فرحة وسعدة

فرحة وسعدة فتاتان تعيشان في قرية فقيرة وبعيدة منذ الصغر، حيث تعرفتا على بعضهما البعض وأصبحتا صديقتين مقربتين جداً، وعندما أصبحتا في سن العشرين قررتا البحث عن عمل لكنّهما لم تجدان.


وفي صباح أحد الأيام ذهبت فرحة إلى مختار القرية بعد أن ضاقت بها السبل وطلبت منه أن يؤمّن لها ولصديقتها سعدة فرصة عمل في القرية، وعندها تعجّب المختار من طلبها قائلاً: ها! أتريدين العمل أنتِ وصديقتك كالرجال! هذا شيء لم تسبقكما إليه واحدة من نساء القرية، اذهبي الآن من أمامي هذا ما كان ينقصنا!

عادت فرحة إلى منزلها ممتعضة، وبعدما جاءت سعدة لزيارتها أخبرتها بردة فعل مختار القرية، حتى اغتاظت هي الأخرى، واقترحت عليها أن تذهبا إلى المدينة، كونها سمعت من جارتها أنّ النساء يعملن هناك كغيرهن من الرجال، حملقت فرحة بها وقد بدا التردّد على ملامح وجهها، وبعد تفكير وافقت على الذهاب معها إلى المدينة لا سيما أنّ لا أهل لهما ولا سند، ومع انبلاج نور شمس اليوم التالي استقلتا حافلة معاً لتوصلهما إلى المدينة التي كنّ يحلمن بأن تطأ قدميهما أرضها، فيما كانت فرحة تحملق شاردة الذهن من النافذة، بينما كانت المدينة حلماً كبيراً بالنسبة لسعدة المسكينة، وأثناء الطريق سمعهما أحد الركاب في الحافلة يتحدثن عن العمل، فقام وسألهما: ما طبيعة العمل الذي تبحثان عنه؟

التفتت له سعدة قائلة: ها! لا يهم، أي عمل سيناسبنا كون هدفنا هو كسب المال.

قال الراكب لهما: ممم حسناً، أنا أعمل كحارس في منزل أحد الأشخاص في المدينة، وطوال المدة المنصرمة كان يبحث هو وعائلته عن فتاة للاهتمام بشؤون منزلهم.

هزّّت سعيدة رأسها قائلة: ممم لكنني أُريد أن أعمل أنا وصديقتي سوياً.

فقال بعد تفكير: حسناً، تعاليا معي إلى منزله وسأخبره بذلك.

وافقت الفتاتان على ذلك وهما تكادان لا تصدّقان أنّهما وجدتا فرصة عمل منذ اليوم الأول، وفور وصولهما قام الحارس بإخبار صاحب المنزل بقصتهما حتى وافق على أن تعمل الاثنتان عنده شريطة أن تقومان بالاهتمام بشؤون المنزل بشكل جيد، فوافقتا طبعاً، وفور دخولهما بدأتا تحملقان في ذهول ودهشة، لقد كان منزلاً كبيراً لم يسبق لهما رؤية مثله من قبل، حتى وكزت فرحة صديقتها قائلة: هيه، انظري إنّه أجمل من منزل مختار القرية، وانطلقتا للعمل.


