على متن الطائرة

تخرّج علاء من كلية الهندسة المعمارية من إحدى جامعات مدينته قبل أكثر عام، إلّا أنّه استمر بالبحث عن عمل طوال تلك الفترة المنصرمة لكن دون جدوى من حصوله على فرصة تناسبه.


الفصل الأول

في أحد الأيام دخل علاء إلى منزله فرحاً متجهاً نحو المطبخ حيث والدته، وكان منفعلاً جداً بالكاد يلتقط أنفاسه، فدخل وأخبرها بنبرة متحمسة قائلاً: لقد حصلت على فرصة للسفر والعمل في أمريكا.

صمتت والدته لبرهة ثم قالت له في لهجة حملت قدراً من الأسى: ها! أهذا يعني أنك ستتركني وحيدة؟

زفر علاء في ضيق ثم قال محاولاً تحاشي النظر إليها: سأذهب هنالك في سبيل لقمة العيش، وعندما استقر سأرسل لك إذا تسنت لي الفرصة بذلك.

مطّت والدته فاطمة شفتيها وهزت رأسها قائلة: لن أقف أمام حلمك.

في تلك الأثناء بدأ ذهنها يرسم توقعات لما سيحلّ به عند السفر وحده في الغربة، حتى أنها في صباح اليوم التالي دخلت مسرعة إلى حجرته حيث كان مستلقياً على سريره وقالت له بصوت مرتجف: هيه، لقد سمعت الآن في المذياع عن راكبين اثنين توفيا في طائرة في ظروف غامضة أثناء توجههما إلى أمريكا.

ابتسم علاء ساخراً وقال لها: وما علاقة سفري بذلك!

ثم اقترب منها وأمسك يدها وأخبرها أن مساء اليوم الذي يليه هو موعد سفره، وعند حلول يوم الرحيل جهّز نفسه وودّع والدته بحزن، وحينها أيقنت أن لا بارقة أمل للتراجع عن قراراه هذا، لذا قامت بتقبيله وأوصته بصوت مبحوح أن يهتم بنفسه جيداً.


الفصل الثاني

اتجه الشاب للمطار وفور دخوله ممر الطائرة وكونها المرة الأولى التي يركبها كان يحملق في ركّابها مبتسماً، حتى استقبلته المضيفة بابتسامة وأوصلته إلى مقعده الذي كان يتوسط مقعدين اثنين دون وجود أحد بجانبه، ولكون الرحلة ستستغرق أربعة وعشرين ساعة بقي علاء مستيقظاً ملتفتاً حوله طوال الرحلة لكي لا يضيع على نفسه لحظة من المتعة التي يعيشها.

بعد مرور عدة ساعات ذهب إلى دورة المياه وأثناء غسله يديه شعر بأحدٍ يكز ظهره، وعندما رفع رأسه تجاه المرآة شهق عالياً مما رآه، فقد كان خلفه رجل ذو عينين جاحظتين تلطّخ الدماء جبينه المستدير، ووجهه الشاحب يبدو وكأنه شبح، وحينها تجمّد صوت علاء للحظات والقشعريرة تتغلغل إلى جسده، فيما حاول الصراخ وطلب النجدة لكنه لم يستطع، فقد شعر بثقل رهيب في لسانه وشفتيه حتى قرر العودة مسرعاً إلى مقعده وهو يجر قدميه خلفه مرتجفاً، والاصفرار يعلو وجهه مُفكراً في ذلك الرجل المخيف الذي رآه، دون أن يقوى على إخبار أحد بما رأى.


الفصل الثالث

ظنّ علاء أنّ ما رآه كان نتيجة لتعبه وقلّة نوه، فقرر أن يسترخي قليلاً لتهدئة أعصابه حتى غلبه النعاس وتدريجياً راح يغط في نوم عميق، ليستيقظ بعدها عند اهتزازه بسبب مطب هوائي تعرضت له الطائرة، وحينما وضع يديه على وجهه ليفرك عينيه وجدهما ملطختين بالدماء، فبدأ بالصراخ عالياً وسط استغراب الركاب من تصرفه، حتى جاءت المضيفة لتستفسر عن سبب ذعره ليجيبها ويداه ترتعشان وصوته يرتجف: انظري إلى تلك الدماء التي لطخت وجهي ويديّ.

