دفع الثّمن

قدّمت نهلة الوريثة الوحيدة لوالديها فرصة لذلك الشاب الفقير الذي يدعى صهيب بعد أن أحبّته ونشلته من وضعه المأساويّ إلى حياة الرفاهية والغنى، وذلك عندما تزوجته منذ سنوات وأوصته على أملاكها، ممّا جعله كثير الاهتمام بها ساعياً لمفاجأتها بشكل مستمر.


الشال المُنقّط

في أحد الأيام قام صهيب بمفاجأة نهلة بطقم مجوهرات من الألماس بالإضافة إلى شال مُنقّط باللون الأصفر كانت قد رأته في أحد المجلات العالمية، مما جعله يشتريه لها من خارج البلاد ليفاجأها به تعبيراً عن امتنانه لها، وفي صباح يوم الأربعاء تفاجأت الخادمة وفاء عند دخولها إلى المنزل بوجود صهيب مع دانة صديقة نهلة المقربة في المنزل وحدهما، مما أدى إلى ارتباك صهيب، فقال لها متلعثماً: لقد جاءت دانة لزيارة نهلة لكنها لم تجدها، حيث أنها كانت ستغادر حالاً.

في حين دخلت دانة مرتبكة لأخذ معطفها وحقيبتها من غرفة نوم صديقتها نهلة، وخرجت مسرعة من المنزل دون التفوّه بكلمة أمام الخادمة.

وأثناء خروجها من المنزل تفاجأت بوجود ابنتها المراهقة ماريا أمامه، والتي كانت قد تركتها مع جدتها منذ ولادتها لها رافضة العيش معها، مما جعل تلك الجدة تستاء من تصرفات ابنتها، وعند رؤيتها قالت لها بغضب: ألم تيأسي من ملاحقتي في كل مكان أذهب إليه؟

بدأت ابنتها ماريا بالبكاء وقالت لها: سأبقى ألاحقك حتى تقبلين أن نعيش سوياً كعائلة واحدة كبقية صديقاتي.

غضبت دانة واقتربت منها مهددة لها وقالت: إذا لم تكفّي عن مراقبتي فسوف أنتقم منك.

صرخت ابنتها ماريا في وجهها وقالت لها باكية: آآه، ألا يكفي أن أبي توفي بعد أن أُصيب بذبحة صدرية إثر خيانتك له! بل ورفضتي الاعتناء بي فور ولادتك لي. 

احمرّ وجه دانة غضباً مما سمعته من ابنتها ممّا دفعها لصفعها ورحيلها بعيداً، فيما قالت ماريا بعينين دامعتين وخدّ محمر إثر الصفعة: أتدرين! لم تخطئ جدتي يوماً عندما تبرّأت منك، وقررت تركك وحدك.


جلست ماريا على الرصيف باكية ساعة وثلث وحدها، فيما كان صهيب يُقنع الخادمة وفاء بعدم إخبار زوجته نهلة بما شاهدته بإعطائها مبلغاً من المال ثمن سكوتها وأخبرها ألا تأتي بعد هذا اليوم للخدمة في منزلهما، وما كان لها إلا أن وافقت على طلبه.

بعد ساعة وثلث جاءت نهلة إلى المنزل، وعند دخولها تفاجأت بوجود صهيب وقالت له بتعجّب: أراك في المنزل يا عزيزي، ما الذي أتى بك مبكراً؟!

ارتبك وقال لها مبتسماً: لقد انتهيت من عملي مبكراً وجئت إلى المنزل.

قالت له نهلة: لما لم تتصل بي وتخبرني بذلك! لكنت ألغيت موعدي مع مصفف الشعر وجئت فوراً.

اقترب صهيب منها وقال: أووه، منذ الأمس وأنتِ متحمسة لذا الموعد، لذلك لم أرغب بإزعاجك.


ابتسمت له نهلة ثم دخلت إلى غرفتها، وفي صباح اليوم التالي بقيت نهلة تنتظر قدوم الخادمة وفاء لكنها لم تجيء على غير عادتها، ممّا أثار استغرابها ودفعها للاتصال بزوجها صهيب وأخبرته بذلك، والذي أجابها متردداً: لقد اتصلت بي منذ قليل وأخبرتني أنها تريد ترك العمل في منزلنا كونها أصبحت كبيرة بالسن، غير قادرة على العمل.

