استباقٌ للأحداث

استيقظت راما وهي آنسةٌ تبلغُ من العمر اثنين وعشرين عاماً تَعملُ كمدخلةٍ للبيانات في إحدى الشركات يومَ السبتِ في وقتٍ أبكرَ مما اعتادته في باقي الأيام رُغم أنه يوم عطلة، فغسلت وجهها وتناولت قطعةً من الحلوى تقيم بها عودها في معترك النهار، وارتدت أفضلَ حُلةٍ لديها وخرجت من البيت تنتظر، وفي الأثناء أخرجت هاتِفها واتصلت برفيقةٍ لها تعملُ ممرضةً في مستشفى، وقالت: مرحباً، أنسيتِ أنني سأذهب بمعيتك إلى المستشفى؟ أخشى أنكِ نسيتِ اتفاقنا بأن تكوني أمام منزلي عند الساعة السادسة!.

فقالت صديقتها: دقيقتان وأدركك.

خجلت راما من تسرعها في اتهام صديقتها.


اصطفت سيارةٌ بمحاذاةِ راما، فمدت الأخيرةُ يدها وفتحت الباب وركبت وانطلقت الصديقتان معاً.

قالت راما وهي تبتسمُ لصديقتها صبا: طابَ صباحكِ كيفَ الحال؟.

ردت صبا بابتسامة مثلها كاشفة عن أسنانٍ ملطخةٍ بالقهوة: طابَ صباحكِ يا صديقتي، آملُ ألّا تكوني قد غفلتِ عن إحضار وثائقَ المراجعةِ مثل المرةِ الماضية؟.

ورفعت راما حقيبةَ الجلد التي فوق قدميها وقالت: لا تقلقي موجودةٌ هُنا.

وسألت راما صديقتها صبا بابتسامةٍ ساخرةٍ عن حياةِ الزوجيةِ كيفَ تُراها تكون وهي التي مضى على زواجها قرابةَ شهرٍ ونصفَ الشهر، قائلةً: يُقالُ إن الزواجَ جحيمٌ يدخلهُ المرء بقدميه وبملء إرادته، هل ترين هذا صحيحاً من واقع معايشتك؟.

فقالت صبا بنبرةٍ جادةٍ وهي تنتبهُ إلى الطريق أثناء قيادتها: التعميمُ في تجارب كهذه في غير محلهِ، وبصفةٍ شخصيةٍ أرى أنه لم يخرج إلّا ممن فشلَ في الحصول على شريكٍ يشاطرهُ اهتماماته، ويقاسمه حياته فهما في طبيعتهما متنافرين، وفي تفكيرهما متباعدان.

ونظرت صبا إلى صديقتها نظرةً خاطفة مبتسمةً ابتسامةً ماكرةً وقالت: أخبريني أنتِ الآن، ألستِ تحبينَ شاباً ويبادلك بدورهِ الحب؟ آه ها ها ها أقصد متى ستتزوجان لنفرح بكما؟.

فاحمرّ وجهُ راما وراحت تقول وقد افترت شفتيها عن ابتسامةٍ خجلى: لم يُسعفني الحظ بعد لأن أقعَ في الحب.

فقالت صبا مندهشةً: لا لا إنك لا تصدقينني القول، أيعقلُ أن تبلغين هذا المبلغ من الجمال ولم يحاول أي شابٍ سرقة قلبك حتى الآن؟.

وبينما تقودُ صبا سيارتها، مشى إطارها الأمامي الأيمن فوق جِسم مدببٍ حادٍ ثقبهُ وأفقدهُ جُزءاً كبيراً من هَوائه ولاحظت الراكبتان ذلكَ عندما تغيرت حركة السيارة، فقالت صبا مُتعجبةً: ما هذا أيضاً؟. وأَوقفت السيارة على جانب الطريق وترجّلت منها لإلقاء نظرة، ومن النافذة قالت لراما: أوف الإطار في حاجةٍ لتغيير ماذا أفعل الآن؟.