بدأت فرحة بتنظيف المنزل كما أمرها صاحبه ملتفتة حولها وقد بدت أمارات الاستغراب على وجهها من شدة جماله، فدخلت غرفة الجلوس وبدأت بتنفيض الغبار عن التحف حتى قامت بكسر إحداها أثناء ذلك، ولمّا سمعت مدام عطاف صاحبة المنزل صوت ذلك الكسر توجّهت من فورها للغرفة لترى ما القصة، وكانت صدمتها عظيمة حينما شاهدت تلك التحفة الفنيّة الثمينة التي أحضرها لها والدها كهدية عند انتقالهم لهذا المنزل تتناثر قطعاً حولها، فبدأت بتوبيخ فرحة على ما فعلت، وبينما هما كذلك كانت تفوح في الأرجاء رائحة حرق قماش لا يُعلم مصدرها، وبعدما تتبعتها عطاف وفرحة وجدتا معطف مدام عطاف يمكث محترقاً بين يدي سعدة بعد أن أعطتها إيّاه لكيّه، فيما تقف هي شاردة الذهن مفتوحة الفم متخيّلة نفسها وهي ترتديه، لا سيما أنّه معطف أخّاذ لم تشاهد مثله قط، فهو أحمر قان ذو ياقة من الفرو، وأزرار ذهبية جميلة، وما إن رأت عطاف ذلك حتى أطلقت صرخة جاء زوجها على إثرها ليستطلع الأمر، ولما رأى ما رأى طلب من الفتاتين أن تنصرفا خارج المنزل فوراً حاملتين معهما قطع التمثال المكسور، والمعطف المحروق لإلقائهما في القمامة.


فكرة من دون تخطيط

خرجت الفتاتان وبدأتا تفكران في المكان الذي ستذهبان إليه، وقد ارتسمت على وجهيهما ملامح اليأس والحزن، وعندما همّت فرحة بإلقاء المعطف في سلة المهملات، أوقفتها سعدة قائلة: هيه، انتظري قليلاً لقد خطرت لي فكرة لعلها تكسبنا النقود دون جهد.

نظرت لها فرحة مستغربة قائلة: وما هي؟

همست لها سعدة قائلة: مممم لست مُتأكدة من نجاحها لكن سنجرّب حظنا، وإن لم تنجح فلن نخسر شيئا أبداً.


وبعد طول حديث...

انطلقت الفتاتان إلى متجر ملابس قريب، فدخلتا وألقيتا التحية على صاحبه، وعلى الفتى الذي كان يعمل لديه، ثم قالتا: نحن قادمتان من القرية اليوم يا عمّ، هل لك أن تدلّنا على أقرب صائغ نبيع لديه أزرار معطف جدّتي هذه بعد أن لم يتبقّى لنا من ثروتها شيئاً؟

تفحّص التاجر الأزرار اللامعة من بعيد وغمز الفتى الموجود لديه قائلاً له: نعم يا ابنتاي، اذهب مع الفتاتين يا محسن ودلّهما على صائغ المدينة.

سار الفتى وسارت الفتاتان وراءه، وفي منتصف الطريق تظاهرت فرحة بدخول شيء ما في عينها، فيما وضعت سعدة المعطف من يدها على صخرة قريبة وأخذت تمسح لها عينها بمنديل كانت تمسكه، وعندها اقتنص الفتى الفرصة وخطف المعطف وهبّ راكضاً، والفتاتان تصيحان خلفه: معطفنا، أعد معطفنا أيّها اللّص.

عادت سعدة وفرحة إلى المتجر تنوحان وتقولان: أيّها الرجل السارق سنتوجّه إلى مركز الشرطة من فورنا إذا لم يعد لنا فتاك المعطف، وبينما هما تولولان بدأ الناس بالتجمهر، فخاف الرجل من الفضيحة وقرّر دفعهما عنه بألف من الدنانير، فيما سيجد الفتى ويتقاسم معه مبلغ الأزرار الذهبية الذي سيفوق ذلك كثيراً، وافقت الفتاتان على اقتراحه على مضض، ولمّا خرجتا كادتا تطيران من الفرح بما تقاضيتاه ثمناً للأزرار المزيّفة، فأخذتا تغنيّان وترقصان، وتعدّان الدنانير الذهبية.

وفجأة..

ارتطم رأس فرحة بالمقعد الذي أمامها فصحت مستيقظة، فيما علا صوت فرحة تقول: ما بك تضحكين مع نفسك كالبلهاء! هيّا انزل انزلي لقد وصلنا إلى المدينة.