدّ أنه يفتقده، واستمرّت بالبكاء.

-حسناً حسناً، سأغادر الآن وسأطلعكما على أيّ تفاصيل جديدة.

وفي صباح اليوم التالي عاد بيتر لمنزلهما ليستفسر عن علاقات ابنهما في هذه الجزيرة، إلّا أنّه لاحظ فور وصوله أنّ الكلب غير موجود، وعندما استفسر من والدي بافلوس عنه أجابته الأم أنّهما استيقظا اليوم على هدوء الكلب، فلما خرجا يستطلعان الأمر وجداه ميتاً، فاستغرب بيتر ذلك وأمر بتشريح الكلب لمعرفة سبب موته ليتبيّن بعد ساعات أنّه مات مسموماً في آخر وجبة قُدّمت له، ممّا دعاه للتفكير بأنّ من ارتكب الجريمة يريد التغطية على شيء ما، "آه! لحظة لا بدّ أنّ نباح الكلب كان يدلّ على شيء ما خاف منه فسممّه وفعل ما فعل، وبما أنّ لا علاقات لهذه العائلة في الجزيرة حتى اليوم، فإنّه لا بدّ أن يكون مرتكب هذه الفعلة أحد الوالدين.

بيتر ومعه فرقة بحث: فتشوا فناء المنزل الخلفي جيّداً، لا سيما هذه البقعة (مشيراً إلى مكان وجود الكلب ونباحه البارحة)

الأب بخوف ودهشة: ما الأمر سيدي المحقّق؟

-سنعرف الآن.

-سيدي هناك جثة لشاب عشريني قد دُفنت هنا، لا بدّ أنّه بافلوس.

الأم منهارة: ماذا!!! كيف!! ابني!!

ولما اقتيد الأب والأم للتحقيق اعترف الأب بقتل ابنه الوحيد بعد أن كان قد سمع مكالمة لزوجته مع رجل غريب قبيل سفرهم بأسبوع يطلب منها مبلغاً كبيراً من المال، مقابل موافقته على سفر ابنه بافلوس معها، وإلّا أخبر زوجها بسرّهما هذا وفضحها، وحينها! اسودّت الدنيا في عينيّ فمن ربيّته كلّ هذه المدّة لم يكن ابني حتى! وعندها قررتُ الانتقام منها بقتل ابنها الوحيد، لا سيما بعد إصرارها الشديد على السفر، فيما وجدتُ أنّ ابتعادنا وسفرنا إلى مدينة لا نعرف فيها أحداً سيسهّل عليّ الانتقام.


انهارت إيلينا أم بافلوس مغشيا عليها، وأحيلت لمشفى للأمراض النفسيّة، فيما حُكم على والده بالإعدام لارتكابه هذه الجريمة البشعة.