َوفتحت راما الباب ونزلت، وأخذت تُجيل نظرها بحثاً عن إنسانٍ تطلب منه المساعدة، ووجدت شاباً يقفُ واضعاً يديه في جيبيه على مبعدةِ عشر خطوات، فقالت لصبا: سأطلب المساعدة من ذلك الشاب، إذ لا أريد أن أتأخر عن موعدي، ومشت صوبهُ حتى أدركته، فقالت مبتسمةً: مرحباً، لقد تعطلت سيارتنا هناك فهي تحتاج لتركيب إطار جديد هل يمكنك مساعدتنا على أن نكون شاكراتٍ لك؟.

نظر الشاب في ساعتهِ وقال: هممم في الحقيقةِ أنا على عجلةٍ من أمري فلدي موعد في المستشفى.

نظرت راما باستطلاعٍ إليهِ وقالت: حقاً ونحن كذلك ذاهبين إلى المستشفى، بهذا الشكل يمكننا أن نأخذكَ في طريقنا إلى هناك ولن تتأخر!.

نظر الشابُ في بياضِ عيني راما نظرةً عميقةً أدخلت الاضطراب إلى نفسها وقال: هيا بنا إذاً.

ومشيا معاً، وعندما وصلت السيارة عادت إلى مقعدها تاركةً صبا والشاب يتدبرانِ أمر الإطار، وراحت تُفكرُ في سرِ نظرةِ الشاب إليها، قائلةً لنفسها: لا تفسير آخر لنظرتهِ إلا الإعجاب أو الحب، أتراهُ أحبني؟ هممم أراهُ شاباً يوحي هندامه وملامحه الجميلة بأنه جيد! إذا حاول معي فلن أُضيعَ الفرصة على أن يكون المبادر أولاً.

رَكبت صبا السيارة فَرِحةً بعد أن ناولتهُ الأدوات، وراحت تهمسُ لراما بحماسةٍ قائلةً: يبدو أنه قد هامَ في حُبك، فلقد سألني عنكِ بينما كُنتُ أفتح له الصندوق الخلفي.

قالت راما وَجلةً مُفكرةً: حقاً، لقد أحسستُ ذلكَ قبل قليل عندما نظرَ إليّ، ولكن ماذا قال؟.

همست صبا من جديد: سألني إن كنتِ متزوجةً أو تربطك علاقة حبٍ برجل، فقلتُ لهُ: لا.

وراحَ قلبُ راما الطاهر الفتي يخفقُ حُباً مشبوباً لهذا الشاب، وراحت تتطلع عليه من نافذتها، وهو منحنٍ يشدُ الإطار وتقولُ لنفسها: أخيراً عثرتُ على حبِ حياتي وبطريقةٍ لا يُمكنُ أن تُصدق!.

وأردفت صبا مُقاطعةً شرود راما: يا لها من نظراتٍ هذه التي ترمين بها الشاب! لكنهُ والحقُ يقال وسيم المُحيّا مهيب الطلعة، مباركٌ هو حُبك الجديد يا صديقتي، ولكن لا تنسي حُسنَ طالعي عليكِ.

ضحكت راما وقالت: ها ها ها لا لن أنسى ذلك ما حييت.

عندئذ أنهى الشاب شد الإطار وإعادة الأدوات إلى الصندوق، وعندما همَّ بفتح الباب همست صبا تقول: إياكِ أن تبادريهِ بشيء.


النهاية

عندما استوى الشاب على المقعد وأغلق الباب أخذ قلب راما يرتجُّ من شدةِ حيائها، وراحت تنتظرُ أن يبادر الشابُ الوسيم كلامهُ في شأنها، وقالَ بعد أن لبثَ صامتاً لدقائق: لقد سمعتُ يا آنسة أنكِ عزباء إلى الآن وأن قلبك خالٍ وأنا بطبيعةِ الحال - وهنا صار وجهُ راما أحمر كالدم وابتسمت وأطرقت برأسها وتضاعف خفقان قلبها العاشق- أبحثُ لِعمي الأرمل عن زوجةٍ محترمةٍ تكونُ في مثل سنك كي تُعنى بأطفالهِ الأربعة، فما قولكِ يا آنسة؟.