حب قديم
تزوج لانا وعمرو في حفل زفاف ضخم أُقيم منذ سنوات خمس بعد قصة حب جمعتهما طويلاً، ومنذ بداية زواجهما خططا لإنشاء أسرة صغيرة يملؤها الحب والتفاهم والاستقرار، إلّا أن خطتهما لم تسير كما خططا لها، فلم يشأ لهما الله أن يرزقا بأطفال حتى هذه اللحظة، إلّا انّهما ومع كل ذلك ظلّا يُحبّان بعضهما كثيراً، ولا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر.
تعايش الاثنان مع هذا الوضع، فكانت لانا تقضي معظم وقتها في الاهتمام بشؤون المنزل وزيارة أهلها وصديقاتها، بينما يذهب عمرو لعمله كموظف في إحدى مكاتب السياحة ويعود في وقت متأخر من الليل، وخلال أيام الإجازات الرسمية كانا دوماً ما يقومان بدعوة أصدقائهما إلى المنزل كي لا يشعُران بالوحدة، وفي أحد الأيام عاد عمرو مبكِّراً من العمل على غير عادته، وعند دخوله المنزل سمع زوجته تتحدث في الهاتف مع أحدهم وتقول: سنلتقي غداً وأعطيك ما اتفقنا عليه عند خروج عمرو من المنزل صباحاً.
ظنّ عمرو أنها تكلّم أحد أشقّائها، ولكنّه عندما دخل عليها بهدوء وسألها مع من كنتِ تتحدثين؟
فزعت لانا لمّا رأته أمامها وارتبكت وقالت: كنت أتحدث مع والدتي، لكن ما جاء بكَ مبكراً؟
صُعق عمرو وبدأ الشك يدخل قلبه، فقال لها وهو يناظرها نظرة قلق: لقد انتهيت اليوم من عملي مبكراً فقررت العودة إلى المنزل للاستراحة.
انقضى الموقف، فيما بقي عمرو طوال اليوم يفكّر في مع من كانت تتحدث، ولِمَ كذبت عليه فهذه ليست عادتها، ومن هو هذا الرجل الذي كانت تخطط لمواعدته، فقرّر مراقبتها، إلّا أنّه عدل عن قراره في صباح اليوم التالي لحبه لها معتبراً ذلك شكاً لا داعي له، ثم قرّر الذهاب إلى عمله كالمعتاد دونما ردّ فعل يُذكر.
بعد أسبوع، وفي إحدى الليالي وبينما هو نائم استيقظ على صوتها تهمس في الهاتف بالغرفة المجاورة، وعند اقترابه سمعها تتحدث مع ذلك الشخص، فغضب كثيراً وأيقن أنّ ما سمعه في المرة الأولى كان حقيقياً، فاندفع ثمّ فكّر كثيراً كيف سيواجهها قبل أن يتأكّد بشكل تام وهو أمر لا يحتمل الاحتمالات، إلى أن قرّر مراقبتها ليقطع الشك باليقين، وعندها لكلّ حادث حديث، وكان أكثر ما يثير استغرابه تصرفاتها الطبيعية معه، بل حبّها لها الذي يراه في عينيها كلّما نظر إليهما، اقترب عمرو من لانا وهو يكاد ينفجر حنقة وقام بسؤالها: هل ستخرُجين اليوم؟
نظرت حولها متردّدة وقالت له: نعم، سأذهب للتسوق.
علم حينها أنّ هذا هو الوقت المناسب لمراقبتها، حيث بقي ينتظرها خارج المنزل دون أن تراه وعند خروجها لحق بها، إلا أنّه أضاعها بسبب الزحام، ولم يستطع معرفة وجهتها، فقرر الذهاب للعمل مجدداً لاعناً حظّه هذا.
