التنافس على الاستغلال

يتفاخر زهير بطبعه الاستغلالي الذي يمتلكه، حيث إنّ جميع ما وصل إليه طيلة حياته كان عن طريق استغلاله لغيره، حتى عندما تزوج زوجته أسيل تقرّب منها مُستغلاً فقرها للقبول به.


بقي زهير قرابة الأربعة أشهر دون عمل بعد أن أغلقت الشركة التي يعمل بها أبوابها بعد ضائقة مالية مرّت بها، وفي أحد الأيام قابل صديقه محمود صدفة في الشارع والذي كان قد تخرج معه من التخصص والجامعة نفسهما، فسلّما على بعضهما وبدأا يتبادلان أطراف الحديث حتى أخبره صديقه أنّه قام بأخذ إجازة من عمله لمدة شهرين كونه مضطراً للسفر إلى خارج البلاد لزيارة أهله، وعندما سمع زهير بذلك بدأ يستفسر عن موقع شركته واسمها بشكل لا يلفت الانتباه، وبالرغم من استغراب محمود من تلك الأسئلة إلا أنه أخبره بتفاصيل عمله كاملة.


مع حلول صباح اليوم التالي استيقظ زهير مبكراً مرتدياً أجمل الثياب واتجه نحو تلك الشركة التي يعمل بها صديقه محمود، وفور وصوله دخل إلى مسؤول التوظيف بثقة وقال له: لقد علمت أنّكم بحاجة إلى موظف في قسم التسويق.

استغرب الموظف وقال له دون أن يرفع رأسه من كومة الأوراق أمامه: لا، ليس لدينا شواغر في ذلك القسم.

قال له زهير بنبرة صوت مرتفعة: كيف؟، لقد علمت أنّ أحدهم سيأخذ إجازة لمدة شهرين.

ابتسم الموظف وقال: إن كنت تقصد محمود فهذا صحيح، لكنّه سيعود بعد ذلك إلى العمل فور انتهاء إجازته.

ضحك زهير بصوت مرتفع وقال: وكيف لشركة كبيرة مثل شركتكم أن تترك شاغراً في قسم التسويق بلا موظف!

استمر زهير بإقناع مسؤول التوظيف لتسليمه منصب محمود طوال فترة غيابه على أن يغادره فور عودة محمود، وبعد إلحاح منه اقتنع وقام بتعيينه لمدة شهرين بدلاً من صديقه، فباشر زهير عمله في صباح اليوم التالي بحماس، واستقلّ مركبته وذهب مبتسماً وهو يفكّر في طريقة تبقيه في في تلك الوظيفة بشكل دائم بدلاً من صديقه محمود، وفور وصوله بدأ بالتعرّف على زملائه الجدد.


كان زهير طوال فترة دوامه قليل الحيلة يستغل زملاءه من حوله لإنجاز عمله بدلاً منه، مُثيراً شفقتهم وموحياً لهم بأنه جديد ولا يعرف شيئاً من أمور الوظيفة بعد، فما كان منهم إلّا أن يمدّوا يد العون له رأفة به، وفي أحد الأيام وعند انتهاء الدوام شاهد زميله الذي يجاوره بالمكتب يستقلّ مركبته الخاصة مُتجهاً إلى منزله بعد أن سمعه يتحدّث إلى زميلة لهما ويخبرها بمكان منزله الذي يقع في حيّ قريب جداً من منزل زهير، وهي فرصة لم يستطع زهير تفويتها، فقد قرّر أّنه لا حاجة للقدوم إلى العمل من هنا وصاعداً بمركبته، فلمَ التبذير! وفور حلول موعد المغادرة ركض نحو زميله وقال له مبتسماً: أراك ستغادر بمركبتك الخاصة!

استغرب زميله وقال له: نعم، وأنت!

نظر زهير إلى الأرض وأجابه بنبرة حزن: لقد اضطررت لأن أبيعها لضائقة مالية أمرّ بها، فرّجها الله على الجميع يا أخي، وتظاهر بأنّه سيغادر المكتب.

وعندما سمع زميله ذلك، شعر بالشفقة تجاهه فأوقفه، وعرض عليه إيصاله إلى المنزل، بينما زهير كان سعيداً جداً بذلك كونه قد نجح باستغلال زميله وتوفير ثمن الوقود لمركبته، ثم وافق وصعد معه، واتّفقا أن يستمر بتوصيله بشكل يومي إلى أن يشتري سيارة، إلّا أنّ ذلك دفع زهير لأن يتجرّأ ويطلب منه أن يوصله في طريق الذهاب من منزله إلى العمل أيضاً.


بعد عدّة أسابيع أتيحت لزهير فرصة للعمل في استيراد العطور إلى جانب عمله في التسويق، ممّا جعل مردوده المادي يتحسّن بشكل ملحوظ، فيما قرّر إخفاء حقيقة عمله الإضافيّ عمّن حوله خوفاً من أن يطلبوا منه إقراضهم المال، وفي أحد المرّات وأثناء ركوبه مع زميله بالمركبة قال له زميله: هلّا أعطيتني رقم التاجر الذي تستورد منه العطور يا زهير.

