عمّار النجّار

يعمل الشاب عمّار في مهنة النجارة منذ صغره وذلك بعد أن ورَّثه والده تلك الحرفة ليعمل بها، ويجني منها قوت يومه، وهو الأمر الذي جعله أمهر نجار في منطقته.


الفصل الأول

في أحد الأيام وأثناء انشغال عمّار في العمل جاء مجموعة من رجال الشرطة إلى ورشته، وفور دخولهم وقف مرتبكاً وبلع ريقه قائلاً: ما المشكلة يا سيّدي؟

اقترب منه رجل الشرطة وقال له: لا تقلق، لقد عرفنا أنك أمهر نجّار في المنطقة، لذا قررت الشرطة أن تقوم بمساعدتها في فتح أحد أبواب المنازل التابعة لأحد المهرِّبين والذي غادر البلاد مؤخراً، فإذا قمت بتلك المهمة سنقوم بتكريمك لاحقاً عليها.

تنهّد عمّار وابتسم بعد قلق لاعتقاده أنهم قد جاءوا لإلقاء القبض عليه، ثم قام بتجهيز معدّاته وذهب معهم إلى أحد المنازل المستقلة في المنطقة، وبدأ بفتح الباب حتى نجح في ذلك، فيما نظر إليه أحدهم وقال له بفوقية: هيه، انتظرنا هنا أمام الباب حتى نُخرج الممنوعات.

بقي عمّار منتظراً نصف ساعة حتى أنهوا مهمتهم، وعندما خرجوا نظر له رجل الشرطة ذاته وأشار له بيده وقال: عليك بإصلاح باب المنزل فوراً، ولا تنسَ أن تعرج على القسم غداً لتنال مكافأتك، ثم عادوا إلى عملهم فيما بدأ عمّار بإصلاح الباب وخلال ذلك نظر أرضاً فوجد أنّ أحد رجال الشرطة قد نسي حقيبته التي كانت معه أمام باب المنزل، وذلك أثناء وجوده بجانبه عند محاولته فتح الباب، وهو ما جعله يقرّر الذهاب في اليوم الذي يليه لتسليمها إلى المخفر، والاستفسار في ذات الوقت عن موعد تكريمه، وفور وصوله دخل إلى رئيس المخفر وألقى السلام عليه ثم قال له: لقد نسي أحد رجال الشرطة بالأمس حقيبته أمام المنزل الذي كنا نفتح بابه.

وحينها نظر له رئيس المخفر مندهشاً ثم بدأ يسأله عن تفاصيل الليلة الماضية، حتى أخبره عمّار بها كاملة، وقبل أن يُكمل حديثه أمر رجاله بالقبض عليه فوراً

ثم قال له: تمام تمام، لقد جئت بنفسك واعترفت بجريمة السرقة التي حدثت ليلة أمس في منزل رجل الأعمال.

بلع عمّار ريقه وبقي صامتاً للحظات ثم طلب من رئيس المخفر توضيح الأمر له.

حيث قال له: لقد وردنا بلاغاً في الليلة الماضية بوجود سرقة في أحد المنازل، وذلك عند عودة صاحبه في وقت متأخر بعدما أُلغيت رحلة سفره بشكل مفاجئ.


الفصل الثاني

وفي ذلك الوقت اكتشف عمّار أن من جاءوا وطلبوا منه فتح باب المنزل لم يكونوا سوى لصوصاً متنكّرين بهيئة رجال الشرطة، ولمّا ساعدهم بحسن نيّة أوقع نفسه في فخ لا يعلم كيف سيخرج منه إلّا الله.

لطم عمّار وجهه عندما قررت الشرطة حبسه بتهمة التواطؤ مع العصابة، ثمّ تمّ الزجّ به في حجرة مع مساجين آخرين إلى حين محاكمته، وعندما زُجّ به في الحجز وفور دخوله سمع أحدهم يقول بصوت مرتفع: هيه أنت، تعال واصنع لي كوباً من الشاي.

