جريمة على العشاء

يملك جابر العديد من شركات استيراد اللحوم في مدينته، والتي تعتبر من أكبر الشركات المنافسة لمن حوله، والتي تضخ له الكثير من الأموال شهرياً هو وزوجته حنان اللذين تزوجان منذ سنتين.


في مساء يوم الاثنين من كانون الثاني أقام جابر وليمة عشاء في منزله بمناسبة افتتاحه فرعاً جديداً لشركته، حيث قام بدعوة كبار رجال الأعمال وزوجاتهم، وعندها أصرّت زوجته حنان على دعوة سعيد صاحب أكبر متاجر للألماس ومحلات الأسلحة، والذي كان زوجها لا يستلطفه أبداً وكأنّ ثمة ثأر بينهما، وفي اليوم الموعود وفور وصول الضيوف استقبلتهم حنان مرحّبة بقدومهم مرتدية فستاناً أسود قصيراً وعقداً من الألماس زيّن صدرها وسط انبهار النساء بجماله، وحينها حدّقت مروة إحدى زوجات الحضور به وقالت: أووه، كم هو فريد لا بدّ من أنّه غالي الثمن.

أمسكت به حنان مُتبسّمة وقالت: لقد اشتر...

فقاطعها جابر وقهقه متهكّماً: هه، لقد أخبرتني أنّها دفعت ما ادّخرته طوال حياتها ثمناً له.

فيما تبدّل لون سعيد الذي نظرت له زوجته بشكّ ثم أدارت نظرها لحنان، التي ابتسمت ابتسامة صفراء وتملّصت من الموقف بدعوة الحضور إلى العشاء، جلس الجمع لتناول الطعام فيما ظلّ جابر يتفاخر بإنجازاته أمامهم، ويتحدث بغرور وازدراء محاولاً لفت أنظار الجميع لقوته وجبروته، وكان كلما جاء الطبّاخ عزمي لإحضار الطعام إلى سفرة العشاء يسخر منه أمام الجميع محاولاً إضحاكهم، مما جعل وجهه يحمرّ غضباً وإحراجاً كونه لا يقوى على ردّ إهانات سيّده تلك، وذلك في سبيل لقمة عيشه.


تبادل الحضور أطراف الحديث حتى تصادم جابر وسعيد في آرائهما، ووصل الأمر أن اندلعت مشاجرة كبيرة بينهما ممّا جعل جابر يقوم بطرد سعيد أمام الجميع وسط ذهول الحضور من تصرفه، فيما خيّم السكون لبرهة، إلا أنّ جابراً لم يكترث وأكمل حديثه كأن شيئاً لم يكن، ممّا جعل زوجته تحدّق به غاضبة من ما فعله ملتفتة نحو ضيوفها معتذرة منهم، وفي تلك الأثناء كانت الخادمة سهيلة تسترق السمع وتتلصّص من وراء الباب وهي منذهلة من تصرف جابر الذي كان يتحدث أكثر ممّا يأكل دون الاكتراث للمشاكل من حوله، بينما كان الطبّاخ عزمي قد انتهى من تحضير الطعام وعاد إلى منزله.


كانت عقارب الساعة تمضي نحو الثانية عشرة بعد منتصف الليل حين همّ الحضور بالانصراف شاكرين جابر وزوجته على الوليمة، وخلال ذلك جاءت الخادمة سهيلة أمام الجميع والارتباك بادياً على وجهها وطلبت من حنان مغادرة المنزل على الفور والمبيت مع والديها، ممّا سبب لحنان الإحراج أمامهم فسمحت لها بالمغادرة مُتبسّمة،

ثم قامت زوجة أحدهم بسؤال حنان قائلة: لماذا لا تعيش تلك الخادمة معكم لتقوم بمساعدتك بشكل يومي؟

قالت لها حنان: تبقى سهيلة في منزلنا خمسة أيام في الأسبوع، ثم تعود إلى منزل ذويها يومي الجمعة والسبت، لكن لا بد وأنّها مضطرة للمغادرة اليوم.

وبعدما انصرف جميع الحضور من المنزل بعد أن ودّعوا الزوجين نظرت حنان إلى سفرة العشاء ثم اقتربت منها وقالت: أوف، من سينظّف هذا كلّه بحق السماء، آهٍ منكِ يا سهيلة لقد تعوّدت عليكِ، لن أنظّفها.

تمتم جابر مع نفسه قائلاً: لا يليق بكِ الدلال.

وبعد دقائق جاءته قائلة: سأصعد للاستعداد للنوم لقد تعبت طوال اليوم.


في تمام الساعة الثانية فجراً تلقّت السلطات الأمنية اتصالاً من حنان وهي منهارة تخبرهم فيه بأنّها وجدت زوجها متوفياً في غرفة الجلوس، وعند وصول الشرطة كشفت عن جثة جابر وقاموا بأخذه إلى الطب الشرعي لتشريحه، ثم باشروا بالتحقيق معها، فأخبرتهم عن تلك الوليمة التي أقاماها قبل عدّة ساعات.