ارتبك زهير وقال له مستغرباً: ومن أين عرفت بذلك!

ضحك زميله وقال: لا شيء مخبّأ في هذه المدينة، خاصة إن كان به مردود وفير من المال، هيّا انزل من سيارتي أيّها الوغد.

ارتبك زهير وبدأ يتلعثم بالكلام وقال له: إن مردود هذه التجارة المادي ليس بكبير، وبالرغم من ذلك سأعطيك رقم هاتف التاجر.

فنزل زهير من السيارة يلعن هذه المدينة التي لا يخفى فيها أمر أحدٍ على أحد، وذاع صيته في الشركة فاختلفت معاملة زملائه معه حتى بات شبه منبوذ بينهم، وفي صباح يوم من الأيّام التقى مع زميل آخر له خارج وقت العمل وعندما أوقفه بدأا يتحدّثان، ثم سأله وقال: إلى أين أنت ذاهب؟

قال له زميله: سأذهب لشراء هاتف جديد من أحد المتاجر

وأثناء حديثه حكّ زميله رأسه وقال له: لقد سمعت أنك تتاجر بالعطور، فهلّا بعتني زجاجتين!

ارتبك زهير كثيراً فقد أحسّ من زميله بمكيدة وخاف ألّا يدفع له ثمن العطور، لذلك قال له: على الرحب والسعة يا صديقي، لكن هلّا أحضرت لي معك هاتفاً جديداً سأسمّي لك نوعه، كونك ذاهب لشراء واحد.

دُهش زميله من طمعه ونظر له باستغراب وقال: لا داعي لذلك، لم أعد بحاجة إلى العطور فليذهب كل منا لإحضار حاجته وحده، وقفل يتمتم: صحيح أن ما وصفوك به بل قليل عليك!.


رشوة المدير

مرّت الأيّام والوضع على حاله، إلى أن اقترب موعد عودة محمود من السفر، فسمع زهير بالصدفة من زملائه أنّ أيهم رئيس مجلس الإدارة في الشركة قد قدّم استقالته وغادر البلاد بعد أن حصل على فرصة عمل هناك، وحينها بدأ يفكّر في طريقة لعلّه يوظّفه مكانه، لذلك قرر أن يُحضر له هدية قيمة للتقرب منه علّه يستميل قلبه فيوظّفه مكان زميله، فبدأ يفكّر في هدية غالية الثمن إلّا أنّه شقّ على نفسه أن يدفع مبلغاً وفيراً ليشتريها، وظلّ يفكّر حتى تذكّر ساعة ثمينة كان قد أهداها والد زوجته أسيل لها قبل وفاته، فهرع إليها مُسرعاً، وبدأ بإقناعها لإعطائها له، فرفضت طلبه بالبداية بشكل قاطع، لكنّها وبعد إلحاح منه استمر لساعات يؤمّلها فيها بأنّ ساعة كهذه ستضمن لهما مستقبلاً رائعاً في الشركة، قد ينتهي به ليكون مديرها قامت بإعطائه إيّاها والحزن بادٍ على ملامحها، وفي صباح اليوم التالي دخل زهير إلى مديره مبتسماً وقام بتقديم الساعة كهديّة له، ولمّا شاهدها قطب جبينه، وقال متفحّصاً: وما مناسبة هذه الهديّة!

قال له زهير: منذ أن تم تعييني وأنا أرى بك قائداً ناجحاً يصلح لأن يكون قدوة لكلّ موظف هنا، لذلك وقبل انتهاء خدمتي -بعد أسبوع كما تعلم- أحببت أن أُعبّر عن امتناني وإعجابي لك بهذه الهدية.

رفض المدير في البداية لكنّ زهير أصرّ على ذلك، فقال له المدير: سآخذها عليك لإصرارك، شريطة أن أدفع ثمنها أو أُعطيك شيئاً بدلاً منها.

ابتسم زهير وبدأ يلتفت حوله وقال له: إذا كان لا بد من ذلك، فسآخذ ذلك القلم وأعتبره ثمناً للساعة.

ضحك المدير وقال: أيعقل أن يكون قلم رخيص ثمناً لساعة ثمينة مثلها!

ابتسم زهير وقال: ذلك لكي تطمئن وتأخذها دون تأنيب ضمير.

وهنا مدّ المدير يده إلى درج مكتبه ضاحكاً، وأخرج خمسة أقلام وأعطاها لزهير وقال له: "إذن خذ هذه الأقلام واشترِ لي بها خمس ساعات أُخر، شكراً لك" قال كلامه هذا وهو يرجع وراء مكتبه، ويتشاغل عن زهير بجهاز الحاسوب أمامه وكأنّه يعلن انتهاء المقابلة.

صعق زهير من تصرّف مديره، وقد بدت على وجهه ابتسامة صفراء باهتة، فيما سمع صوت المدير يقاطع شروده قائلاً: آه زهير.. هل لك أن ترسل لي أحمد زميلك في القسم لأتّفق معه على تفاصيل منصبه الجديد.

-أيُّ منصب جديد؟!

فقال المدير وهو يكتم ضحكة في جوفه: رئيس مجلس إدارة الشركة يا عزيزي.