الأخوان المختلفان

فهيم وكريم أخوان اثنان الأول منهما كان ذكياً جداً، بينما الثاني كان محدود الذكاء، لذا كان فهيم يستخدم تلك الميزة التي يمتلكها في استغلال أخيه كريم الذي يعتبره الآخرون غبياً، وذلك ليحصل على ما يريده منه.


في أحد الأيام كان فهيم في زيارة صديقه مازن الذي يعمل كمدير في مؤسسة حكومية في منطقته، وأثناء حديثهما معاً سأله عن أحوال أخيه كريم، فما كان لديهم إلا أن ضحك، وهو يخبره ويقول: إنني وكلما ضاقت أحوالي الاقتصادية، أو أعجبني شيئاً يملكه أقوم بالاحتيال عليه وآخذ منه ما أُريد دون أن يكشفني.، فضحك مازن وطلب منه أن يخبره عن تلك المواقف


فقال له فهيم بحماس: في أحد الأيام مثلاً لم يكن لدي المال الكافي وبذات الوقت كنت بحاجة لشراء بعض الاحتياجات الضرورية من السوق، فطلبت منه أن يرافقني وما كان منه إلا أن وافق، وعند وصولنا أخذت بطاقته البنكية دون علمه كونه أخبرني في ذات الأيام عن رقمها السري عندما سألته عنه في الماضي، وحينها بدأت أشتري جميع ما أحتاج له كما أنني اشتريت هدايا لأصدقائي وأشياء أخرى لست بحاجتها، وكلّ ذلك دون أن يعلم بأنني أقوم بالدفع من بطاقته البنكية، وعند انتهائنا وفور وصولنا إلى المنزل أعطيته بطاقته

وقلت له: شكراً لك يا كريم على مبادرتك الطيبة، لولاك لم أكن أعرف كيف سأشتري احتياجاتي الضرورية.

دُهش كريم وقال: ماذا تقصد بذلك؟! وكيف وقعت بطاقتي في يديك!

ثم ادّعيت بأنني مصدوم من ردة فعله وقلت له: ألم تخبرني ليلة أمس أنه وبإمكاني أن أشتري من بطاقتك البنكية ما أُريد، وذلك بعد أن اشتكيت لك سوء أحوالي الاقتصادية!

قال كريم متعجّباً: لا أتذكّر ذلك! أخبرني متى كان هذا بالتفصيل؟

وحينها أريته رسالة كنت قد أرسلتها من هاتفه وهو نائم إلى هاتفي تُفيد بأنه سمح لي باستخدام بطاقته، وعندما شاهد الرسالة دُهش

وقام بحك رأسه وسألني: أنا أرسلتها! متى كان ذلك!

وعندها مثّلت أمامه بأنني مُحرج لسوء أحوالي، وقلت له: ألا تتذكر حين أخبرتك ليلة أمس أنني أُعاني من ضائقة مالية، وعند حلول الليل تفاجأت بإرسالك لي هذه الرسالة والتي تسمح لي باستخدام بطاقتك البنكية، وحينها ذهبت إلى غرفتك وشكرتك على ذلك.

ضرب كريم جبينه وقال: آه معك حق لقد تذكرت ذلك، لا تقلق فنحن أخوان ولا فرق بيننا.


ضحك مازن فهيم عند سماعه لتلك القصة وقال له: إن أخاك يختلف عنك تماماً فبالرغم من شدة ذكائك وحنكتك إلا أنه عكسك تماماً، لذا أخبرني عن قصص أُخرى معه.


قال له فهيم: في أحد الأيام وكعادتي كنت بحاجة إلى النقود لذا قررت أن أبيع شيئاً من ممتلكاتي لعلّي أحصل على المال، وعندما نظرت حولي لم أجد شيئاً لبيعه سوى أدواتي الهندسية التي أستخدمها أثناء عملي من المنزل لذا لمّا ذهبت إلى السوق لبيعها لم يقبل أحد شراءها كونها موجودة بوفرة في السوق، ولذلك أقنعت أخي كريم أن يشتريها مني، وبالرغم من عمله البعيد كل البعد عن مجال الهندسة اقتنع بذلك وقام بإعطائي ثمنها، وفي ذات الوقت أصبحت أُحدّث نفسي وأقول إننا نعيش في ذات المنزل لذا سأعاود استخدامها منه في أي وقت كونه لا يحتاجها، ولمّا همّ بالخروج من غرفتي عاد مستغرباً وقال: ألم تكن تلك الأدوات الهندسية هدية مني لك بمناسبة يوم ميلادك!