بقي النقيب أسامة في منزلها يحقق معها حتى ظهور نتيجة التشريح، فأخبرته وهي في حالة يرثى لها: فور انتهاء العشاء أخبرته بأنني متعبة، فصعدت واستعددتُ للنوم، ثم استيقظت بعدها بساعتين والتفتُّ حولي فلم أجده بجانبي، فنزلت إلى غرفة الجلوس للبحث عنه لأتفاجأ بوجوده ملقى أرضاً، فاتصلت بالمركز الأمني لإخبارهم بذلك، وقبل أن تكمل حنان حديثها رنّ هاتف أسامة باتّصال يفيد بأنّ نتائج التشريح أظهرت أنّ جابراً قد مات مسموماً!، ولمّا سمعت حنان ذلك لطمت وجهها منهارة على وفاة زوجها، وبدأت ترتعش برداً من رأسها إلى أخمص قدميها، فاتّجهت نحو غرفتها مرتديةً معطفاً فوق فستانها ثم عادت مولولة: آخ.. لقد كان يخبرني دوماً بشعوره بدنو أجله.


في تلك الأثناء قامت الشرطة بأخذ عيّنات من الطعام الذي كان ما زال موجوداً على طاولة العشاء، وقاموا بإرسالها إلى المختبر لتظهر النتائج بأنّ طعام جابر فقط، هو من احتوى على السمّ على خلاف أطباق الضيوف الأخرى، فباشروا باعتقال المدعوّين إلى العشاء، ومع بدء التحقيقات أفاد الشهود بتلك المشاجرة التي وقعت بين سعيد وجابر في الليلة الماضية، ممّا أدى للتحقيق مع سعيد غير أنّه بدا غير متزن عندما بدأ التحقيق معه، وأجاب النقيب أسامة على أسئلته رافعاً حاجبيه وقال: أوه لقد تم طردي قبل إكمال طعامي، فكيف لي أن أضع السم في طبقه؟.

حدّق النقيب أسامة النظر به وقال: ممم.. لا بدّ أنك اتفقت مع أحدهم على ذلك بعد أن قام بطردك.

نظر له سعيد بغطرسة وكبر: لو كنت أُريد قتله لفعلتها قبل سنوات من الآن.

غضب النقيب من أسلوبه الفظّ، واستطرد التحقيق معه منتقلاً إلى الطبّاخ عزمي، بعد أن أفاد الحضور بمعاملة جابر السيئة له أمامهم ليلة أمس، وعندما بدأ التحقيق كان عزمي يرتجف ملتفتاً حوله، حتى سأله النقيب أسامة: من صنع الطعام في وليمة العشاء ليلة أمس؟

بلع عزمي ريقه متحاشياً النظر إليه: اااه.. أنا من صنعه يا سيّدي.

صمت أسامة لبرهة من الوقت وحكّ ذقنه وقال متذاكياً: ولماذا وضعت السم في طعام جابر؟

أنكر عزمي تلك التهمة الموجهة له، حتى وقف أسامة غاضباً وطرق الطاولة بيده وقال: لا أحد يعدُّ الطعام غيرك، كما أنّ جميع من كانوا في العشاء شاهدوك غاضباً بعد إهانة جابر لك.

بقي عزمي مصرّاً على موقفه في إنكار التهمة الموجهة له رغم توتره، حتى انتقل النقيب إلى الخادمة سهيلة وبدأ التحقيق معها قائلاً: لقد أفاد الحضور وصاحبة المنزل أنك قمتِ بطلب المغادرة فور استعداد الضيوف للرحيل والقلق بادٍ على وجهك، على الرغم من أن يوم الاثنين هو يوم مبيتك في منزلهم.

تلعثمت سهيلة وأصبح وجهها يحاكي الزعفران اصفراراً وقالت: ننننعم يا سيّدي، لقد أخبرني خطيبي أحمد بضرورة المجيء على الفور.

نظر لها وقال مُتهكّماً: ممم ما هذه الصدفة! وماذا كان يريد منك؟

قالت: لقد طلب رؤيتي لمفاجئتي بهدية ما.

لم يقتنع أسامة بكلامها حيث شعر بأن شيئاً ما فاح من عباراتها يشير إلى أنها القاتلة، لكن التحقيق استمر عدّة أيام وأصابع الاتهام ما زالت تحوم حول أكثر من شخص.


عقد ألماس

وفي مشهد آخر...

كان النقيب أسامة جالساً في مكتبه، فيما بدأ يتثاءب من أثر التعب والإجهاد الناتجين عن التحقيق في قضية قتل جابر حتى استلقى على كرسيه منهكاً، وفجأة شهق وخبط جبينه بكفّ يده، وكأنه وجد خيطاً ما أوصله للقاتل محدثاً نفسه: أوقف، أينام أحدٌ بفست...

خرج أسامة مسرعاً مستقلاً مركبته لمواجهة أحدهم بالحقيقة، لكن في صباح اليوم التالي تلقت الجهات الأمنية بلاغاً بوجود جثة على الطريق العام، تبيّن عند الكشف عليها أنّها تعود لأسامة بعد أن اخترقت رصاصة جسده فأودت بحياته.

ويبقى السؤال...

إلى أين اتجه أسامة في الليلة الماضية؟

ومن له مصلحة مشتركة بقتله بسلاح ناري؟