استغربت نهلة وبدأت بتنظيف المنزل بنفسها لحين عودة زوجها من عمله، وفور دخوله استلقى على الأريكة في غرفة الجلوس حتى وقع نظره على الطاولة والتي وجد عليها أحد أقراط عشيقته دانا، فقام مسرعاً بتخبئتها قبل أن تراها زوجته، واتجه خارج المنزل للاتصال بها وإخبارها بما وجد، وحينها قالت له مستغربة: نعم، لقد أسقطته في غرفة النوم عندما دخلت لأُحضر حقيبتي ومعطفي لمّا رأتنا الخادمة، ولم أستطع البحث عنه جيداً لعجلتي في أمري، كما أنني لم أستطع إخبارك بذلك خوفاً من أن ترى زوجتك اتصالي بك.


صُدم صهيب من حديثها وقال لها: ماذا! لقد وجدته على الطاولة في غرفة الجلوس.

شهقت دانا وقالت له: يا إلهي! لا بد من أن نهلة هي من وضعته، كوني متأكدة من سقوطه في غرفة نومكما.

بلع صهيب ريقه وسرت القشعريرة في جسده وقال: هل هذا يعني أنها اكتشفت خيانتي!

صمتت دانا لبرهة من الوقت ثم قالت له: إن أقراطي هذه جديدة ولم ترني نهلة أرتديها من قبل، لكن لكي تتخلص من شكوكك سأُعطيك القرط الآخر لتهديه لها وتخبرها بأنك أحضرته لها، وقد سقط أحدهما منك ليلة أمس في الغرفة.


القرط

وفي صباح اليوم التالي ذهب الزوج الخائن مبكراً لأخذ القرط من عشيقته، وفور عودته إلى المنزل قام بتقديمه كهدية لزوجته نهلة ثم قال لها: لقد أحببت أن أفاجئك بتلك الأقراط ليلة أمس لكنني أضعت أحدهما في مكان ما، حتى وجدته على الطاولة في غرفة الجلوس.

ابتسمت نهلة وقالت: اوووه كم هو جميل، بالفعل لقد وجدت أحدهما في غرفة النوم يوم أمس، واعتقدت أنه سقط من الخادمة وفاء لذلك وضعته على طاولة غرفة الجلوس.

أغمض صهيب عينيه متنهداً وقال: أوووف، أرجو أن يكون قد أعجبك.

بعد مرور أسبوع دخل صهيب إلى المنزل والفرحة على وجهه ثم قام بنداء نهلة متحمساً وقال: لقد نجح مشروعي الخاص الذي كنت أعمل من أجله منذ أشهر، حيث يعتبر ذلك أول مشروع لي أقيمه في سوق العمل من مالي الخاص.

بدأت نهلة بالبكاء فرحاً وقالت له: حبيبي.. أفتخر بك كثيراً.

اقترب صهيب منها وأمسك يدها وقال: لن أنسى ثقتك بي، وتسليمي شركاتك وأموالك الخاصة، ولهذا أعدك بأن مشروعي الجديد لن يُلهيني عن إدارة أموالك.

ابتسمت له نهلة وقالت: لا تقلق إنني أثق بك.


الانتحار

ومع حلول صباح اليوم التالي كان صهيب مُتجهاً نحو مشروعه الجديد، وفي الطريق تلقى اتصال يخبره بأن مستودعات شركته الجديدة قد حُرقت، وعندما وصل إلى موقع الحادثة شاهد النيران تلتهم تلك المستودعات والبضائع بداخلها حتى أصبحت رماداً.

وبعد رؤيته لتلك الكارثة انهار باكياً بعد ضياع حلمه الذي كان يعمل من أجله منذ أشهر، وما كان له إلّا أن يذهب إلى منزل عشيقته دانة وهو يجر أقدامه خلفه جرّاً ليخبرها بما حصل معه، وعند قرعه الجرس تفاجأ بوالدتها تفتح له باب المنزل وهي تبكي بحرقة، وعندما سألها عن السبب أجابته منهارة وقالت: لقد عثرت الشرطة على دانا منتحرة في منزلها، آآخ آآخ، أنا المسؤولة عن ذلك، لو أنني لم أسمح لها بالعيش وحدها لما كان وصل بها الحال بأن تصاب بالاكتئاب وتنتحر وحيدة.

بقي صهيب صامتاً دون التفوّه بكلمة حتى كاد قلبه يهوى بين ضلوعه ثم خرج مُسرعاً وهو يبكي على وفاتها، أمّا والدة دانة فدخلت إلى غرفة ابنتها لتحتضن الذكرى الأخيرة التي بقيت منها، واحتضنت ذلك الشال الأصفر المُنقّط الذي انتحرت به.