الفصل الأول: حقيقة أم خرافة؟

في قرية نائية من قرى البلاد يسكن عمر الشاب اليافع البالغ من العمر عشرين عامًا مع والده ووالدته في بيت ريفي يُنبئ الناظر إليه أنّ سكانه من الطبقة الكادحة التي بالكاد تقدر على تحصيل لقمة العيش، كان عمر الولد الوحيد لوالديه وثمرة عمرهما الذي قضياه معًا، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة لم يُكمل عمر دراسته واتجه للعمل كصبي مساعد عند العديد من أصحاب المهن والحِرَف.


بحُكم طبيعة عمل عمر والتقائه بمعظم أهالي القرية كان يسمع منهم الحكايات القديمة التي ما زالت تتناقلها الأجيال والتي لم يُعرف إلى الآن هل هي حقيقة أم مجرد خرافات حاكها الأقدمون، لكن حكاية واحدة بقيت تجول في خاطر عمر ولم تبرح تفكيره لا ليل ولا نهار؛ حكاية المقبرة التي تقع في الطرف الجنوبي من القرية، ولم يُدفَن فيها أحد منذ مئة سنة، فيُقال إنّ من يقترب منها تصيبه لعنة ولا يعود حاله كما كان، ومن يحاول دخولها يختفي أثره إلى الأبد، وقد اختفى منذ القِدَم عدد من الأشخاص دون أسباب واضحة، ولم يكن هناك تفسير إلا أنّ اللعنة قد أصابتهم.

الفصل الثاني: فتاة المقبرة

عاد عمر مساء يوم الأربعاء من عمله مُتعبًا ومُنهكًا، فاعتذر من والديه لعدم جلوسه معهما وذهب إلى غرفته فألقى بجسده على السرير وأبقى عينيه مفتوحتين تنظران إلى السقف. لم يكن عمر يصدّق أنّ تلك الحكاية التي سمعها عن المقبرة من الممكن أن تكون صحيحة إلى هذه الدرجة؛ فمنذ مدة طويلة لم يجرؤ أحد من أهالي القرية على الاقتراب منها، فما أدراه أنّ كل ما يُقال صحيح؟! فانتابه الفضول ليغوض أول مغامرة في حياته، لِمَ لا؟ وبينما هذه الأفكار تدور برأسه سرت في جسده رعشة خفيفة زادت من خوفه وحماسه في الوقت نفسه، ثم راح في نوم عميق وعلى شفتيه مرسومة ابتسامة التحدي.


أخذ عمر قراره بالذهاب إلى المقبرة لكنّه لم يُخبر أحدًا به، فبعد أن أنهى عمله يوم الخميس عاد إلى المنزل وبدّل ملابسه، وأخبر والديه أنّه يشعر بالملل ويريد أن يسهر مع صديق له هذه الليلة، فليطمئنا ولا يقلقان عليه. انطلق عمر صوب الجنوب حيث تقبع المقبرة التي تُحاك حولها الحكايات بخطى ثابتة، وكانت الساعة حينها تقترب من الحادية عشرة ليلًا، وبعد قرابة الربع ساعة من السير وصل عمر إلى المكان المنشود، ووقف أمام الباب المقفل بأقفال وسلاسل حديدية مدهوشًا، ولم يستطع أن يكذب على نفسه؛ فقد دبّ الرعب في قلبه وكاد يعود من حيث أتى، لكنه بقي يُذكّر نفسه بكلمات تشجيعية حتى لا يستسلم.


تقدّم عمر إلى باب المقبرة التي كانت تلتفّ بالسواد كأنها شبح كبير، وأغمض عينًا وأبقى الأخرى مفتوحة ينظر بها من أحد ثقوب الباب، فهاله ما رأى -بالرغم من الظلام الحالك- وأصابته الدهشة؛ فتاة طويلة بشعر أسود وطويل تجلس فوق أحد المقابر منحنية الظهر تنظر نحو الأرض فلم يتضح من معالم وجهها شيء، ولما لمحت عمر يراقبها استقامت من جلستها ورفعت رأسها ورمقت عمر بعينيها الجاحظتين، ثم فتحت فمها على آخره وانطلقت منها صرخة مُخيفة شعر عمر أنها هزّت القرية بأكملها، وقبل أن يستطيع التحرك من مكانه والهرب تيبّس جسد عمر بالكامل وشعر أنّ أنفاسه تكاد تتوقف ثم غاب عن الوعي لمدة لا يعلمها.

الفصل الثالث: اللعنة

استفاق عمر على يد والدته تضربه على وجهه ضربات خفيفة حتى يستعيد وعيه، ووجد نفسه مستلقيًا على سريره وحوله تقف الوالدة والوالد واثنان من أصدقائه المقربين، والجميع تبدو على وجهه نيّة توجيه سؤال واحد له؛ ما الذي حدث؟ لم يستطع عمر التحدث جيدًا وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة، وكانت جفونه تنطبق على بعضها دون وعي منه، وكان يشعر بأنّ حرارة جسمه تخطّت حاجز الأربعين من شدّتها.


فجأة سمع عمر صوتًا نفس صوت الصراخ الذي سمعه في المقبرة، وشعر أنّ الجميع اختفى من حوله فتكوّر على نفسه محاولًا إغلاق أذنيه حتى لا يسمع لكن بقي الصوت مسموعًا كما لو كان بجانبه، ولاحت في غرفته شرارة كهربائية أسفرت عن رؤيته لفتاة المقبرة مرة أخرى بالمشهد الذي رآها فيه أول مرة، فأغمض عينيه بشدّة وصرخ بأعلى صوت: النجدة النجدة، أرجوكم ساعدوني، لكن دون جدوى، ثم اختفى صوته، وبعد مدة ليست بقصيرة استيقظ عمر وحيدًا في غرفته مستلقيًا على سريره، وبقي شاخصًا بنظره نحو السقف عندما رأى جملة مكتوبة عليه بلون أحمر: "إياك أن تعاود الكرّة، ففتاة المقبرة لن ترحمك".



ولقراءة المزيد من قصص الرعب: قصة الوتد، قصة الرقم المجهول.