بدأ عمّار يلتفت حوله باحثاً عن مصدر ذلك الصوت، ولم يفتأ إلّا أن رأى نفسه ممدداً أرضاً وحذاء كبيراً يعلو أمام وجهه، وصوت يقول له: ألم تسمع ما طلبته منك؟ هيا اذهب وأحضر لي الشاي.

بدأ عمّار يرتجف ووقف فوراً لتلبية رغبة ذلك الرجل وأحضر له الشاي، وعندما قدّمه له بيد مرتعشة طلب منه الرجل الجلوس بجانبه وقال له بصوت جَهْوَرِيّ: أنا جلال رئيس هذه الحجرة، أخبرني ما هي جريمتك؟

كان عمّار يتصبب عرقاً والقشعريرة تسري في كامل جسده ثم قال له بصوت مرتجف: إنني أعمل كنجار وقد تعرضتُ لعملية احتيال واتُهمت بالتواطؤ مع السارقين.

ثم شرح له تفاصيل الحادثة، وبعدها قال له: لكن رئيس المخفر أخبرني بأنهم اقتربوا من القبض على العصابة وعند اعترافهم بالحقيقة سوف يُخلي سبيلي فوراً.

ضحك جلال بصوت مرتفع حتى سال الدمع من عينيه وقال لعمّار: اوووه، يا لك من أحمق.

وبعد مرور يومين نادى رئيس المخفر عمّار وأخبره بأنه تم إلقاء القبض على العصابة، وسوف يتمّ إخلاء سبيله بعد أن اعترفوا بأنك لست متواطئ معهم، وفي تلك الأثناء ذهب عمّار مسرعاً والفرحة على وجهه لجمع متاعه من حجرة المساجين، ولمّا رآه جلال اقترب منه وهمس في أذنه وقال: عندما تحدثت معك في المرة الماضية شعرت بأنك رجل طيب لذلك وكوني محكوم بالإعدام بعد قتلي لزوجتي، ولكونك نجار قررت أن أدُلّك على أرضي الزراعية لتُقطّع أشجارها وتستفيد من أخشابها دون مقابل.

عندما سمع عمّار ذلك فرح كثيراً وشكره على لطفه، ثمّ قام جلال بإعطائه عنوان أرضه.


الفصل الثالث

وبعد إخلاء سبيله ذهب عمّار مُسرعاً مع بزوغ شمس اليوم الذي يليه إلى ذلك العنوان، وبدأ بقطع جميع الأشجار وتجميعها ليأخذها إلى ورشته، وعند غياب قرص الشمس وفور انتهائه تفاجأ بوجود رجال الشرطة أمامه الذين قاموا باعتقاله، وحينها بدأ يصرخ ويقول: لاااا، لا بد من أن هنالك خطأ ما.

قال له الشرطي: لقد تلقينا بلاغاً من صاحب الأرض الزراعية المجاورة بعد أن رآك تقطع أشجار جاره، فصدم عمّار وبرّر فعلته: هنالك سوء تفاهم... هنالك سوء تفاهم

وبعدها قاموا باعتقاله، وعند إحضاره إلى مركز الشرطة وأثناء انتظاره في مكتب الرئيس، شاهد السجين جلال يُحضّر نفسه لإخلاء سبيله فاقترب منه عمّار وقال: ها! ألم تقل لي أنك محكوم بالإعدام بعد قتلك زوجتك؟

نظر له جلال وقال: مممم، من أنت أسبق والتقينا؟!

حدّق عمّار النظر به مستغرباً من ردة فعله، وفي تلك الأثناء سمع جلال يتحدّث مع أحدهم ويقول: أشكرك يا طلال بأنك تنازلت عن قضية السرقة التي رفعتها ضدي في السابق.

غمزه طلال وقال له: اووه لا داعي لذلك لقد وصلني حقي منك بعد أن ساعدتني في قطع أشجار مزرعتي دون مقابل.

ابتسم له جلال وقال: أعرف أنك تعاني من ضائقة مالية تمنعك من إحضار عامل للقيام بتلك المهمة، وضحك الاثنان بتهكّم وخرجا سوياً خارج السجن.