بقي عمرو على حاله هذا بين غضب، وحيرة، وشك ينهشانه غير قادر على مواجهة شريكة حياته بخيانتها له، وذلك لانعدام الدلائل الملموسة بين يديه، بالإضافة إلى عدم قدرته على معرفة ذلك الشخص الذي تواعده، ممّا جعله يختلف في معاملته لها، وفي أحد الأيام وبينما هو جالس وحده يُناظر التلفاز كانت لانا قد نسيت هاتفها في غرفة التلفاز، وتوجّهت لأخذ قيلولة قصيرة، وفجأة رنّ فظهر على الشاشة رقم صديقه المقرّب عمر الذي يملك متجراً لبيع الأدوات الرياضية، وحينها استعاد شريط زياراته المتكرّرة لهما مع زوجته الطيبة مرح، وإصراره لدعوتهما لتناول طعام العشاء مراراً وتكراراً، والهدية التي أحضرها هو وزوجته للانا في عيد ميلادها! حينها أيقن أنّ زوجته تخونه مع أقرب شخص له، وكفرصة أخيرة تناول هاتفها وفتح أحد تطبيقات المحادثة فوجد رسالة من لانا إلى عمر تقول فيها: غداً الموعد المنتظر، لا أكاد أطيق صبراً، انتبه لئلاً يشعر بما نقوم به.
غداً!! غداً هو موعد سفر عمر إلى أوروبا، لقد كان عندي منذ أسبوع لأحضّر له إجراءات السفر! إنّهما يخططان لسيسافرا معاًً!!
لم يتمالك عمرو نفسه عند رؤيته ذلك فتوجّه إلى الخزنة وأخذ بمسدسه المستقرّ فيها منذ سنوات، واتّصل يهاتف عمر ويواعده غداً صباحاً، فيما أخبره الآخر بأنّه كان ينوي مواعدته هو أيضاً.
في اليوم الموعود خرج عمرو من بيته دون أن يلقي على لانا تحيّة الصباح حتى، وهو يخفي تحت سترته السلاح، وعرج على مكان عمل عمر وطلب منه أن يستقلّا سيارته فلا داعي لأن يأتي بسيارته، فيما انطلق به إلى منطقة خالية وطلب من صديقه المتعجّب من المكان النزول، وعند نزولهما، نظر عمرو حوله وأخرج السلاح وأطلق النار على رأس صديقه قبل مواجهته بالخيانة حتى..
ثمن الشّك
استقل عمرو مركبته إلى منزله لينتقم من زوجته ويقتلها هي أيضاً، وما إن وصل والغضب بعينيه حتى وجد والدته ووالده في منزله قد جاءا من أمريكا بعد غيابهما الذي استمر لعامين، فاندهش عند رؤيته لهم وبقي صامتاً لا يفهم ما الأمر وسط ما أغرقوه به من أحضان، وما هي إلا لحظات حتى خرجت زوجته مبتسمة وقالت له: أأتيت؟ ترى أين صديقك عمر المحتال! صُعق عمرو ولم يفهم كيف تتجرأ وتسأله عنه!، فقالت وهي تغالب الدموع: ستُصبح أباً يا حبيبي، نعم ستصبح أباً، ذرف عمرو من عينه دمعة قبل أن تنهي زوجته جملتها، فتابعت: لقد خططنا أنا وعمر لهذا اليوم منذ عدّة أسابيع، لأُخبرك بأننا ننتظر مولودنا الأول، وخبرٌ كهذا كان لا بد أن تستقبله مع عائلتك، فكنا نتحدّث يومياً لنستطيع إحضار عائلتك في الوقت المناسب قبل سفره إلى أوروبا، لقد كانت الإجراء صعبة للغاية ما كنتُ سأستطيع إحضارهما دونه، ترى أين هو الآن!
ظلّ عمرو صامتاً للحظات محاولاً استيعاب ما سمعه، فيما اختلطت مشاعره بين فرحته لكونه سيصبح أباً، وحزنه على طفله الذي سيُولد لأب سيقضي بقيّة حياته في السجن، فيما تنطلق في الخارج صافرات سيارات الشرطة بدلاً من أصوات الفرح بالطفل الجديد.