الوالي المُقنّع

تعاني قرية الحصّادين من رعب شديد بين أهلها بسبب ظلم الوالي الذي يحكمهم، والذي يعيش في قصره البعيد الذي يقع في أقصى طرف القرية، ولبعد القصر عن منازلهم كان ذلك يشعرهم بالقليل من الاطمئنان.


الفصل الأول

منذ أن تسلّم الوالي منصبه قبل سنوات شاع بين أهل القرية أنه يستخدم قناعاً خاصاً يجعله يتخفّى ويتجوّل في السوق بينهم، غير أنّ أحداً لم يرى وجهه مطلقاً طوال حياته ويقال أيضاً أنه لا يتكلم مع أحد حتى مع حرّاسه الشخصيين إلا بواسطة مساعده الخاص الذي يدعى سليمان.

كان ذلك الوالي ظالماً وطاغياً يجبر أهل القرية على إعطائه محاصيلهم الزراعية التي يحصدونها كل موسم من أراضيهم الخاصة دون أن يتجرؤون على الاعتراض، أو الاقتراب حتى من قصره، كما كانوا دائمي الترقّب من حولهم خائفين من حرّاس الوالي لكي لا ينقلوا أخبارهم له.


الفصل الثاني

في يومٍ ما عاد عادل إلى القرية ذلك الشاب الذي ذهب إلى المدينة منذ سنتين ليعمل ويعيل والدته وأخته، وفور عودته استقبله أهل القرية بحفاوة وأقاموا له الولائم احتفالاً به، وبعد انتهاء الحفل اجتمع مع كبار رجال القرية في القهوة، وذلك ليخبرهم بمشروعه الجديد الذي عاد من المدينة خصيصاً لإنشائه بالقرية لتحسين مستوى معيشتهم جميعاً، وعندما سمعوا ذلك قال له أبو ماهر أحد مزارعي القرية: بوركت والله..لكن ما هو مشروعك يا عادل؟

قال له: أثناء عملي في المدينة رأيت أجهزة تساعد على توليد الطاقة والكهرباء من المياه الجارية، وكون الماء يتوفّر في قريتنا بكثرة قررت أن أشتري من تلك الأجهزة من المدينة لتطبيق ذلك المشروع في قريتنا، فتتحسّن معيشتنا جميعاً.

هزّ رجال القرية رؤوسهم مرحبين بمشروع عادل ثم قال زهران صاحب القهوة: اووه كم هي فكرة ذكية، وفي الوقت ذاته ستمتلئ قريتنا بالأضواء.

اقترب منهم الحلّاق أبو فواز وقال: وسيقوم كل واحد منا بإعطاء عادل مبلغاً شهرياً ثمن تلك الكهرباء.

وافق أهل القرية على ذلك، لكن أبا ماهر أوقفهم وقال: هيه، ماذا لو رفض الوالي ذلك المشروع!

عمّ الصمت على الجميع ثم قال عادل: وما علاقة الوالي بذلك، ألا يكفيه أخذ محاصيلنا!

بدأ رجال القرية يحدّقون به لكي يصمت؛ خوفاً من أن يسمعه حرّاس الوالي أو أن يكون مُتخفّياً بينهم، وبعد تفكير ومشاورة أبدوا موافقتهم وشجّعوا عادل للبدء بتنفيذ مشروعه.


بدأ عادل بعد أيام بتركيب المولّدات على مجاري الأنهار ولعيون، واستمر في ذلك عدّة أشهر، وبعد تلك الفترة بدأ مشروعه يرى النور حتى ملأت القرية الأضواء، وبالإضافة إلى التزام أهلها بإرسال النقود شهرياً لعادل مقابل هذه الخدمة، وسّع عادل مشروعه حتى عمّ القرية المجاورة، وعندما وصل الخبر إلى الوالي بأن أحدهم يكسب النقود دون علمه أمر حرّاسه بالاستيلاء على تلك الأجهزة المولّدة وإجبار أهل القرية بدفع الأموال له بدلاً من عادل، ولمّا وصل الخبر إلى أهالي القرية لم يتجرأ أحدهم على الاعتراض، بل قاموا بإرسال النقود للوالي مع حرّاسه دون التفوّه بكلمة، بينما عادل الذي رأى ذلك الظلم قام بالاعتراض رافضاً تصرّف الوالي، حتى بدأ يجول في أرجاء القرية بين أهلها ويدعوهم للثورة ضده، وكان كلما اقترب للحديث مع أحدهم أدار رأسه عنه محدّقاًّ به لكي يصمت خوفاً من أن يسمعهم حرّاسه.


