الفصل الأول: ابن التاجر
في السوق وبين المحلات التجارية كان يجلس ابن أحد التجار على قارعة الطريق يُفكّر بحاله بعد أن أضحى مفلسًا؛ فقد كان يستمتع بتبذير المال هنا وهناك دون أن يفكّر أو يحسب حسابًا أن تبذيره ذلك وعدم إدارته الحكيمة للأمزال ستجعله دون مأكل ومشرب، وسينتهي به المطاف هكذا يجوب السوق بحثًا عن أحد يمكن أن يشغّله عنده كعامل، ثم يجلس على الرصيف خائبًا.
وفي يوم من الأيام وبينما كان ابن التاجر كعادته يجلس بين المحلات دخلت إلى السوق عربة فخمة ومذهّبة خطف بريقها الساطع الأنظار، وعليها يجلس تاجر تبدو عليه علامات الثراء والفحش والغرور، وما إن رآه رجال السوق حتى هاجوا وماجوا وأخذ كل واحد منهم يختبئ في مكان خشية أن يراه التاجر، ولم يبقَ واقفًا في السوق سوى صاحبنا ابن التاجر الذي بدت على وجهه أمارات الدهشة بوضوح.
الفصل الثاني: حياة بذخ
اقترب التاجر الغني من ذلك الشابّ -أي ابن التاجر- وقال له: هل تبحث عن عمل أيها الرجل؟ تردد الشاب ثم قال: نعم، فردّ التاجر: حسنًا سأشغلك عندي، لكن بأي سعر ترغب؟ سكت الشاب ثم قال: مئة في اليوم الواحد ستكون كافية بالنسبة لي، قال التاجر: ولمَ كل هذا؟ فقال الشاب: إن كنت ترى أن هذا المبلغ كبير فابحث عن أحد غيري، لكنك لن تجد؛ فقد كان الناس متجمعين هنا ولما رأوك هربوا، ردّ التاجر ردًا مقتضبًا: تعال غدًا إلى المرفأ.
في صباح اليوم التالي وصل الشاب ابن التاجر إلى المرفأ ووجد التاجر الغني بانتظاره، رحبا ببعضهما بعضًا ثم ركبا إحدى السفن التي يملكها التاجر وأبحرا وسط البحر مدة طويلة كان الصمت خلالها سيّد الموقف، حتى اقتربا من جزيرة كبيرة بدت عليها الجبال عالية، وبدا من وسطها شيء ضخم كأنه يحترق، فقال الشاب: هناك شيء يلوح يشبه النار، فقال التاجر: لا، هذا قصري الذهبي، فتعجب الشاب وبقي صامتًا.
نزل الشاب والتاجر من السفينة إلى الجزيرة بعد أن رست عند الشاطئ، وما إن وطئت قدماهما الأرض حتى جاءت من بعيد زوجة التاجر وابنتهما الشابّة ذات الجمال الفاتن، ورحبتا بالشاب ثم اتجهوا جميعًا إلى القصر، وكانت المائدة قد حُضّرت بما لذّ وطاب من مختلف الأطعمة، فجلس الجميع وأخذوا يأكلون بكل سرور وفرح، وبعد الانتهاء من تناول الطعام قال التاجر موجهًا كلامه للشاب: دعنا نستمتع اليوم ونمضي وقتًا جميلًا، ونبدأ العمل من يوم غد.
الفصل الثالث: جبل الذهب
كانت ابنة التاجر معجبة بذلك الشاب، وأعطته دون أن يراها أحد محكّ الذهب وحجر الصوان، علّه يحتاجهما يومًا، فشكرها ثم ذهب مع والدها إلى جبل الذهب، ولما وصلا إليه قال الشاب: من الصعب تسلق هذا الجبل الضخم، فقال التاجر: حسنًا، سنشرب نخب الشجاعة، وأعطى الشاب القليل من الشرب الذي لم يكن سوى منوّم، فغطّ في نوم عميق، وبينما هو نائم أخرج التاجر من جيبه سكينًا حادة وقتل حصانًا كان موجودًا في المكان، ثم فتح بطنه ووضع الشاب فيه ومعه مجرفة، بعد ذلك أخاط جلد الحصان وجلس هو بين الأشجار.
جاءت غربان سود منقارها من حديد تحلق فوق الحصان الميت الذي يقبع الشاب المسكين داخل بطنه، ثم حملته ووضعته أعلى جبل الذهب وبدأت بالتهامه وكانت على وشك أن تبدأ بالتهام الشاب، الذي سرعان ما استفاق وأبعد الغربان من أمامه وصاح: أين أنا؟! ردّ عليه التاجر من الأسفل وقال: أنت على جبل الذهب، هيّا خذ المجرفة واحفر بحثًا عن الذهب، وبالفعل بدأ الشاب يحفر بجدّ وعزم، حتى استخرج الكثير من الذهب، وكان يدحرجه إلى التاجر في الأسفل، الذي أخذ يضعه في العربات.
بعد أن ملأ التاجر عربات كثيرة بالذهب صاح بالشاب وقال: يكفي هذا، شكرًا لك على مساعدتك، وداعًا، فقال الشاب: وأنا كيف سأنزل؟ رد التاجر بتعجرف: قضى قبلك تسع وتسعون شخصًا نحبهم، وستكون أنت الرقم مئة، ثم غادر المكان تاركًا الشاب حائرًا وحده، فجلس التاجر يفكر ما الذي يجب عليه فعله، لا يملك وسيلة للنزول من أعلى الجبل، وبقاؤه يعني موته، والغربان تحوم حوله وكأنها تتهيأ لالتهامه.
فجأة تذكر الشاب محك الذهب وحجر الصوان اللذين أعطتهما له الفتاة الحسناء ابنة التاجر، آملًا أن يستطيع الاستفادة منهما، فضرب الحجرين ببعضهما، وإذ برجلين قويين يقفان أمامه ويقولان له: ما هي أمنيتك؟ ما أوامرك؟ اندهش الشاب كثيرًا ثم قال: أنزلاني إلى الشاطئ، وبالفعل كان له ما طلب، ولما نزل إلى هناك رأى مركبًا فيه مجموعة من البحارة فصاح وأشار إليهم ليأخذوه معهم، فساعدوه وأعادوه إلى بلدته.
مر وقت طويل وعاد ذلك الشاب إلى السوق يحمل مجرفته باحثًا عن عمل، ومرة أخرى جاء الرجل الغني باحثًا عمن يعمل عنده، فذهب معه الشاب وجرى كما جرى في المرة الأولى، لكن قبل الصعود إلى الجبل كان الشاب قد جهز نبيذًا وخلط معه منوّمًا وقدمه للتاجر الغني الذي ما إن شرب منه حتى راح في نوم عميق، فردّ له الشاب ما فعله به سابقًا ووضعه في بطن الحصان وحملته الغربان إلى جبل الذهب، فأخذ يحفر حتى ملأ الشاب اثنتي عشرة عربة من الذهب، وعاد إلى القصر الذهبي وتزوج من ابنته الجميلة وعاد معها إلى بلدته بعد أن حصلت على كل ما يملك والدها، وبقي التاجر وحيدًا ينتظر حتفه.
ولقراءة المزيد من القصص الخيالية: قصة خطأ مخترع، قصة حورية الأعماق.