الفصل الأول: عائلة ثرية

في فرنسا داخل قصر كبير وفخم يُبهر كل من وقع نظره عليه كانت تعيش شابّة على قدر من الأنوثة والجمال اسمها فيكتورين، وبما أنها من سكان ذلك القصر الشاهق فهي تنتمي إلى أسرة عريقة ذات حسب ونسب، وذات مكانية اجتماعية مرموقة في المجتمع الفرنسي، لذلك كثيرًا ما كانت تُقام فيه الحفلات الجميلة بمناسبة ودون مناسبة والولائم التي تُدعى إليها الشخصيات المهمة ورفيعة المستوى.


في كلّ حفلة تُقام في القصر كانت الشابّة فيكتورين تكون كالملكة فيها بمظهرها الأنيق وبمجاملتها للجميع؛ فدائمًا ما تسير بين المدعوّين وترحّب بهم بابتسامة جميلة وتفتح معهم أحاديث جانبية بسيطة. وفي إحدى تلك الحفلات وبينما فيكتورين تسير وسط الناس لاحظت من بين الحضور شابًّا وسيمًا يبدو من مظهره أنّه لَبق ويُجيد فنّ الكلام ومحبوب أيضًا؛ إذ كان يقف وسط مجموعة من الأشخاص يتحدّث بحماسة وثقة والجميع يُنصت إليه باهتمام، فأثار في نفسها الفضول للتعرف إليه أكثر؛ فاقتربت فيكتورين منه وألقت التحيّة، ليردّ عليها بابتسامة مُصافحًا ومعرفًا بنفسه: اسمي جوليان بوسويه.


الفصل الثاني: زواج فيكتورين

جمعت فيكتورين بعض التفاصيل عن جوليان وعرفت أنه ليس من عائلة ثرية وعريقة مثل عائلتها، وكان موجودًا في الحفلة برفقة إحدى الشخصيات المهمة بصفة خاصّة هذه المرة فقط، لكن بعد انتهاء الحفلة تلك عاد جوليان إلى منزله وبقي يفكّر بأمر فيكتورين، وأمضى ليله كلّه وفكرة واحدة فقط تدور في ذهنه؛ لقد أحبّ فيكتورين من النظرة الأولى ويريد أن يتقدّم لخطبتها، لكن لم تسر الأمور كما رغب بها؛ فقد رفضته فيكتورين رفضًا قاطعًا كونه لا يرقى لمستواها الاجتماعي.


فضّلت فيكتورين على جوليان -الذي لم يستطع نسيانها بالرغم من رفضها له- شابّ آخر ثريّ اسمه رينيل يُشاركها الطبقة الاجتماعية نفسها، فلم تهتمّ لتفاصيل أخرى في اختيار شريك حياتها سوى المستوى المادّي والاجتماعي، فتزوّجت من رينيل هذا لكنّ حياتها معه كانت جحيمًا ولم تكن على مستوى طموحاتها؛ إذ اكتشفت أنه شخصّ فظّ وغليظ القلب، ويعاملها بقسوة وبطريقة سيئة باستمرار، فلم تحتمل فيكتورين الحياة تلك وأصابها مرض خطير أودى بحياتها، وتمّ دفنها في المقبرة القريبة من القصر الذي نشأت فيه.


الفصل الثالث: أغرب من الخيال

وصل خبر وفاة فيكتورين إلى جوليان وحَزِنَ حزنًا شديدًا، وعادت مشاعر الحبّ وتأججت في نفسه؛ فقرر الذهاب إلى قبرها ليحتفظ لنفسه بشيء من أثرها ويبكي على ذكرها، وبالفعل وصل جوليان في منتصف الليل إلى قبر فيكتورين وانهمرت الدموع من عينيه غير قادرٍ على حبسها، وفتح التابوت ليأخذ خصلة من شعرها، وهنا كانت المفاجأة؛ بدأ جسد فيكتورين يهتزّ بقوة ثم فتحت عينيها.


لجمت المفاجأة لسان جوليان، لكنه تصرّف بسرعة ورفع فيكتورين من التابوت ووضعها على الأرض بجانبه، ثم أغلق التابوت وأعاده إلى مكانه حتى لا ينتبه أحد لما جرى، ثم حملها بين ذراعيه وذهب بها إلى منزله لمداواتها، وبعد عدة أيام مكثت فيها في منزله استعادت صحتها شيئًا فشيئًا، وأدركت مقدار الحبّ الذي يُكنّه لها جوليان؛ فاتفقا على السفر إلى أمريكا دون أن يعلم أحد أنها ما زالت على قيد الحياة.


مرّ عشرون عامًا على استقرار جوليان وفيكتورين في أمريكا لكنهما لم يتزوجا، وفي العطلة الصيفية قررا الذهاب إلى مدينتهما الأحب التي عاشا فيها منذ طفولتهما ألا وهي باريس، وهناك تمّت دعوتهما إلى حفلة من أحد الأصدقاء، وبينما هما واقفان في الحفلة جمدت فيكتورين فجأة وهي تنظر إلى العينين اللتين تحدقان فيها وصاحبهما يقترب منها شيئًا فشيئًا؛ إنه زوجها رينيل الذي قال لها: إنّك تشبهين سيدة أعرفها، وأخذ يتأمل تفاصيلها كاملة علّه يتذكر من هي.


فزعت فيكتورين من كلامه، وقبل أن تستطيع الردّ بأي شيء كان قد وقع نظر رينيل على يدها اليُسرى وأثر الجرح الظاهر فيها، هنا تجمّد الدم في عروق فيكتورين؛ فهذا الجرح كان بسبب رينيل عندما كان يضربها، فصاح رينيل بصوت مرتفع: فيكتورين، إنّك فيكتورين، فلم يكن أمامها إلا الاعتراف بالحقيقة وكيف أنّ حب جوليان لها أنقذها، ولما سمع رينيل ذلك طلّقها ثم انصرف من أمامها، والآن أصبح بإمكان فيكتورين وجوليان الزواج، فزُفّت إليه وأقاما حفل زفاف كبير وأكملا حياتهما بسعادة وهناء.



ولقراءة المزيد من قصص الحب والرومانسية: قصة وشاء الهوى، قصة خريف العمر.