الفصل الثالث

وحينما وصل الخبر إلى الوالي أمر حرّاسه باعتقال عادل في منتصف الليل دون أن يراهم أحد من أهل القرية، فيما استمر أهالي القرية بالذهاب إلى أعمالهم يومياً دون ملاحظة شيء، حتى قام صاحب القهوة زهران بافتقاده فهو لم يظهر منذ أيام على غير عادته، ممّا جعله يذهب إلى منزله للاطمئنان عليه، وبعد طرق الباب لم يفتح له أحد ممّا أثار استغرابه، فذهب مسرعاً إلى أبو ماهر لإخباره بذلك، حيث قررا كسر الباب والدخول للاطمئنان عليهم، وبعد أن قاما بذلك وجدا والدة عادل وأخته قد توفيتا خنقاً إلى جانب المدفئة، تحلّق رجال القرية حول بيت عادل يتساءلون عن مكانه، حتى قال الحلّاق أبو فواز: لا بد أنه ذهب للمدينة مرة أخرى للعمل بها بعد أن استولى الوالي على مشروعه.

هزّ أبو ماهر رأسه وقال حزيناً: آآخ سيحزن كثيراً عند عودته ورؤية ما حلّ بعائلته.

فيما كان عادل مُعتقلاً داخل إحدى الزنزانات في قصر الوالي مُتعرّضاً لأشدّ أنواع القسوة من قبل حرّاسه لتأديبه، حتى أنّ الوالي سلّم أمره بعد ذلك لحارسه الشخصي سليمان الذي كان كلما دخل ليقدّم له الطعام ألحّ عليه عادل بأن يخبر والدته وأخته بأنّه لم يتركهما، وأنّه معتقل لدى الوالي، فكان سليمان يشيح بوجهه بعيداً عنه، ويدير ظهره خارجاً من الزنزانة، وفي يوم من الأيام دخل سليمان وقد رأى ما رآه من ضعف عادل وشحوبه، فقرر أن يستجيب لطلبه وأن يتسلل ليلاً لإخبار أبو ماهر الحلاق بذلك لإيصال الخبر لوالدته وأخته، ولما قام بذلك شاع الخبر بين أهل القرية، وشعروا بالظلم الذي يتعرّضون له على يد الوالي منذ زمن، فقرروا الذهاب إلى قصره والاقتصاص منه، ولما توجّهوا للقلعة ورآهم حرس القلعة بكثرتهم فرّوا هاربين، فيما دخلوا هم قاصدين الزنزانة رقم اثنين كما أخبرهم سليمان لتحرير عادل، ولمّا دخلوا الزنزانة المقصود لم يجدوه، فبحثوا ببقية الزنازين فلم يجدوه أيضاً.

وحينها قال أبو مرزوق: ممم لا بد أنه معتقل خارج القصر.


النهاية

وأثناء تشاورهم نظروا أمامهم فوجدوا سلّماً طويلاً قرروا الصعود نحوه بما يحملوه من شعل النيران علّهم يجدوا عادلاً، حتى وصلوا إلى باب كبير يشير بأنها غرفة الوالي، فاتفقوا على الدخول خلسة على أطراف أصابعهم بقلوب تتعالى خفقاتها، وعند فتحهم الباب وجدوا الوالي نائماً على سريره فتغامزوا لحرقه بشعل النيران التي كانت معهم والانتقام منه، فيما أوقفهم زهران وهمس لهم وقال: آآآه، يراودني الفضول لأرى وجه ذلك الوالي اللعين.

قال له أبو فواز بصوت مرتجف: هيه ليس وقته، لنحرق الغرفة مسرعين قبل أن يستيقظ.

فقاموا بإلقاء شعل النيران داخل غرفته وفرّوا مسرعين خارج القصر، حزينين لأنّهم لم يعثروا على عادل، وفرحين بخلاصهم من السلطان الظالم، وفور دخولهم القهوة وجدوا جثّة سليمان ملقاة على الأرض إلى جانب رسالة تقول: ابقوا مترقّبين أيّها الملاعين، أنا هنا بينكم لن أبارحكم بوجهي غير المألوف... أمّا عادل فأظنّ أنّه ارتاح جيداً في النوم على سريري الليلة.