الفصل الأول: الشرارة الأولى

يعمل مُفيد صحفيًا في قسم الحوادث في إحدى الصحف المرموقة، وهو دائمًا ما يحلم بأن يقوم بسَبْق صحفي يلمع من خلاله اسمه في سماء الصحافة ويرقى به على سُلّمه، لكنّه لم يكن ليجد الشرارة الأولى التي ستوقد حماسه وشجاعته. وفي يوم من الأيام قاربت فيه الشمس على المغيب وبينما مُفيد جالس على مكتبه منهمكًا في إضافة لمساته الأخيرة على تقريره الذي سيُنشر غدًا دخل عليه زميله أحمد يُحدّث نفسه بصوت منخفض ويضرب كفًا بكفّ ويهزّ رأسه يمنةً ويسرةً.


سأل مُفيد زميله: ما بكَ تهذي مع نفسكَ بكلام غير مفهوم هكذا، ما الذي جرى؟ فأجابه أحمد: أخبرتني شقيقتي عن أمور غريبة وأضواء رأتها بأمّ عينها تخرج من البيت المهجور الموجود في الحي الذي نسكن فيه، وكأنّ الأشباح والعفاريت اتخذته مسكنًا لها وتُريد أن تُثير الرعب والخوف في قلوب السكان القريبين منه. ضحك مفيد ثم قال: أَتصدّق مثل هذه الخرافات يا رجل؟ عُد إلى عملكَ وانسَ ما سمعت، فردّ أحمد في شرود: هذا عالم حقيقي وموجود يا مُفيد لا تستهِن به.


سكت مُفيد برهة ثمّ ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة؛ لقد لمعت في رأسه فكرة خطيرة لو استطاع تنفيذها ستشكّل بالنسبة له الخطوة والشرارة الأولى التي سعى إليها طويلًا وسيبدأ السعي في طريق النجاح والشّهرة، فأخبر زميله أحمد قائلًا: سأُثبت لك أنّ ذلك كلّه مجرّد أوهام يتخيلها الناس ولا أساس له من الصّحة؛ سأقضي ليلة كاملة فيما تسمّونه بيت الأشباح هذا. ففتح أحمد فاه مندهشًا ممّا سمع، وحاول أن يُثنيه عن قراره لكن دون جدوى.


الفصل الثاني: بيت الأشباح

في تمام الساعة التاسعة مساء كان مُفيد يقف أمام باب بيت الأشباح وفي يده حقيبة صغيرة كان قد جهّزها بكشّاف صغير وببعض المأكولات الخفيفة ليسدّ بها رمقه في ليلته التي سيقضيها هنا، واستجمع قواه وشجاعته وفتح الباب ودخل إلى البيت بهدوء، ثمّ دلف إلى غرفة الجلوس وبدأ يُحدّق في كل شيء؛ الأبواب والستائر والنوافذ، وفي الحقيقة سرت في جسده رعشة خفيفة وأحسّ بالخوف لوهلة.


بعد أن أنهى مُفيد جولته السريعة في بيت الأشباح عاد إلى غرفة الجلوس واختار أريكة مقابل النافذة وجلس عليها دون أن يفعل شيئًا، ومرّت ساعات ثقيلة عليه شعر فيها بالخوف والقلق، حتى اقتربت الساعة من منتصف الليل؛ فسمع صوتًا فوق رأسه كمن يدقّ بإصبعه ويصفّق بكفّيه، وبالرغم من كل الأفكار التي تجمعت في رأسه في هذه اللحظة والمشاعر التي أحسّ بها إلا أنّه استجمع قواه وصار يتلفّت حوله باحثًا عن أي شيء على ضوء كشّافه الصغير.


هدأ الصوت بعد فترة ولم يعرف له مُفيد مصدرًا، وعندما قاربت الساعة على الواحدة والنصف بعد منتصف الليل سمع صوت خطوات مشي عند الباب الخارجي، فنهض إلى النافذة وأزاح الستار ليرى مَنِ القادم إلى البيت لكنّه لم يرَ أحدًا، فأغلق النافذة جيدًا ثم عاد إلى مكانه وراح في غفوة لم تتجاوز النصف ساعة، بعدها استيقظ وَهَمَّ واقفًا يريد الذهاب إلى الحمام، لكن قبل أن يتحرّك من مكانه رأى الستائر تتحرّك بعنف وكأنّ تيارًا هوائيًا قويًا أصابها مع أنّ النوافذ محكمة الإغلاق.

كان مُفيد في موقف لا يُحسَد عليه وكل معتقداته بعدم وجود الأشباح انهارت أمامه في لحظة، لكنّه حاول أن يستعيد رباطة جأشه وبدأ يتمتم لنفسه بكلمات تشجيعية: لا تخف يا مفيد أنت شجاع وقوي، تذكّر أنّك ستصبح نجمًا من هذه اللحظة، بعد ذلك قال مفيد بصوت عالٍ دون أن يوجّه نظره لمكان معيّن: أيتها الروح الشريرة أو الأشباح أخبريني ما الذي تُريديه، لم يسمع مفيد أية إجابة لكنّه وجد ورقة أمامه مكتوب عليها: أنصحكَ بالاعتقاد بوجود الأشباح!!!


الفصل الثالث: السبق الصحفي

كانت خيوط الفجر قد قاربت على الانجلاء عندما جلس مُفيد على الأريكة مرة أخرى والورقة بين يديه محاولًا تفسير ما جرى واستيعابه، وبينما هو شارد يفكّر أحسّ بشيء خفيّ يمرّ على ظهره ثمّ سمع صوتًا كطنين ذبابة كبيرة تلاه صوت صرير باب، فتطلّع ناحية الصوت وفرك عينيه جيدًا ليرى مقبض باب بيت الأشباح يتحرّك كما لو كانت يد إنسان تحرّكه، ثم انفتح الباب قليلًا وساد السكون في المكان، فاستغلّ مفيد هذه اللحظة وخرج من البيت مسرعًا ثمّ توجّه إلى مكتب عمله ليسجّل كلّ ما جرى معه في ذلك البيت المسكون ويحقق السبق الصحفي الذي أراده، فأصبح الصحفي مُفيد حديث الناس بليلته التي قضاها في بيت الأشباح.