الفصل الأول: فضيحة على الهواء

لم تسع فرحة الوزير الأسبق شبلي الدنيا عندما تلقى اتصالاً يخبره بإعادة تنصيبه في الحكومة بحقيبة وزارية من جديد بعد أن تخلّت عن خدماته قبل سنوات بعد اتهامه بالتقاعس عن العمل.


في يومٍ ما دخل شبلي مسرعاً والبسمة تكاد تشقُّ شفتيه مُتجهاً نحو زوجته ندى ليزفّ لها خبر تسلّمه وزارة الزراعة من جديد، ولمّا سمعت ذلك شهقت فرحة: أووه، ستعود حياة الرفاهية والسفر من جديد.

حدّق بها قائلاً: مممم سأحاول أن أمشي على الصراط المستقيم وليس كسابق عهدي.

باشر شبلي عمله منذ صباح اليوم التالي، حيث كان يمضي الساعات يرقب كل شاردة وواردة حتى صبّ كلّ جُهودَهُ في العَمَلِ، متشبثاً بمنصبه الجديد.

كانت الساعة تمضي نحو السادسة مساءً حين أنهى ساعات عمله متوجهاً للمنزل مكدوداً، وقد بدت علامات الحيرة على وجهه واقترب من ندى قائلاً: آآه يجب عليّ عمل شيء ما لكسب ثقة الشعب، وذلك خوفاً من أن أُتّهم بالتواني عن العمل كسابق عهدي.

بقيت ندى ساهمة شاردة الذهن تناظر التلفاز، وحينها أعاد شبلي سؤالها قائلاً: ها! هلّا اقترحتِ عليّ شيئاً!

نظرت له بعدم اهتمام: ممم لا أهتم بالسياسة، لكن... ماذا تريد أن تأكل غداً؟

نظر لها بازدراء متمتماً مع نفسه: آآآه أنت في دنيا والعالم في دنيا أخرى.

وبدأ يحكّ مقدمة رأسه وفجأة، شهق قائلاً: اوووه وجدتها...


الفصل الثاني: بث مباشر

في مساء اليوم التالي عاد شبلي من عمله والحماس يبدو على ملامح وجهه ثم قال لندى: غداً أريد منك مشاهدة التلفاز عند الساعة الرابعة والنصف.

قطّبت حاجبيها قائلة: ها! ولماذا!

قال مُتلهّفاً: لقد قررت الذهاب غداً إلى قرية الفلاحين لأتفقّد أحوالهم ومزارعهم كونها قضية مهمة بالنسبة لهم، وسيُبثّ ذلك مباشرة على التلفاز أمام الجماهير.

اندهشت قائلة: مممم يا لك من نبيه، وبهذه الحالة ستكسب ثقة الملايين.

قهقه الاثنان سوياً، ثم اتّجه الوزير مع انبلاج نور شمس اليوم التالي إلى قرية الفلاحين مُصطحباً مساعده الخاص إبراهيم، وفور وصوله كان لطيفاً مُتبسّماًً لمن حوله طوال الوقت، وعند قدومه لمحطته الأولى جلس على بساط يداعب الأطفال مختبئاً وراء عباءة التواضع أمامهم، وكاميرات بث الأخبار المباشرة تلاحقه.


وعند محطته الثانية بدأ يدخل الحقول مطمئناً على أحوال المزارعين ومحاصيلهم موجهاً نظره نحو الكاميرات وقد طرقت مسامعه ابتهالات الشكر، وخالص الدعوات التي أطلقها الفلاحون نظير قدومه ومساعدته لهم، ومضت الساعات وهو على ذلك الحال، وفجأة سمعوا صوت أحدهم يصيح من بعيد قائلاً: هيه، هيه توقفوا... توقفوا

استداروا جميعاً متعجبين، وإذ به رجل يلهث يكاد يلتقط أنفاسه وأشار بيده نحو إشارة تحذيرية قائلاً: أنتم في حقل ألغام، عليكم المغادرة فوراً.


عمّ الصمت بين الجميع للحظات حتى جمدوا في أماكنهم محملقين ببعضهم البعض، ثم قال فلاح يدعى كمال: هيّا فلنخرج مسرعين محافظين على حياة الوزير.

أصيب الجميع بالهلع، وتقدّموا يجرّون أقدامهم جرّاً خوفاً من أن يدوس أحدهم على لغمٍ ما، وفي تلك الأثناء طرقت مسامع الوزير شبلي صوت شيء ما، وحينها شعر بأنه قد داس على لغم، حيث بدأ يصرخ عالياً: هيه لقد دست على لغم، أنقذوني... أنقذوني...


شهقوا جميعهم وتجمهروا حوله محاولين الاتصال بأحد لطلب المساعدة، وحينها قال الفلاح كمال: لا تُحرّك قدمك وإلا انفجر اللغم في أي لحظة، بدأ عرق شبلي يتفصّد فوق جبينه قائلاً: يا إلهي ما زلت شاباً، لا أريد الموت الآن.


الفصل الثالث: النهاية

مضى وقت طويل وهو ينتظر حتى بدأ التعب يتمكّن منه، والمساعدة لم تأتِ بعد، والآن بدأ يرتجف من رأسه إلى أخمص قدميه محاولاً تثبيت أقدامه في مكانها كي لا ينفجر اللغم في وجهه، ولمّا شعر بأن لا بارقة أمل من تلقيه المساعدة، وأنّ أقدامه لم تعُد تستطيع الثبات في مكانها بدأ شبح الموت يلوح أمامه وشعر بدنو أجله، وحينها قرر مناداة مساعده إبراهيم وقد أنساه ذعره بث الأخبار المباشر، وقال له بصوت مرتجف: تعال يا إبراهيم، ليس لدي الكثير من الوقت.

لكنّ إبراهيم أشار له بأنّه لن يستطيع الحراك، وأنّه إن أراد هو أن يقول له شيئاً فليقله رغم المسافة، فقال له شبلي مضطراً: دوّن هذه الملاحظات وأعطها لزوجتي لعلّها تؤمّن حياة أطفالنا بعد موتي، خذ هذا رقم حسابي البنكي في سويسرا كنت أُخفي أمره منذ زمن كي لا أُسأل عنه يوماً ما.


بدأ الفلاحون يحملقون في وجهه في ذهول وحيرة، وقد ارتسمت على وجوههم خيبة أمل مما سمعوه، ثم أكمل حديثه مع إبراهيم قائلاً: وهذا عنوان زوجتي الثانية، والتي كنت أخفيها عن الجميع، خُذْه كي لا تُظلم بعد موتي. وفجأة جاء خبير الألغام من بعيد ومعه جهاز الكشف، وبدأ يجول حوله بترقّب حتى تعالت أصوات النغمات التي يصدرها الماسح من تحت قدميه وفجأة قال له الخبير: حرّك قدميك لا داعي للقلق، فهذه قطعة معدنية وليست لغماً.