نظرت له المضيفة باستغراب وقالت: ها! ليس هناك شيء عمَّ تتحدث سيدي؟

ثم أمسكت كتفه وقالت له: ممم، لا بد أنك مرهق من طول السفر، سأُحضر لك العصير لتهدأ.

استمر علاء بالارتعاش كونه ما زال يرى الدماء على يديه وعندما أدار رأسه جانباً وجد الرجل الشبح شديد الفظاعة ذاته يجلس بجانبه ويحدّق به، حتى كاد قلبه يهوى بين ضلوعه من شدة الخوف، فقال له: ماذا تريد مني؟

اقترب منه ذلك الرجل المخيف وهمس في أذنه وقال: هش لا تصرخ، فلا أحد يراني سواك.

-ماذا تريد إذن؟

-لقد توفيت زوجتي وابنتي قبل مدة على متن هذه الطائرة، وعند كشف الطب الشرعي عن الجثّتين لتبيّن سبب الوفاة تبيّن أنهما تسممتا بطعام كان قد قُدّم لهما على متنها، لكن الشرطة لم تتخذ أي إجراء أو عقوبة بحقّ شركة الطيران اللعينة.

قال له علاء: وما علاقتي بهذا؟!

همس الرجل الشبح في أذنه والسواد يملأ عينيه وقال: قررت الثأر لهما في كل رحلة تقيمها شركة الطيران هذه، وذلك بقتل راكبين اثنين على متنها، وأنت أول فريسة لي اليوم.

جمد علاء من الهلع عندما رأى شبح الموت يلوح أمامه وقال له: إذن صدقت أمي عندما أخبرتني بوفاة راكبين بظروف غامضة على متن طائرة متجهة إلى أمريكا.

ابتسم الرجل ورفع حاجبه وقال: هذا أول الطريق فقط.


الفصل الرابع

حينها بدأ علاء يرجوه ويتوسّل إليه باكياً لكي لا يقتله وبدأ يحدّثه عن والدته التي تركها وحيدة، مما أثار شفقته وقرر التراجع عن قتله منتقلاً إلى فريسة أخرى.

وبعد مضي ساعة سمع علاء صوت طفل يصرخ بفظاعة خلفه، كانت تحمله والدته محاولة تهدئته دون معرفتها سبب بكائه الغريب، وعندما التفت نحوه وجد ذلك الرجل الشبح يحوم حول الطفل محاولاً قتله ولمّا رأى ذلك بدأ يصرخ بصوت مرتفع ويقول: لاااااا لا تفعل ذلك لقد ذقت مرارة خسارة ابنتك، لا تذقها لغيرك.

وحينها بدأ الركاب يتوشوشون مع بعضهم البعض مستغربين من تصرّفه، معتقدين أنه يحدّث نفسه فظنّوا أنّه غير متزن عقلياً.

صمت الرجل الشبح لبرهة من الوقت، ثمّ أغمض عينيه اللتين ملؤهما السواد ثم تراجع عن فعلته، واتجه نحو علاء جالساً بجانبه وحدّثه بصوت مبحوح وقال: لا بد لي من الانتقام من اثنين من الركاب.


النهاية

تنهّد علاء يائساً من إقناع الرجل الشبح للعدول عن انتقامه، وبعد مرور الوقت سمع صوت كابتن الطائرة يقول عبر السماعة أن الوقت المتبقي للوصول إلى الوجهة هو ساعة ونصف فقط، قبل أن يغلبه النعاس ثانية وينام من جديد، وعند استيقاظه نظر إلى الساعة فوجد أن ما تبقّى للهبوط هو ربع ساعة فقط، وحينها وقف هلعاً للاطمئنان على ركاب الطائرة خوفاً من أن يكون نفّذ ذلك الرجل الشبح مزاعمه، فنادى المضيفة وسألها ما إذا كان جميع الركاب بخير، فأجابت بالإيجاب.

تنهّد علاء وجلس على مقعده مغتبطاً بعدول الرجل الشبح ع خطّته، وبعد دقائق ملأ الدخان متن الطائرة وأصبح كالضباب حتى طغت غشاوة سميكة على أعين الركاب جميعهم ومن بينهم علاء، وحينها ذهبت المضيفة مسرعة نحو قمرة القيادة تستطلع الأمر، حتى سمع الجميع صراخها فقد وجدت كابتن الطائرة ومساعده قد قُتلا، فيما سقطت الطائرة بعد أن اختلّ توازنها ومات جميع ركابها.