قرية الزهور

في قرية جميلة تنتشر فيها الأشجار المتنوعة والزهور ذات الألوان الزاهية، والروائح الزكيّة عاش أهلها حياة بسيطة هادئة، يعملون صباحاً ويتسامرون مع بعضهم ليلاً، ويمثلون أمام مختار القرية طالبين الصلح إذا ما حلّ بينهم خلاف.


الفصل الأول

في أحد الأيام استيقظ أهل القرية على خبر انقطاع الماء عن منازلهم على غير العادة، فما كان لهم إلّا اللجوء إلى طارق ذلك الشاب الفقير الذي يسكن وحيداً في بيته، والذي عيّنته الحكومة مسؤولاً عن شبكة المياه فيها وتوصيلها لمنازلهم، وطارق الذي كان قد خطب ابنة مختار القرية التي تدعى صفيّة بعد قصة حب حاربت فيها والدها وهددته بالانتحار بعد أن رفض خطبتها له كونه شاب فقير ولا يُلائم مستواهم شاب قليل الحيلة، ومع ذلك اتّجه أهل القرية إلى منزل طارق لإخباره عن مشكلة انقطاع الماء، فما كان منه إلأّ أن فتح صنبور الماء وتأكد من قولهم، ومن ثم ذهب مُسرعاً إلى قنوات المياه لمعاينة المشكلة، وعندما وصل وقف يتفحّصها محاولاً كشف مصدر العطل وفور انتهائه عاد إلى أهل القرية راكضاً ووجدهم مجتمعين معاً ينتظرون ما توصّل إليه من نتيجة.


فوقف يلقط أنفاسه وقال لهم: إنّ هنالك عطلاً كبيراً في القناة الرئيسية المزوّدة للماء.

قال له أبو أسعد صاحب محل الحلويات مستغرباً: وما الذي جرى بين ليلة وضحاها!

ثم حرّك مختار القرية يديه ساخراً من خطيب ابنته وقال أمام الجميع: ما دام طارق يعمل على قناة مياه القرية فسنرى من تلك الأعطال الكثير.


ضحك أهل القرية بصوت عالٍ ساخرين من كلامه، بينما احمرّ وجه طارق من الخجل كون عمّه يسخر منه بشكل دائم أمام الجميع، وعبس في وجهه والتفت إلى أهل القرية وقال لهم: إنني مضطر للتواصل مع الحكومة ليرسلوا لنا موظفاً منهم لمساعدتي، لذلك سأذهب اليوم إلى هناك، وافق أهل القرية على اقتراحه وذهب كل واحد منهم إلى عمله منتظرين عودته، وفي صباح اليوم التالي عاد طارق ومعه موظف حكومي في البلدية يُدعى مُحسن كان قد جاء به من المدينة، فقام بتعريفه على مختار القرية وأهلها، ثمّ أخبرهم بأنّ عليه أن يباشر بالعمل فوراً، ويذهب للكشف عن العطل الفني، ليصطحبه طارق إلى هناك، وينفضّ الجمع كلّ إلى عمله ومسعاه.


عندما انتهى الاثنان من الكشف ركضا مسرعان نحو أهل القرية، واتكأ طارق على الحائط وقال لهم: لقد اعتقدنا أن القناة الرئيسية مغلقة بسبب تراكم الصخور داخلها ولكن ما تبيّن عندما قام محسن بالكشف عليها بواسطة جهازه الخاص الذي أحضره من المدينة اكتشفنا أن القناة أُغلقت بسبب تراكم طمائر ذهب موجودة منذ عشرات السنين بعد أن جرفتها المياه حديثاً.

شهق أهل القرية بصوتٍ واحد بعد سماع ما قاله طارق، وبدأوا ينظرون إلى بعضهم البعض وهم في حالة دهشة، ومن ثم سأل أحدهم الموظف الحكومي عن مدى صحة كلام طارق حتى أخبره أن ما سمعه صحيح، فقام العم أبو أسعد وقد شمّر عن ساعديه وقال: وأين هي الطمائر الآن؟

أجابه طارق: إن الطمائر كبيرة وكثيرة، لم نستطع إخراجها فهي تحتاج رجال كُثر ليقوموا بعمليات الحفر قبل الاستخراج.

مدّ مُحسن يده وقام بإعطاء العم أبو أسعد قطعة ذهب صغيرة وقال له: هذا ما استطعنا إخراجه، بينما بقيت باقي الطمائر داخل القناة.

بَرَّق مختار القرية بعينيه تجاه قطعة الذهب ومدّ يده مُسرعاً وخطفها من أبي مسعود وقال: أعطني إياها سأحتفظ بها عندي فأنا مختار القرية.