ارتبكت وقلت له: نعم لقد كانت مبادرة طيبة منك أشكرك على ذلك.

ثم وضع يده على كتفي وقال لي: لا داعي لشكري فنحن أخوان، ثم خرج من الغرفة.

ولمّا سمع مازن بذلك كاد يغشى عليه من الضحك وطلب منه الاستمرار في سرد القصص.


استطرد فهيم وقال: في أحد الأيام أرسل لنا ابن عمنا هديّتين من سفره كانت إحداهما ميدالية من الذهب والأخرى من الفضة، لكن الثانية أكبر حجماً من الأولى بقليل، وكان بجوارهما رسالة منه تُفيد بأن نتفق كلانا على أخذ ما يُعجبنا من الهدايا، لذا وفي تلك اللحظة خيّرت أخي كريم بينهما إلا أنه اختار القطعة الذهبية، وقد كانت تلك هي المرة الأولى التي أشعر فيها بأن أخي يستخدم عقله، لذا قررت أن أُتظاهر أمامه بأنّني أكاد أطير فرحاً بقطعتي الفضية الكبيرة.

وقلت له بصوت عالٍ مليء بالحماس: يا لها من قطعة فضية جميلة!! أشكرك لأنك تركتها لي، أشكرك.

لمّا سمع كريم بذلك شعر أنه سيُضيّع على نفسه قطعة نادرة، فقال محاولاً استردادها بذكاء: اسمع اسمع، أنت أخي ولأنّي أحبّك سأتنازل لك عن هذه القطعة الذهبية وأعطني أنت تلك الفضيّة الكبيرة.

 بينما أنا رفضت ذلك في البداية وأخبرته أنني مُصرّ على أخذها وذلك لأوهمه بقيمة القطعة الفضية العالية، وبعد دقائق أخبرته أنني موافق له على أخذها وأنا أتظاهر بالحسرة على ذلك، فخطفها من يدي وكأنّه يخطف كنزاً وانطلق مسرعاً إلى غرفته قبل أن أبدّل رأيي.


وفي يوم آخر كنت قد صرفت جميع نقودي فور استلامي لراتبي، وحينها بدأت أبحث عن طريقة للحصول على المال لكنني لم أجرؤ على الطلب منه كوني كنت دائماً ما اقترض منه النقود دون أن أُعيدها له؛ لذا قررت استعطافه لذلك وعندما مرّ بجانب غرفتي تظاهرت أنني أكاد أموت من الهمّ والكدَر، حتى سألني عن السبب

 فأجبته بحزن: لقد ضاعت محفظتي التي أضع بداخلها راتب هذا الشهر، والآن لا أدري كيف سأتصرّف.

تأثّر فهيم حينها وقام بإعطائي النقود وأخبرني أن لا أحمل همّ أي شيء، ولكن ولسوء حظي كنت قد نسيت إخفاء المحفظة من الغرفة، فلاحظها أمامه وقام بحملها بيده

وقال لي باستغراب: أليست هذه محفظتك! كيف تقول لي أنك أضعتها؟!

وعندها ارتبكت وما كان أمامي سوى أن أقول له بنبرة غضب: ماذا تقصد يا كريم! ها هي نقودك لا أريدها

توقف كريم لثوانٍ وقال لي عن شيء لم يفهمه ولا أفهمه أنا حتى: لا لا، أنا آسف لم أكن أقصد ذلك.

وبقي يتأسف لي لدقائق، وليس هذا وحسب بل خرج من الغرفة ونسي أن يستعيد النقود التي أعطاني إياها، أتصدّق ذلك!


الرجل المناسب في المكان المناسب

لمّا سمع مازن تلك القصص وتأكد من قدرات كريم المحدودة وسهولة إقناعه بأي شيء لمعت في باله فكرة.

فقال لفهيم: أريد أن أطلب منك شيئاً.

قال له فهيم: ما هو؟

قال مازن يتمتم وهو يغمز لفهيم بخباثة: في مؤسستي هذه أحتاج إلى مدير للشؤون المالية مثل أخيك، شخصاً قمة بالنباهة والكرم، أقنعه بما يحلو لي فينفّذ.

ضحك الاثنان وقال له فهيم: حسناً حسناً، اعتبرني موافقاً، أقصد اعتبره موافقاً، لكن قلّي متى سنتقاسم أرباح أوّل صفقة؟

قال مازن: أبشر يا صديق...عندما نضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

قهقه الصديقان طويلاً وانتهى الحوار.