فقال لهم طارق: عليكم الذهاب غداً والبدء بالحفر مجتمعين حتى نُخرج الطمائر من مكانها ونتقاسمها جميعاً.

نظر له مختار القرية مُتفاخراً ووضع يده على كتفه وقال: الآن قد بدأت تستخدم عقلك بشكل جيد.

وفي تلك الأثناء جاءت خولة المجنونة، تلك الفتاة التي أُصيبت بالجنون بعد أن توفي أخوها الوحيد في السجن، بعد رفض مختار القرية مساعدته في سداد ديونه، ثم اقتربت من المختار وبدأت بالصراخ بصوتٍ مرتفع وقالت: لا يوجد طمائر في قريتنا إن الطمائر الحقيقية مُخزنة في منزل ذلك المختار اللئيم.

بدأ أهل القرية بالضحك على ما قالته خولة المجنونة، حتى غضب المختار منها وهمّ بضربها قبل أن تمدّ لسانها له ساخرة منه ثم ركضت هاربة.


الفصل الثاني

في صباح اليوم التالي اجتمع أهل القرية أمام منزل طارق وأخبروه بأنهم ذاهبون للبدء بالحفر، فقال لهم: سأقوم بإيصال مُحسن موظف البلدية إلى المدينة لكي لا يضلّ طريقه، وفور عودتي أجدكم قد أخرجتم الطمائر وبدأتم بتقاسمها.

ثم التفت إلى خطيبته صفيّة وقال لها: ضعي حُصّتي معكِ.


عندما سمع مختار القرية بذلك ابتسم ابتسامة ماكرة مُحدثاً نفسه بالاستيلاء عليها خلسة، ثم ذهبوا جميعاً لقناة المياه للبدء بالحفر حاملين معهم معداتهم، وطعامهم وشرابهم، وفي تلك الأثناء بدأوا يُقسّمون عمليات الحفر بينهم فالرجال يحفرون، والنساء يزحن الصخور، فيما يساعد الأطفال بنقل الطمي الخفيف من مجرى القناة، وحينها بدأت عمليات الحفر من جميع الجوانب لعلهم يصلون إلى الطمائر، وبعد مرور سبع ساعات من العمل الشاق لم يستطع أحدهم الوصول إلى شيء، فيما بدت أمارات التعب والإرهاق تظهر عليهم، وحينها بدأوا ينظرون إلى بعضهم البعض، فقال العم أبو أسعد مُرهقاً وجبينه يتصبب عرقاً: مضى سبع ساعات ولم نصل إلى شيء.

نظر له مختار القرية والفأس بيده وقال: هيّا، استمر في العمل فلا بد من أن نصل إذا استمرينا في الحفر.


الفصل الثالث

استمر أهل القرية إلى منتصف الليل في شغلهم هذا ولا أثر للطمائر، إلى أن تنبهوا إلى أنّ طارق لم يعد، فقرروا أن يعودوا إلى منازلهم ليستطلعوا الأمر، وفور دخولهم إلى منازلهم تفاجئوا بأن جميع منازلهم قد سُرقت، حيث سُلبت جميع ممتلكاتهم الثمينة، وعندما دخلت صفيّة إلى غرفتها وجدت رسالة على سريرها تقول: "لقد أذلّني أبوك كثيراً فتحمّلت إهاناته لي طويلاً علّه يرتدع، أمّا الآن فقد حان وقت انتقامي منه حيث بدأت بسرقة طمائره أولاً، ثم بقية منازل أهل القرية، لذلك أخبريه بأن يستخدم عقله بشكل جيّد في الأيام القادمة كونه مُختار القرية، أمّا الآن فعليه إصلاح قناة المياه التي أفسدها أهل القرية بطمعهم من نفقته الخاصة.


فيما نظرت خولة المجنونة إلى أهل القرية وهم يولولون إثر ما حصل، وبدأت تردّد بصوت عالٍ وتقول: أيها المغفلون، لقد سرقكم طارق في وضح النهار هاهاها، وضحكت حتى غطّى صوتها أرجاء المكان.

فيما كان طارق ومحسن جالسين على رأس تلّة بعيدة يَعُدّان ما جمعانه من سرقة أهل القرية، حيث قال محسن لطارق: يا لك من محتال كبير! لقد استطعت إقناعهم بأنني موظف حكومي في البلدية، وقمت بسرقتهم في وضح النهار.

ضحك طارق وهو يعدّ النقود وقال: انظر، لقد صدقت خولة المجنونة لمّا قالت إنّ الطمائر الحقيقية موجودة في منزل المختار، لا ردّه الله، لا يجلب الغراب لنفسه إلّا الخراب.